الحمد لله العليم الحكيم؛ وفق من شاء من عباده للخيرات، واكتساب الحسنات، فكان سعيهم مشكورا، وعملهم مبرورا، نحمده على فضله ونعمه، ونشكره على آلائه ومننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ اصطفى من خلقه عبادا تركوا الدنيا لأهلها، وأقبلوا بقلوبهم على الآخرة {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ الله وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:29] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ ما صام أحد كصيامه، ولا قام كقيامه، وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، خير صحب وآل، والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأحسنوا ختام شكركم، واستدركوا فيما بقي منه ما فاتكم، واعلموا أن هذه الليالي القلائل هي خير الليالي، وحريٌ أن تكون فيها ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه؛ فلا تحرموا أنفسكم بركتها، واعملوا بخير ما عندكم فيها؛ فإن الجزاء فيها كبير، وهبات الرحمن عظيمة، والمحروم من حرم خير الله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدُخان:3-4].
أيها الناس: في هذه الليالي العظيمة تعج مساجد المسلمين في أول الليل وآخره بالمصلين: قائمين راكعين ساجدين، يتلون كتاب ربهم، وينصتون إلى آيته خاشعين متدبرين، متبعين هدي نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام الذي شرع لهم قيام رمضان جماعة في المساجد، كما شرع لهم قيام الليل طوال السنة في بيوتهم.
وأحيا عمر رضي الله عنه سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وجمع الناس على أئمتهم في رمضان، وكان هذا دأب المسلمين بتتابع القرون، وتطاول السنون، يحيون ليالي رمضان في المساجد، ويخصون العشر الأخيرة منه بمزيد عناية واجتهاد؛ تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام، فيزيدون في ركعات الصلاة، ويطيلون القنوت والركوع والسجود.
والصلاة من أفضل الأعمال البدنية، ومن خير ما يتطوع به المسلم لربه عز وجل، وهي صلة بين العبد وربه، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فإذا كانت الصلاة في أفضل شهر كانت أعظم، فكيف إذن إن كانت في خير عشر، وفي أفضل وقت وهو ثلث الليل الآخر، حين ينزل الرب جل جلاله، يغفر للمستغفرين، ويجيب الداعين، ويعطي السائلين.
لقد اجتمعت في قيام هذه الليالي المباركة فضيلة العمل وهو الصلاة، وفضيلة الشهر وهو رمضان، وفضيلة عشره الأخيرة، وفضيلة الوقت وهو ثلث الليل الآخر. وهذا العمل الصالح الجليل الذي كان في أشرف الزمان وأشرف الأماكن، وبهيئات هي أشرف الهيئات، إنما كان لله تعالى الذي لا يستحق العبادة سواه، وهو الكريم الجواد الذي بيده خزائن كل شيء، ويُعْطِي عطاء جزيلا على قليل الأعمال، فما ظنكم -يا عباد الله- بعطايا ربكم للمتهجدين، ولا سيما إذا علمنا ما في التهجد من فضيلة!!
إن قيام الليل له من الفضل والمنفعة للمؤمن ما لا يعده العادون، ولا يحصيه المحصون، ومن عظيم فضله أنه كان فرضا في أول الإسلام، وخوطب به النبي عليه الصلاة والسلام في مكة، ولمَّا تكتمل بعدُ شرائع الإسلام، ولا أقيمت للمسلمين دولة.
بل إن الأمر بقيام الليل جاء في أوائل السور المكية نزولا، وهي سورة المزمل التي هي ثانية السور نزولا أو ثالثتها أو رابعتها على خلاف بين المفسرين، ولو كانت الرابعة على أبعد تقدير فهي متقدمة جدا، وهذا يدل على مكانة قيام الليل من شريعة الإسلام؛ إذ جاء فيما تقدم نزوله من القرآن {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآَنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:1-4] وسأل سعد بن هشام رحمه الله تعالى عائشة رضي الله عنها عن قِيَامِ الرسول عليه الصلاة والسلام فقالت: (أَلَسْتَ تَقْرَأُ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟ قلت: بَلَى، قالت: فإن اللَّهَ عز وجل افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ في أَوَّلِ هذه السُّورَةِ فَقَامَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا وَأَمْسَكَ الله خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا في السَّمَاءِ حتى أَنْزَلَ الله في آخِرِ هذه السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ) رواه مسلم.
وفي رواية لأبي داود والدارمي: (فَقَامَ أَصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ وَحُبِسَ خَاتِمَتُهَا في السَّمَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ نَزَلَ آخِرُهَا فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ).
بيد أن قيام الليل وإن وُضع فرضه عن المسلمين؛ رحمة من الله تعالى بهم، وتخفيفا علىهم؛ لعجزهم وضعفهم؛ فإنه ظل فريضة على النبي عليه الصلاة والسلام؛ تعظيما لشأنه، وزيادة في رفعة درجاته، وتخصيصا له بفضائل الأعمال كما اختصه الله تعالى بأعلى المنازل والمقامات؛ وفي سورة الإسراء خوطب النبي عليه الصلاة والسلام بالفرائض، ثم خُوطب عقبها بقيام الليل {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79] أي لأجلك، وهذا دليل اختصاص النبي عليه الصلاة والسلام بفرض قيام الليل دون أمته.
والله تعالى لا يختار لخاتم رسله إلا ما هو أفضل وأكمل، ولا يفترض عليه إلا ما يقربه إليه، ولا سيما أن الله تعالى قد علَّلَ هذا الأمر لنبيه عليه الصلاة والسلام في فرض قيام الليل عليه بقوله سبحانه {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79].
والمقام المحمود مقام عظيم جليل يوم القيامة، وهو مقام الشفاعة للخلق بأن يُقضى بينهم، ولا يكون ذلك المقام إلا للنبي عليه الصلاة والسلام، حين يشفع عند الله تعالى فيقبل الله تعالى شفاعته، فيغبطه المرسلون عليهم السلام على ذلك المقام.
فكان المتأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام في قيام الليل قد تأسى بما اختاره الله تعالى له، وفرضه عليه؛ ليعطيه المقام المحمود، وفي ذلك من الفضيلة ما لا يخفى.
وقيام الليل جاء الأمر به في القرآن كثيرا:
ففي سورة ق {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:40].
وفي الطور {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطُّور:49].
وفي الإنسان {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان:26].
وأثنى سبحانه وتعالى على المتهجدين فقال {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزُّمر:9].
وفي الأمم التي سبقتنا صالحون متهجدون يقومون بآيات الله تعالى والناس نيام فامتدحهم الله تعالى بذلك {مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ الله آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران:113].
وذكر سبحانه في الفرقان صفات عباده عز وجل، ومنها {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64]، ثم بين سبحانه أن مأواهم الجنة بقوله سبحانه {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان:75-76].
وفي مقام آخر ذكر سبحانه وتعالى ما أعد لعباده المتقين في الجنة من النعيم المقيم، وذكر من صفاتهم {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقَانِتِينَ وَالمُنْفِقِينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:17].
وفي موضع ثالث أخبر عز وجل أن للمتقين جنات النعيم، وذكر من أعمالهم أنهم {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17].
وذكر سبحانه وتعالى أن المؤمنين بآيات الله تعالى تنتفع قلوبهم بها، فيخشعون عندها، وينقادون لها، ويتأثرون بمواعظها، فتزيدهم تعظيما لله تعالى وإجلالا، وخضوعا وإذعانا، ومحبة وخوفا ورجاء، ثم قال سبحانه في وصف حالهم بالليل والناس نيام {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16] والجنوب لا تتجافى عن المضاجع إلا إذا تحركت القلوب، والقلوب إنما تهتم للأمور العظيمة المهمة، وهل شيء في الدنيا -بعد الإيمان- أعظم وأجلُّ وأهمُّ من مناجاة الله تعالى في هجعة الليل وسكون الخلق؟! ولا يدرك عظمة ذلك إلا أصحاب القلوب الحيَّة، والضمائر اليقظة، الذين عرفوا قدر ربهم، فعظموه حق التعظيم، وانتفضوا من فرشهم لجلاله في الليل البهيم، ذاكرين مسبحين مستغفرين.
عرفوا ضعف أنفسهم وعجزهم وهوانهم وحاجتهم إلى الله تعالى، وافتقارهم إليه؛ فسألوا حاجاتهم ممن يقضي الحاجات، واستغفروا من يغفر الذنوب {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ} [آل عمران:135].
وقراءة الليل أقوى حضورا للقلب، وأعظم تأثيرا في النفس، وأكثر خشوعا، وأحرى بالتدبر؛ فكانت صلاة الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6] وروى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ) رواه مسلم.
فخذوا حظكم -عباد الله- من هذه الليالي المباركة التي هي خير الليالي، وأحيوها بالقرآن قراءة وتدبرا وخشوعا، وانطرحوا فيها على باب ربكم عز وجل؛ فله فيها هبات عظيمة من حازها فاز وسعد في الدارين، ومن فاتته فوالله إنه المغبون {وَلله خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:7].
بارك الله لي ولكم في القرآن…..
الخطبة الثانية
الحمد لله الجواد الكريم؛ يعطي جزيلا على القليل، ويغفر الذنب العظيم، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله تعالى، واعملوا صالحا؛ فلا يبقى للعبد في قبره وآخرته إلا عمله في الدنيا {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه: 112].
أيها المسلمون: قيام الليل سبب للقرب من الله تعالى، وما صام الصائمون، وتعبد المتعبدون إلا تقربا إلى الله تعالى، روى عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن) رواه الترمذي.
وقيام الليل سبب لمحبته عز وجل لعبده القائم القانت، ومَنْ مِنَ المؤمنين لا يرجو محبته سبحانه ؛ روى أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم ….وذكر منهم: الذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل فيقول الله عز وجل: يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد) رواه الطبراني وحسنه المنذري.
وجاء في حديث ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: أن رَبَّنَا عز وجل عَجِبَ من رَجُلٍ ثَارَ عن وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ من بَيْنِ أَهْلِهِ وَحَبِّهِ إلى صَلاَتِهِ فيقول رَبُّنَا: أَيَا ملائكتي، انْظُرُوا إلى عبدي ثَارَ من فِرَاشِهِ ووطائه مِنْ بَيْنِ حَبِّهِ وَأَهْلِهِ إلى صَلاَتِهِ رَغْبَةً فِيمَا عندي وَشَفَقَةً مِمَّا عندي) رواه أحمد وصححه ابن حبان.
وفي رواية للطبراني: (فيقول اللَّهُ عز وجل لِمَلائِكَتِهِ: ما حَمَلَ عَبْدِي هذا على ما صَنَعَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا رَجَاءَ ما عِنْدَكَ وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدَكَ، فيقول: فَإِنَّي قد أَعْطَيْتُهُ ما رَجَا وَأَمَّنْتُهُ مِمَّا خَافَ) جاء مرفوعا وموقوفا، قال الدارقطني: والموقوف أصح.
أرأيتم يا عباد الله لو أن ملكا من ملوك الدنيا ضرب موعدا لأحد الناس في جوف الليل الآخر ليقابله وحده، ويسمع شكايته، ويقضي حاجته، بل ويكون لقاؤه به سبب قربه منه، ومحبته له، أتراه يهنأ بنوم تلك الليلة؟ كلا، بل لا ينام، وإن نام فنومُ متيقظٍ لا يكاد يخفق رأسه إلا فزع يخشى فوات موعده، فما ظنكم بمن سيناجي ربَّ العالمين، وملك الملوك، ومن خزائن الدنيا والآخرة بيده، ومن يقضي كل الحاجات، لا يعجزه شيء، ولا يستعظم عطاءً أعطاه؛ يناجيه لينال قربه ومحبته، ويسأله حاجته، ما ظنكم به!!
وكم أغدق ربنا جل في علاه على الخلق منذ خلقهم؟ وكم أعطاهم وهم يعصونه؟ وما أمسك عنهم رزقه، ولا أغلق دونهم خزائنه؛ بل يعطي ويعطي ويعطي {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ الله بَاقٍ} [النحل:96] {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص:54].
فهنيئا لمؤمن يتوضأ في جوف الليل والناس نيام، فيخلو بربه يناجيه، يتلو كتابه، ويسأل حاجته، ويُلِّح عليه في سؤاله؛ فو الله ما خسر ولا خاب، ولا يردُّه الكريم الوهاب، وفي الليل ساعة إجابة قد يوافقها فينال حظه منها، فما أوفر حظه!وما أسعده! روى جَابِرٌ رضي الله عنه فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا من أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ) رواه مسلم.
فأين من وقفوا على أبواب الملوك والأغنياء، ينتظرون ساعات تلو ساعات؛ لحاجات يسألونهم قضاءها، أو لقليل من الدنيا يرجونه، ربما أدركوه وربما فاتهم.
أين هم عن أبواب الكريم الوهاب، وقيام الليل باب من أبوابه، وجوف الليل الآخر من أوسع أبوابه، وهذه الليالي الفاضلة هي أوسع الليالي لرحمته ومغفرته وعطائه، وفي ليلة القدر تكتب الآجال والأرزاق والمقادير؛ فليكونوا فيها حيث أمرهم الله تعالى في مساجدهم وخلواتهم، وليسألوا ربهم حاجاتهم؛ فإنهم لا يخيبون كما يخيبون عند أبواب أهل الدنيا، روت أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها فقالت: (اسْتَيْقَظَ النبي صلى الله عليه وسلم من اللَّيْلِ وهو يقول: لَا إِلَهَ إلا الله مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ من الْفِتْنَةِ؟ مَاذَا أُنْزِلَ من الْخَزَائِنِ؟ من يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ؟ كَمْ من كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يوم الْقِيَامَةِ) رواه البخاري.
اللهم أغدق علينا من فضلك، وأوجب لنا رحمتك، وخذ بنواصينا إلى ما يرضيك عنا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وافتح لنا أبواب مناجاتك، واجعلنا من عبادك المقربين السابقين، واقبل منا ومن المسلمين، آمين يا رب العالمين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم....
الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل
مجووووووده
مجووووووده