السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فوائد من قوله تعالى : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
فوائد جليلة في معنى قوله تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ }. قال - رحمه الله - : وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : اليهود مغضوب عليهم . والنصارى ضالون وكتاب الله يدل على ذلك في مواضع مثل قوله تعالى :{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} ، وقوله : فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ، وقوله : وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ، وذكر آيات في هذا المعنى تدل على أن اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون؛ مصداقا لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
ثم قال - رحمه الله - : ولما أمرنا الله سبحانه أن نسأله في كل صلاة أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين المغايرين للمغضوب عليهم وللضالين . كان ذلك مما يبين أن العبد يخاف عليه من الانحراف إلى هذين الطريقين، وقد وقع ذلك كما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : لتسلكن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) . قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : ( فمن ) ؟ . وهو حديث صحيح وكان السلف يرون أن من انحرف من العلماء عن الصراط المستقيم ففيه شبه من اليهود . ومن انحرف من العُبَّاد ففيه شبه من النصارى؛ كما يُرى في أصول منحرفة أهل العلم من تحريف الكلم عن مواضعه، وقسوة القلوب، والبخل بالعلم، والكبر، وأمر الناس بالبر ونسيان أنفسهم، وغير ذلك .
وكما يُرى في منحرفة أهل العبادة والأحوال من الغلو في الأنبياء والصالحين والابتداع في العبادات، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم . فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله
ولهذا يشرع في التشهد وفي سائر الخطب المشروعة كخطب الجمع والأعياد وخطب الحاجات عند النكاح وغيره أن نقول : أشهد أن لا إله إلا الله . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحقق عبوديته لئلا تقع الأمة فيما وقعت فيه النصارى في المسيح من دعوى الألوهية، حتى قال رجل : ما شاء الله وشِئت، فقال : أجعلتني لله ندا ؟ بل ما شاء الله وحده . وقال : لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا عليَّ حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني . وقال : اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ! اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فمن توهم في نبينا أو غيره من الأنبياء شيئا من الألوهية والربوبية فهو من جنس النصارى .
وإنما حقوق الأنبياء ما جاء به الكتاب والسنة عنهم، قال تعالى في خطابه : { وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } ، والتعزير : النصر والتوقير والتأييد . وقال تعالى : {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} ، فهذا في حق الرسول، ثم قال في حق الله تعالى :{ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }، وقال تعالى : {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ، وذكر طاعة الرسول في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن ثم ذكر - رحمه الله - جملة منها، ثم قال
فقد بين الله في كتابه حقوق الرسول : من الطاعة له، ومحبته وتعزيره وتوقيره ونصره، وتحكيمه، والرضى بحكمه والتسليم له واتباعه والصلاة والتسليم عليه، وتقديمه على النفس والأهل والمال، ورد ما يُتنازع فيه إليه، وغير ذلك من الحقوق .
وأخبر أن طاعته طاعتُه فقال : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، ومبايعته فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ }، وقرن بين اسمه واسمه في المحبة فقال : أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وفي الطاعة والمعصية فقال : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ، وفي الأذى فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ؛ فهذا ونحوه هو الذي يستحقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بأبي هو وأمي ! فأما العبادة والاستعانة فلله وحده لا شريك له؛ كما قال : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }؛ ثم ذكر آيات كثيرة في هذا المعنى، ثم قال - رحمه الله - : وتوحيد الله وإخلاص الدين له عبادته واستعانته في القرآن كثير جدا، بل هو قلب الإيمان وأول الإسلام وآخره . إلى أنه قال : وعبادة الله وحده ومتابعة الرسول فيما جاء به هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله .
إلى أن قال - رحمه الله - : فالعبادة والاستعانة وما يدخل في ذلك من الدعاء والاستغاثة والخشية والرجاء والإنابة والتوكل والتوبة والاستغفار كل هذا لله وحده لا شريك له . فالعبادة متعلقة بألوهيته، والاستعانة متعلقة بربوبيته، والله رب العالمين، لا إله إلا هو، ولا رب لنا غيره، لا مَلَك ولا نبي ولا غيره بل أكبر الكبائر الإشراك بالله وأن تجعل له ندا وهو خلقك . والشرك أن تجعل لغيره شركا؛ أي : نصيبا في عبادتك وتوكلك واستعانتك .
المصدر
أضواء من فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية في العقيدة
للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
م
مجووووووده
فوائد من قوله تعالى : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
فوائد جليلة في معنى قوله تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ }. قال - رحمه الله - : وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : اليهود مغضوب عليهم . والنصارى ضالون وكتاب الله يدل على ذلك في مواضع مثل قوله تعالى :{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} ، وقوله : فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ، وقوله : وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ، وذكر آيات في هذا المعنى تدل على أن اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون؛ مصداقا لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
ثم قال - رحمه الله - : ولما أمرنا الله سبحانه أن نسأله في كل صلاة أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين المغايرين للمغضوب عليهم وللضالين . كان ذلك مما يبين أن العبد يخاف عليه من الانحراف إلى هذين الطريقين، وقد وقع ذلك كما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : لتسلكن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) . قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : ( فمن ) ؟ . وهو حديث صحيح وكان السلف يرون أن من انحرف من العلماء عن الصراط المستقيم ففيه شبه من اليهود . ومن انحرف من العُبَّاد ففيه شبه من النصارى؛ كما يُرى في أصول منحرفة أهل العلم من تحريف الكلم عن مواضعه، وقسوة القلوب، والبخل بالعلم، والكبر، وأمر الناس بالبر ونسيان أنفسهم، وغير ذلك .
وكما يُرى في منحرفة أهل العبادة والأحوال من الغلو في الأنبياء والصالحين والابتداع في العبادات، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم . فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله
ولهذا يشرع في التشهد وفي سائر الخطب المشروعة كخطب الجمع والأعياد وخطب الحاجات عند النكاح وغيره أن نقول : أشهد أن لا إله إلا الله . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحقق عبوديته لئلا تقع الأمة فيما وقعت فيه النصارى في المسيح من دعوى الألوهية، حتى قال رجل : ما شاء الله وشِئت، فقال : أجعلتني لله ندا ؟ بل ما شاء الله وحده . وقال : لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا عليَّ حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني . وقال : اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ! اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فمن توهم في نبينا أو غيره من الأنبياء شيئا من الألوهية والربوبية فهو من جنس النصارى .
وإنما حقوق الأنبياء ما جاء به الكتاب والسنة عنهم، قال تعالى في خطابه : { وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } ، والتعزير : النصر والتوقير والتأييد . وقال تعالى : {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} ، فهذا في حق الرسول، ثم قال في حق الله تعالى :{ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }، وقال تعالى : {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ، وذكر طاعة الرسول في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن ثم ذكر - رحمه الله - جملة منها، ثم قال
فقد بين الله في كتابه حقوق الرسول : من الطاعة له، ومحبته وتعزيره وتوقيره ونصره، وتحكيمه، والرضى بحكمه والتسليم له واتباعه والصلاة والتسليم عليه، وتقديمه على النفس والأهل والمال، ورد ما يُتنازع فيه إليه، وغير ذلك من الحقوق .
وأخبر أن طاعته طاعتُه فقال : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، ومبايعته فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ }، وقرن بين اسمه واسمه في المحبة فقال : أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وفي الطاعة والمعصية فقال : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ، وفي الأذى فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ؛ فهذا ونحوه هو الذي يستحقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بأبي هو وأمي ! فأما العبادة والاستعانة فلله وحده لا شريك له؛ كما قال : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }؛ ثم ذكر آيات كثيرة في هذا المعنى، ثم قال - رحمه الله - : وتوحيد الله وإخلاص الدين له عبادته واستعانته في القرآن كثير جدا، بل هو قلب الإيمان وأول الإسلام وآخره . إلى أنه قال : وعبادة الله وحده ومتابعة الرسول فيما جاء به هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله .
إلى أن قال - رحمه الله - : فالعبادة والاستعانة وما يدخل في ذلك من الدعاء والاستغاثة والخشية والرجاء والإنابة والتوكل والتوبة والاستغفار كل هذا لله وحده لا شريك له . فالعبادة متعلقة بألوهيته، والاستعانة متعلقة بربوبيته، والله رب العالمين، لا إله إلا هو، ولا رب لنا غيره، لا مَلَك ولا نبي ولا غيره بل أكبر الكبائر الإشراك بالله وأن تجعل له ندا وهو خلقك . والشرك أن تجعل لغيره شركا؛ أي : نصيبا في عبادتك وتوكلك واستعانتك .
المصدر
أضواء من فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية في العقيدة
للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
م
مجووووووده