هذه النصيحة أجمع أهل السنة والجماعة منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم على أن ما تضمنته حق يجب العمل به، وتوجيهه إلى ولاة أمر المسلمين، وإنا نسأل بالله عز وجل كل عالم وكل مسلم يستطيع إيصالها إلى حكام بلاده أن يوصلها وينشرها أداءً للواجب ورجاء أن ينفع الله بها.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ورسول الله إلى الناس أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإليكم أيها المسلمون حكاماً ومحكومين أتوجه بهذه النصيحة التي اخترتـها مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة تأديةً لواجب النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، سائلاً الله القريب المجيب أن ينفعنا جميعا بها، آمين.
أبدؤها بالوصية لنا جميعا بتقوى الله تعالى مُذكِّراً بحقيقة التقوى وهي: أن العبد لن يبلغها حتى يُضَحِّي بمراد نفسه ومحبوبها في سبيل مراد ربه عز وجل، وأن لايجعل لنفسه الاختيار في أمر الله تعالى ونهيه فان المؤمن الصادق يمتثل أمر الله تعالى وينتهي عما نهى عنه من غير تردد، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (الأحزاب: 36).
يا حكام المسلمين:
أسأل الله تعالى أن يؤيد بكم الإسلام، تَذَكّرُوا أن هذه الولايات التي ولاّكم الله إياها أمانات عظيمة ائتمنكم سبحانه وتعالى عليها وابتلاكم بها وليس بعدها إلا الموت والحساب والجزاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استرعاه رعية لم يحطها بنصح إلا حرم الله عليه الجنة» (متفق عليه)، والنصح للرعية المنجي للحاكم من عذاب الله: هو العمل فيهم بالقران والسنة.
وإن أعظم واجب أوجبه الله سبحانه وتعالى على ولاة أمور المسلمين: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحكيم شرع الله تعالى وإنفاذه في القوي والضعيف، قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحجر: 40-41).
وفيما يلي بيان بأعظم المنكرات التي أوجب الله على حكام المسلمين أن يغيروها لأن النصيحة لله تعالى ولكتابه ولرسوله وللمسلمين لا تتحقق إلا بتغييرها ابتغاء مرضاة الله تعالى:
المنكر العظيم الأول:
إن أعظم المنكرات المنتشرة في العالم الإسلامي والتي أوجب الله سبحانه على ولاة أمور المسلمين المبادرة إلى إزالتها: الشرك بالله تعالى الذي وقع فيه أكثر المنتسبين إلى الإسلام.. وذلك بعبادتهم أصحاب القبور بالاستغاثة بهم والطواف بقبورهم والسجود لهم، وطلب الحاجات وتفريج الكربات منهم، والذبح لهم والنذر لهم، والاعتقاد فيهم أنهم ينفعون ويضرون ويدبرون الكون، ذلك الاعتقاد الشركي العظيم الذي فاق شرك مشركي الجاهلية الذين كَفَّرَهم الله ورسوله لما عبدوا الأنبياء والصالحين باتخاذهم وسائط بينهم وبين الله تعالى لينالوا شفاعتهم ويقربوهم إلى الله زلفى جاهلين أن الله لا تُتخذ عنده الوسائط لأنه قريب مجيب، وهذه أعظم العبادات التي هي حق لله وحده، من صرف منها شيئا لغير الله تعالى فهو مشرك بالله تعالى كافر به بنص القران والسنة ولو كان جاهلاً لأن الشرك بالله تعالى -أعاذنا الله منه- من أهم الأمور المعلوم تحريمها من الدين بالضرورة والتي لايُعذر العامي الذي يعيش بين المسلمين بالجهل بها كما لا يعذر بالجهل بوجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج وبتحريم الزنا والخمر والقتل بغير حق وعقوق الوالدين، ولذا فإن عوام المشركين وعوام اليهود والنصارى وأصحاب الأديان الباطلة يحشرون مع ساداتهم وكبرائهم في جهنم كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} (الأحزاب: 67-68)، إلا من لم تقم عليه الحجة ولم تبلغه الدعوة كمن عاشوا في مجاهل الأرض حتى ماتوا، وكمن عاش منذ ولد فاقد العقل حتى مات، فهؤلاء يُمتحنون يوم القيامة، وقد ورد في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة امتحانهم بعد أن يبعثهم الله في كامل عقولهم وأبدانهم.
لذا؛ يجب على الحكام هدم جميع البناء على القبور والمشاهد والمزارات بل والمساجد التي بنيت عليها، ومنع الجهال من السفر إليها وعبادتها امتثالاً لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الآيات والأحاديث الموجبة لذلك.
وشهادة أن لا إله إلا الله تنفع قائلها إذا عرف معناها وآمن به وعمل به بعبادة الله وحده بجميع أنواع العبادة التي شرعها الله وفي مقدمتها ماتقدم ذكره من العبادات التي يتوجه بها المشركون المُدَّعُون للإسلام لأصحاب القبور في الغيبة والحضور، أما إذا لم يعرف الناطق بها معناها ولم يعمل به فإنها لا تنفعه ولو نطق بها في اليوم ألف مرة ولا يقبل الله صلاته ولا صيامه ولا حجه لأنه مشرك، وقد حكم الله تعالى على المشركين بحبوط أعمالهم فقال: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 88) ولهذا لم ينتفع مشركوا الجاهلية بحجهم وعمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج؛ بل قال الله عنهم: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (الفرقان: 23) وقال الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الزمر: 65-66).
ومعنى (لا اله الا الله) أي لا إله حق يستحق أن يُعبد إلا الله وحده لا شريك له.
والعبادة لغة: الذل والخضوع.
وشرعاً: هي جميع ما أمر الله به المكلفين أن يعبدوه به وحده في كتابه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأعمال التي لا يصلح التوجه بها إلا إلى الله وحده، وأعظمها: الدعاء: وهو طلب ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى كإنزال المطر وشفاء المريض والرزق والولد ورد الغائب، ومن أعظم العبادات: الذبح والنذر وهما عبادتان لا تصلحان إلا لله عز وجل فمن ذبح للقبر أو للجن فهو مشرك ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فعن الإمام علي رضي الله عنه قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: «لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض» (رواه مسلم)، بخلاف من يذبح للضيف فلا بأس بذلك لأنه لم ينوِ تعظيمه بسفك دمها وإنما نوى إكرامه بلحمها، ومن أعظم العبادات: الصلاة والصوم والحج واعتقاد النفع والضر وعلم الغيب وتدبير الكون فهذه كلها لله وحده.
أما من نطق بالشهادتين من غير المسلمين أو من المسلمين الذين لم تتبين حالهم فانه يُعَدّ مسلما لا يُكَفّر ولا يُقاتل (لحديث أسامة) حتى يتبين أنه كاذب وأنه لا يزال على عقيدة الكفر كالنصراني الذي يأبى أن يُتْبِع نطقه بـ: (لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) بالشهادة أن عيسى عبد الله ورسوله وأنه ليس ابناً لله وأن الله واحد لا شريك له، وحتى يتبرأ الناطق بالشهادتين من كل دين أو مذهب غير الإسلام ومن كل يهودي أو بوذي أو وثني يعبد صنماً أو كوكباً أو الشمس أو القمر أو النار أو الحيوان أو يعبد صاحب قبر وإن كان يدعي الإسلام أو غيرهم من الكفار، فإذا لم يستجب لذلك فإنه يُعتبر كاذبا في ادعائه للإسلام.
وشفاعة الأنبياء والصالحين والافراط والمؤمنين بعضهم لبعض حق ولكنها لا تطلب منهم حال موتهم وإنما تطلب من الله تعالى لأن حق إعطائها والإذن بها لله وحده، قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (الزمر: 44)، وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (البقرة: 255)، ولا يأذن سبحانه إلا لأهل التوحيد، فالشافع والمشفوع له لا بد أن يكونا مُوَحِّدَين لله تعالى كما قال سبحانه: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (الأنبياء: 28)، أما الذين يطلبونها من الأموات فقد حرمها الله عليهم.
وأما طلب الناس الشفاعة من الأنبياء يوم القيامة فهو طلب من حي حاضر لأن الله سبحانه قد بعثهم بعد الممات.
وأما الميت مهما كانت منـزلته فإنه يُزار قبره الزيارة الشرعية وهي التي لا يزيد الزائر فيها على السلام عليه والدعاء له، ولو كان أفضل من الزائر لأن عمله قد انقطع وهو بحاجة إلى دعاء الحي كالصلاة عليه بعد موته.
وأما السفر لزيارة القبر فهو محرم لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد...» (رواه الإمام مسلم وغيره).
والنبي صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين أحياء عند ربهم يرزقون، ولكنها حياة برزخية نفى الله سبحانه عنهم فيها سماع من يدعوهم ويطلب منهم، وأخبر سبحانه أن دعاءهم شرك به وأنهم يوم القيامة يتبرؤن ممن يدعونهم فقال سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (الإسراء: 56-57)، وقال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر: 13-14).
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد النهي عن البناء على القبور وعن بناء المساجد عليها، ولعن من فعل ذلك وأخبر أنه فِعْل اليهود والنصارى لأن ذلك وسيلة لعبادة أصحابها، روى الإمام مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال: (قال لي علي رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع صورة إلاّ طمستها ولا قبراً مشرفا إلا سويته).
وأما قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه داخل حجرته التي توفى فيها لم يُبن عليه شيء، ودَفْنُه داخل الحجرة بناءًا على ماثبت عنه صلى الله عليه وسلم: «أن الأنبياء يدفنون حيث ماتوا».
وأما القبّة التي على قبره فهي بدعة محدثة في القرن السابع الهجري أحدثها أهل البدع لما عظمت غربة الإسلام وكان القبر خارج المسجد زمن الخلفاء الراشدين وأول حكم بني أمية لكن الوليد بن عبدالملك الأموي أدخله بحجة توسعة المسجد، وقد أنكر عليه من حضر من التابعين ولكنهم تركوا التشديد خشية الفتنة.
وهكذا القبة فقد أنكرها أهل التوحيد من كل بلاد الإسلام ولم يهدمها أهل التوحيد الذين مكنهم الله تعالى خشية الفتنة لكثرة الجهل وفساد عقيدة أكثر الناس.
وقد ذكرنا هذا التفصيل الموجز كشفاً لشبهات علماء السوء الذين أضلوا الناس بتصحيح الشرك والبدع باسم التوسل بالصالحين وطلب شفاعتهم واصفين الشرك بأنه عبادة الأصنام، جاهلين أو متجاهلين أن عبادة القبور والأشجار والأحجار ولو بدعوى التبرك بها تصيّرها أوثاناً وأصناماً، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (رواه الإمام مالك في الموطأ، ورواه الإمام أحمد عن أبي هريرة، ورواه البزار عن أبي سعيد الخدري).
ومعلوم أن أهل الجاهلية ماقصدوا بعبادتهم الأصنام ذاتها وإنما قصدوا من ترمز إليهم وهم أنبياء مثل عيسى عليه السلام، وصالحون مثل مريم وود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا.
ولذا أمر الله سبحانه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يعلن للناس بشريته وأن العبادة لله وحده؛ فقال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف: 110).
ولم يقف شر علماء السوء المشركين عند إضلال عامة الناس بتصحيح الشرك والبدع بالشبه الباطلة؛ بل حاربوا التوحيد وأهله وذلك بعدائهم المعلن لدعوة الأئمة الداعين إلى توحيد الله تعالى في كل بلد منذ عدة قرون وفي مقدمة من حُورِبُوا شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، فقد وشوا به إلى الحكام فسجنوه حتى مات في السجن رحمه الله ولكن دعوته بقيت نوراً يهتدي به المهتدون، وهكذا مع كل داعٍ إلى توحيد الله تعالى كما حصل للشيخ محمد حياة السندي رحمه الله، وللإمام محمد بن الأمير الصنعاني باليمن وغيرهم حتى أظهر الله سبحانه وتعالى الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب الذي جدد الله بدعوته دين الإسلام ابتداءً من القرن الثاني عشر إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة إن شاء الله تعالى والتي نصرها الأمير محمد بن سعود جزاهما الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وفي مقدمة من حارب دعوة الإمام هذه كبير علماء مكة في زمنها، فقد ألف كتابا ملأه زورا وبهتانا يُكفّر فيه الإمام المجدد ويصفه بأنه وأنصاره خوارج خرجوا على الخلافة العثمانية، ووزع هذا الكتاب على الحجاج فشاع بين أكثر الناس أن الإمام محمد بن عبدالوهاب ضال جاء بمذهب جديد، وصار من لا بصيرة لهم يحذّر بعضهم بعضاً هذا الإمام ومن قراءة كتبه واستمروا على شركهم وبدعهم يتوارثون هذا الضلال إلى الآن والعياذ بالله.
لكن العلماء المنصفين الذي أنار الله بصيرتهم لم يقبلوا ماجاء به الفساق بنبأ الزور والبهتان ضد هذا الإمام الناصر لدين الله تعالى وإنما نظروا في كتبه ورسائله، فتبيّن لهم بجلاء أنه على الحق وأنما جاء به هو تجديد لدين الإسلام الذي طُمست حقيقته ولم يبق منه إلا الأسماء حتى صار الشرك توحيداً والتوحيد شركاً وصار الموحدون لله تعالى غرباء بين الناس لا يُسمع لهم نصحاً؛ بل ولا يستطيعون إظهار التوحيد خوفاً من المشركين، وصارت قراءة هؤلاء المشركين للقرآن الكريم والسنة النبوية لمجرد التبرك بلا تدبر ولا عمل.
ومما ينبغي معرفته عن العثمانيين رغم حبهم للإسلام ونشرهم له في أوروبا وجهادهم للصليبيين وعمارة الحرمين وأخذهم بالمذهب الحنفي في الفروع إلا أنهم مع الأسف ليسوا في العقيدة على مذهب أبي حنيفة وبقية الأئمة والسلف الصالح، وإنما هم على عقيدة تشوبها الخرافة والبدع الموروثة عن غلاة الصوفية، ولهذا صدّق سلاطينهم مازوّره علماء السوء على الإمام محمد بن عبدالوهاب وأنصاره، وأرسلوا الجيوش بقيادة والي مصر وحاربوا الموحدين، رغم أن الإمام قد كتب لشريف مكة وحاكمها من قبلهم وكتب لعلمائها وعلماء المدينة وغيرهم وكتب إلى السلطان العثماني نفسه يبيّن لهم عقيدته وأنه داعٍ إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إخلاص العبادة لله تعالى وتحقيق محبة الله تعالى بإخلاص العبادة له وتحقيق محبة رسوله صلى الله عليه وسلم بمتابعته والاهتداء بهديه، وأنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأنه مستعد لمناظرة العلماء الذين ينتخبونهم بالحق، وأنه ناصر للدولة معين لها على الحق لا خارجاً عنها كما يزوِّر عليه علماء السوء، فلما لم يقبلوا منه وحاربوا التوحيد وأهله نصر الله الموحدين في النهاية والعاقبة للمتقين.
وأما مبدأ انتشار الشرك والبدع في العالم الإسلامي فهو قيام دولة المشركين التي أسسها ميمون القداح، واستمر حكم هذه الدولة الوثنية في القرن الثالث والرابع وأول الخامس الهجري في مصر والمغرب، ومنهم العبيديون الذين ادعى زعماؤهم الألوهية، وبنو القداح هؤلاء يهود زنادقة قدموا من اليمن وهم ورثة عبدالله بن سبأ اليهودي المنافق الذي أظهر الإسلام من أجل الكيد له وجَعَلَ الأساس لهذا الكيد التشيع لآل البيت والغلو في علي وأبنائه من فاطمة رضي الله عنها حتى ألّههم وادعى لهم العصمة وأنهم أفضل من الرسل وأنهم يعلمون الغيب ويدبرون الكون وادعى لهم الألوهية بتقرير عقيدة الحلول وأن الله يحل في أئمتهم واحدا بعد الآخر وأن الخلفاء الثلاثة ظلموا علياً واغتصبوا الخلافة، وسار على ذلك زعماء هذه الدولة الوثنية التي سموها زوراً بالدولة الفاطمية، وفاطمة رضي الله عنها بريئة منهم، وأحدثوا البناء على القبور وزينوا عبادة أهلها باسم التوسل بالصالحين وتشبهوا بالنصارى واليهود في شركهم وبدعهم كعيد المولد وغيره، وانتشر الشرك في العالم الإسلامي انتشار النار في الهشيم، حتى أسقط الله دولتهم على يد القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وتفرقت فلولهم في الشام وتركيا وإيران واليمن وارثين وثنيتهم وعداءهم للإسلام وأهله إلى الآن، وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فرقهم هذه بأن ظاهرها (الرفض) وباطنها الكفر المحض، ومعنى الرفض التشيع لآل البيت، والذي سماهم بالرافضة هو زيد بن علي ابن الحسين رضي الله عنه لما طلب منهم مبايعته فأبوا حتى يعلن براءته من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فأبى وقال لهم: (معاذ الله أن أبرأ منهما وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهما، وبايعهم جدي والمسلمون وحكموا بالعدل فكيف أتبرأ منهم؟) فرفضوا بيعته وخذلوه فقال: (رفضتموني؟) فسُمُّوا بالرافضة.
ومن غلاة الرافضة الصفويون الذين خانوا الخليفة العباسي المستعصم بتدبير وزيريه (ابن العلقمي) و(صفي الدين الطوسي) أعظم خيانة عرفها التاريخ ضد الإسلام وأهله وذلك باستغلالهما ثقة الخليفة بهما وتولية (ابن العلقمي) إمارة المشرق وقيادة الجيش فيه، وإسناد المشورة في الحكم (للطوسي)، فاتفقا مع (هولاكو) زعيم التتار على غزو بغداد وبلاد المسلمين، فقتل التتار الخليفة ومن بقي معه من الجيش وعاثوا في المسلمين قتلا ونهبا كما هو معلوم.
النصيحة لكتاب الله تعالى:
وتتحقق النصيحة لكتاب الله تعالى وهو القرآن الكريم بالإيمان بأنه كلام الله تعالى مُنَـَّزل غير مخلوق، وأنه الذي بأيدي جميع أهل السنة من المسلمين، المبدوء بالحمد والمختوم بالجِنَّة والناس، وأنه محفوظ تكفل الله بحفظه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، من ادعى أنه ناقص أو محرف فهو كافر به وبقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) وترك النصيحة للقرآن هي المنكر العظيم الثاني.
المنكر العظيم الثاني:
هو ترك الحكم بالقرآن والسنة المحمدية، والحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للقرآن والسنة في الكل أو البعض، فإن هذا منكر عظيم حكم الله سبحانه على من فعله مختاراً بالكفر البواح فقال سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: 44)، ووصفه سبحانه بأنه حكم الجاهلية فقال عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: 50)، وأقسم الله سبحانه بنفي الإيمان عمن لم يحكّم الشريعة الإسلامية ويرضى بحكمها ويسلم فقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65).
وليعلم كل حاكم مسلم أنه لا أمان له ولرعيته، ولا عزة له ولا سعادة له ولهم في هذه الدنيا ولا نجاة لهم من النار يوم القيامة إلا بالتمسك بدين الإسلام بتحكيم القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتنفيذ أحكام الله بالقصاص من القاتل عمداً بغير حق وقطع يد السارق وقطع يد ورجل قاطع الطريق أو قتله ورجم الزاني المحصن ذكرا أو أنثى وجلد الزاني البكر بدون رأفة وجلد شارب الخمر وإيقاف المجرمين عن إجرامهم بتنفيذ حدود الله تعالى فيهم، أما إيداعهم السجون كما هي عادة غير المسلمين فما ذلك إلا تشجيع لهم على الإجرام ونشر للشر والفساد.
ومن النصيحة لحكام المسلمين طاعتهم في المعروف والصبر على أذاهم والدعاء لهم بالهداية والتوفيق ومناصحتهم بالأمور العظيمة المتقدم ذكرها وما سيأتي وما يحصل من المظالم والمنكرات في ولاياتهم ومنها:
المنكر العظيم الثالث هو الدعوة إلى الإباحية باسم حرية المرأة:
من أعظم ما أوجب الله على حكام المسلمين حماية المرأة المسلمة إذ لا سبيل لصيانة أعراض المسلمين وحفظ كرامة المرأة المسلمة وشرفها إلا بامتثالها أمر ربها بالقرار في بيتها وعدم الخروج لغير حاجة، وإذا خرجت لحاجتها تخرج متحفظة متسترة متحجبة غير متطيبة وتبتعد عن مخالطة الرجال وعن الخلوة بمن حرم الله خلوتها بهم مثل السائق ولو في الشارع ومثل الخادم وقريب الزوج والطبيب وصاحب المتجر وغيرهم قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33)، وقال صلى الله عليه وسلم: «ماخلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: «الحمو الموت» (متفق عليه).
وليحذر كل حاكم وكل مسلم ومسلمة الاغترار بدعوة أعداء الإسلام من العلمانيين وأسيادهم الغربيين إلى مشاركة المرأة للرجل في عمله خارج بيتها باسم حرية المرأة والمساواة بالرجل وغيرها من الشعارات، فإن هذه والله دعوة إلى انتهاك عرضها ودوس كرامتها وتعطيل لوظائفها المهمة الملائمة لفطرتها وخلقتها الجسدية بحرية وستر وأمان داخل منزلها والتي هي السبيل الوحيد لسعادتها وسعادة زوجها وأطفالها، ولو عملت خارج منزلها لدفعت مرتبها للخادمة والمربية لأطفالها إلى جانب حرمانهم من رعايتها وعطفها وتعريضهم لأمور خطيرة نفسية وجسدية أثناء غيابها.
أما المهن النسائية التي لا تتعرض فيها للاختلاط بالرجال والتي لابد منها كالطب والتمريض النسائي وتدريس البنات فهذه لا بأس بها للمرأة المحتاجة لها والراغبة فيها شريطة تمسكها بالحجاب والبعد عن الرجال.
الديمقراطية الغربية كفر بواح:
والمنكر العظيم الرابع والكفر البواح الذي يغزو به الغرب بلاد الإسلام ما يسمى بالديمقراطية، فليحذرها حكام المسلمين.
فإن أول أسسها الكفرية: عزل الدين عن الدولة والحكم بغير ما أنزل الله تعالى.
والثاني: إباحة الكفر والإلحاد والإباحية والدعوة إلى ذلك في وسائل الإعلام باسم حرية الرأي، والحرية الشخصية مثل: السماح للبنت إذا بلغت أن تعمل ما تشاء، فتقارف جريمة الزنا والرقص والخلوة بمن تشاء وتعمل في المسرح وليس لأبيها ولا لأمها ولا لأخيها ولا لغيرهم منعها، ومن يحاول منعها يعاقب بالسجن.
وثالث أسسها: تأصيل المكاسب المحرمة وفي مقدمتها الربا والقمار، فجميع البنوك والمعاملات ربوية على مستوى الدولة والشركات والمؤسسات، وشركات التأمين جميعها مبنية على أكل أموال الناس بالباطل بين غالب ومغلوب بغير حق، ومن تشريع النظام الديمقراطي للمكاسب المحرمة: تشجيع دور البغاء ومسارح الرقص والغناء المحرم ومصانع الخمور.
ورابع أسس الديمقراطية الغربية الكفرية: التي يكفي واحد منها لوصفها بالكفر البواح: أن أساس دستورها في السياسة والاقتصاد مبني على الظلم العظيم، ففي الاقتصاد تكون السيادة للرأسمالية التي يختص بها الطبقة الظالمة والكثرة يعيشون فقراء مستعبدين.
أما في السياسة فإن ما يستشهد به الديمقراطيون من العدالة بانتخاب الشعب لحاكمهم ادّعاء كاذب دلت على بطلانه البراهين التالية:
الأول: أن الاعتبار عندهم في الترشيح للكم لا للكيف وهو كثرة الأصوات، والمعروف أن الكثرة هم الغوغاء والسفهاء الذين تخدعهم الدعاية والشعارات الزائفة، فينتخبون من يعدهم بتحقيق شهواتهم المحرمة التي تقدم ذكرها في الأسس الثلاثة للديمقراطية، وهذه الكثرة وصفها الله سبحانه بقوله: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (الأنعام: 116)، والحق الذي أرسل الله تعالى به جميع الرسل وأنزل به جميع الكتب التي ختمها بالتوراة والإنجيل والقرآن العظيم الذي جعله الله سبحانه مهيمناً عليها وناسخاً لها، والذي أجمع عليه جميع الصالحون المصلحون منذ خلق الله تعالى البشر.. هذا الحق هو أن الاعتبار في انتخاب رئيس الدولة وانتخاب كل ولي لأمرٍ مهم إنما هو لأهل العلم المشهود لهم بالصلاح والعدالة والحرص على ما فيه صلاح الشعوب في أمور دينهم ودنياهم، كما حصل في انتخاب الخلفاء الراشدين الأربعة واحداً بعد الآخر رضي الله عنهم.
البرهان الثاني: أن المرشح للانتخاب في الغرب بصفة عامة وفي أمريكا بصفة خاصة نظراً لسيطرة اليهود عليها يعلن أن أول أولوياته مناصرة اليهود ضد القضية الفلسطينية، فأين العدالة؟!
البرهان الثالث: أن أي مرشح لا يصل إلى الفوز بالرئاسة إلا بعد دفع الملايين رشوة لأصحاب النفوذ، وفي الدعاية عبر وسائل الإعلام وغيرها، فإذا فاز نفذ المخطط الماسوني المتمثل في أسس الديمقراطية الأربعة المذكورة بحذافيره، فكانت النتيجة البطالة والفقر وتشجيع الإلحاد والإباحية بين المنتخبين أنفسهم، أما شعوب العالم الثالث عامة والشعوب الإسلامية خاصة فإن نصيبها من حكم الديمقراطيين الغربيين القتل والسلب وإثارة الفتن باسم حماية حقوق الإنسان تارة، وبدعوى محاربة الإرهاب تارة أخرى، إذا فلا غرابة إذا صدر الحكم على النظام الديمقراطي بالكفر المحض.. وأما ما قد يوجد فيه من إيجابيات جانبية فهي كالتي توجد في المجتمع الجاهلي قبل الإسلام، بل هي أقل منها بكثير بل إن بعض الأشخاص الملحدين الذين كفروا بالله ورسوله ودينه واستحلوا محارم الله سبحانه يوجد لديهم شيء من الإيجابيات كالصدق في المعاملة وشيء من حسن الخلق، لكن ذلك لا يخرج أهله من وصفهم بالكفر البواح.
لذا؛ يجب على كل مسلم حاكم أو محكوم أن يفرح بالإسلام ويعتز به وينادي بتطبيق تعاليمه لا بتعاليم الديمقراطية أو غيرها من أنظمة الكفر لأنها الطاغوت الذي فرض الله سبحانه وتعالى الكفر به فقال سبحانه: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 256)، وقد أجمع الأئمة من علماء الإسلام منذ زمن الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا على أن من نواقض الإسلام: تصحيح أي مذهب من مذاهب الكفر أو أي دين غير الإسلام ولو كان اليهودية أو النصرانية، لأنهما بعد تبديل اليهود والنصارى لهما بتحريف التوراة والإنجيل صارا ديانة كفر وشرك أكبر بالله عز وجل، فأعلن الله سبحانه في القرآن العظيم كفر من يبتغيهما أو غيرهما من الأديان فقال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85).
وهكذا فإن من الكفر المخرج من ملة الإسلام بإجماع أئمة المسلمين: اعتقاد أن اليهودي أو النصراني مؤمناً بالله غير كافر به لأن الله سبحانه أعلن كفر اليهود والنصارى في آيات كثيرة من القرآن الكريم لأنهم جعلوا لله ولداً وجعلوا معه آلهة أخرى ولم يدخلوا في الإسلام ويتبعوا خاتم المرسلين ورسول الله إلى الناس أجمعين محمداًصلى الله عليه وسلم وهم يقرؤون في التوراة والإنجيل البشارة به وأمر الله تعالى لهم باتباعه والدخول في دين الإسلام الذي جاء به جامعاً للحق الذي جاءت به جميع الرسل ونزلت به جميع الكتب كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} الآيات (آل عمران: 19-22).
المنكر الخامس التعامل بالربا والميسر:
ومن أعظم المنكرات وأفتكها بالدين والإخاء بين المسلمين وأعظم سبب لعقاب الله تعالى ونشر الفقر والبطالة في المجتمع السماح للبنوك والمؤسسات والأفراد بالتعامل بالربا، ذلك المنكر العظيم الذي لعن الله المتعاملين به والمتعاونين معهم ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه والمتحايل عليه بصورة البيع الكاذبة بحجة فتوى لا يطبقون شروطها الشرعية وهي (أي الشروط التي تبيح الاستدانة من الغير) ما يأتي:
الأول: أن يشتري المحتاج للنقود البضاعة من البنك أو التاجر.
والثاني: أن يستلمها ويخرج بها.
والثالث: أن يبيعها على طرف ثالث لا علاقة له بالبنك ولا بالتاجر.
أما البيع الصوري على الورق الذي هو احتيال إلى استحلال ما حرم الله والذي لم يسبق إليه إلا اليهود الذين لعنهم الله ومسخهم قردة وخنازير فهو كبيرة أخرى شنيعة جمع فاعلها والراضي بها بين كبيرتي الربا والاحتيال على الله عز وجل.
ومثل الربا الميسر وهو المسمى بالقمار وهو ما تأخذه شركات التأمين على الحياة أو على الصحة أو على البضائع أو السيارات أو ما يتعاطاه المقامرون عن طريق الرهان المحرم كلعبة الشطرنج أو الورق أو اليناصيب.
وما يفتي به من شذ من العلماء من جواز التأمين فهو قد قاسه قياساً فاسدا على الحارس الذي يُعيّن مدة يحرس ويأخذ الراتب دون أن يَحْصُل اعتداء من سارق أو غيره، وفات هذا المفتي أن الحارس أخذ الراتب مقابل حراسته ومراقبته، وفاته أن وجوده (أي الحارس) هيبة ضد السارق فلا يتجرأ على السرقة، ومثل ذلك ما تبثه بعض الجهات العابثة المختلسة لأموال الناس بالتعاون مع من يستجيب لهم من شركات الاتصالات أو الجرائد أو القنوات بالوعود الكاذبة بالمبلغ الكبير أو السيارة الفخمة عن طريق الاتصال برقم كذا ونحو ذلك.
فيجب على ولاة أمور المسلمين منع هذه المنكرات الموجبة لغضب الله سبحانه وعقابه والتي تجر على شعوبهم الفقر والدمار، ويجب معاقبة هؤلاء اللصوص الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويلعبون بعقولهم أشد العقاب.
المنكر السادس:
والمنكر العظيم السادس الذي يجب على كل مسلم حاكم له القدرة على تغيير المنكر أن يحذر عقوبة السكوت عن تغييره وإسكات الفاعلين له ومعاقبتهم العقوبة الرادعة وهو: تسخير العلمانيين أقلامهم ووسائل الإعلام التي يشرفون عليها في محاربة الإسلام وأهله الداعين إليه وذلك بإعلانهم الإلحاد ودعوتهم إلى الإباحية باسم حرية الرأي والحرية الشخصية تبعاً لسادتهم اليهود والنصارى، ودعوتهم إلى إبطال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد المشروع ووصفهم لذلك الحق بالإرهاب، ودعوتهم كذلك إلى إبطال أوثق عرى الإيمان وهي أركان ملة إبراهيم عليه السلام التي أمر الله خاتم المرسلين وأمته أن يأخذوا بها، وهي الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة فيه والبراءة من الكفر وأهله التي قد دل عليها الكثير من الآيات والأحاديث ومنها قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (الممتحنة: 4)، وقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (المجادلة: 22)، وقد حذر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته أن يطيعوا اليهود والنصارى في شيء من مطالبهم المحرمة ولو في شيء قليل فقال سبحانه: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} (الإسراء: 73-75)، وبين سبحانه أنهم لن يرضوا عن المسلمين وحكامهم حتى يكفروا مثلهم فقال سبحانه: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (البقرة: 120)، وقال سبحانه: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} (النساء: 89) وليحذر حكام المسلمين وكل مسلم من الانخداع بما يدعو إليه الغرب مباشرة في وسائل الإعلام أو عن طريق هيئة الأمم ومنظماتها من دعوة إلى هدم العقيدة الإسلامية باسم التقريب بين الأديان.
وذلك؛ لأن الإسلام حق أوجب الله سبحانه بيانه كما أنزله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وليس متهماً حتى يدافع عنه المحاورون بالتماس الأعذار غير الشرعية لتغيير أسماء مسميات سماها الله سبحانه.
فالإسلام إذاً فريضة على جميع العقلاء يجب دخولهم فيه وتجب دعوتهم إليه، وليس بحاجة إلى الذين يخجلون أن يبينوه فهو غني بمبادئه السامية التي شرعها رب العالمين وأرحم الراحمين وأحكم الحاكمين من فوق سبع سماوات، من دخل فيه فالمنة لله تعالى عليه أن هداه للإسلام، ومن أعرض عنه فإن له في هذه الحياة معيشة ضنكا ويحشره الله يوم القيامة أعمى ويدخله نار جهنم نعوذ بالله منها.
ومما يجب أن يعلمه كل مسلم حاكم أو محكوم أنه لا إيمان إلا بتكفير من كفرهم الله سبحانه وتعالى وهم المشركون واليهود والنصارى وكل من لم يدخل في الإسلام، قال الله تعالى معلناً كفر جميع فِرَقِ الكفر الذين لم يدخلوا في الإسلام وابتغوا غيره: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85)، وقال تعالى معلنا كفر اليهود والنصارى الذين لم يدخلوا في الإسلام الذي أول عقيدته توحيد الله تعالى وتنـزيهه عن الشريك والوالد والولد: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (التوبة: 30)، وقال سبحانه أيضاً: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المائدة: 72-73).
الحوار مع الكفار في ضوء الإسلام:
الكفار ينقسمون إلى قسمين:
الأول: المعاندون الظالمون الذين عُرِفُوا بالظلم والعدوان على المسلمين والقدح في الإسلام، فهؤلاء لا ينبغي الحوار معهم ولا الجدال معهم لأنهم يعرفون الحق ويعرضون عنه، بل ويجحدونه كما قال تعالى عنهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (النمل: 14)، وقال أيضاً: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (العنكبوت: 46).
فإن كان هؤلاء الظالمون قد تسلطوا على المسلمين وحاكمهم، وليس له القدرة على دفع شرهم، وطلبوا منه مطالب إذا لم يستجب لهم احتلوا بلاده وعاثوا في المسلمين قتلاً وسلباً، فإنه يجوز له بعد التشاور مع علماء المسلمين في بلده إعطاؤهم مطالبهم من المال أو الأرض أو عدم إظهار بعض الأحكام الإسلامية ونحو ذلك، شريطة اطمئنان قلب الحاكم بالإيمان ومن معه وعقدهم النية بإظهار الحق عند القدرة على ذلك لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (النحل: 106)، وقوله سبحانه: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} (آل عمران: 28) حتى يعيد الله سبحانه للمسلمين عزتهم فيستعيدوا مجدهم وسيادتهم.
أما القسم الثاني من الكفار: فهم الذين يريدون معرفة الحق وكشف الشبهات، فهؤلاء يجب التخاطب معهم بما أمر الله سبحانه وتعالى أن يقال لهم وهو القول الحسن قال سبحانه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البقرة: 83)، وإن كانوا من أهل الكتاب ولديهم علم فَيُذْكر لهم أن الله فرض على المسلم في دين الإسلام الإيمان بجميع رسل الله وأنبيائه وكتبه التي أنزلها على رسله من نوح إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وسليمان وداوود ويوسف وموسى وهارون وعيسى وبما أنزل الله عليهم من الكتب وفي مقدمتها صحف إبراهيم وموسى وزبور داوود والتوراة والإنجيل ويقرأ عليهم أمر الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولأمته: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 84-85)، ويقرأ عليهم قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 64)، ويبين لهم أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم مكملة لرسالاتهم وخاتمة لها، والقرآن العظيم الذي ختم الله به الكتب التي أنزلها على رسله جعله الله سبحانه مشتملاً على ما فيها من التيسير ناسخاً ما فيها من التعسير الذي جعله على الأمم الماضية وهادياً للتي هي أقوم وتبياناً لكل شيء، من آمن به وعمل به وآمن بخاتم المرسلين ورسول الله تعالى إلى الناس أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم واتَّبَعه ودخل في دين الإسلام راضيا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً رسولاً فقد آمن بجميع كتب الله ورسله لأنهم جميعا بشّروا به ودعوا أممهم إلى الإيمان به واتباعه، ومن لم يؤمن بمحمد ويتبعه ويدخل في الإسلام فهو كافر بجميع الرسل وبجميع كتب الله لأن دين الله تعالى واحد وهو الإسلام، فهو دين جمع الرسل الذي بعثهم الله به ودعوا إليه ودليل ذلك قول الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: 19)، وجميع الرسل قد أعلنوا إسلامهم لله وتمسكهم بدين الإسلام، فإبراهيم أعلن إسلامه ووصى بذلك بنيه إسحاق ويعقوب، ووصى به يعقوب بنيه، وذكر الله ذلك في عدة آيات من القرآن الكريم منها قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة: 130-133).
وجميع أتباع موسى وعيسى أعلنوا دخولهم في الإسلام، قال الله تعالى عن حواري عيسى عليه السلام: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 52)، وقال الله تعالى آمراً جميع الناس بالدخول في الإسلام: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (البقرة: 208)، وقد أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقرأ على المشركين عباد الأوثان وعلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (آل عمران: 19-20)، ولا يصح أن يُواجِه الداعيةُ الإسلامي غَيْرَ المسلم الذي يريد الحق وكشف الشبهات بالقول المنفر له، مثل بدئه بوصفه بالكفر ونحو ذلك.. ولكن يبدؤه بالابتسامة والدعاء له ولنفسه بالهداية إلى الحق، ويُقْسم له بالله -لأنه صادق في الواقع- أنه لايغشه في حواره معه ولا يكذب عليه وإنما يقول الحق الذي جاء من عند الله تعالى، فإذا شرح الله صدره للإسلام ونطق بالشهادتين لا يأمره بشيء ينفره أو ينهاه عنه وإنما يرفق به ويبين له بالتدريج الأهم ثم المهم بعدما يفعل الأهم وتطمئن نفسه به كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم مُعاذاً لدعوة أهل الكتاب في اليمن بذلك.
الوصية بشباب المسلمين:
يجب على علماء المسلمين تذكير حكامهم وفقهم الله لنصرة دينه وتحكيم شريعته في جميع أنحاء العالم بالأهمية البالغة والواجب العظيم الذي أوجبه الله تعالى عليهم نحو شباب المسلمين الصالحين وذلك بأن يكرموهم ويعرفوا لهم قدرهم لأنهم أنصار الله وحماة دينه وحماة أمتهم الإسلامية ولأنهم الجيش المتطوع الذي لا يُقْهَر بإذن الله والسد المنيع والدرع الواقي للأمة الإسلامية وحكوماتها بإذن الله تعالى من شر الأعداء، لأنه ثبت منذ بعث الله رسله وأنزل كتبه بأن الشباب المؤمن برسل الله تعالى هم أكثر المجاهدين مع الرسل حق الجهاد وقد أثبتت التجارب في هذا العصر أن الشباب هم القوة الرادعة لقوات أعداء الإسلام الهائلة جوية وبرية وبحرية وقنابل مدمرة وغازات سامة وكيد عظيم، ولما عرف أعداء الإسلام من خلال تجربتهم المتكررة لقوة الشباب المسلم المجاهد التي هزمتهم ولم يستطيعوا قهرها رغم ما فعلوه من الوسائل الحربية المدمرة وعرفوا أنه لا سبيل إلى تنفيذ مخططهم الجهنمي الذي يريدون منه احتلال العالم الإسلامي عامة والدول الغنية بالبترول والثروات الأخرى خاصة إلا بالتخلص من الشباب المسلم الصالح والحكام المحافظين على دينهم وأوطانهم، فهم لما عرفوا ذلك دبروا مكيدة للإيقاع بين الشباب المؤمن وحكامهم المؤمنين لكي يتخلى الشباب عن نصرة دولهم الإسلامية إذا انقضوا عليها، وذلك بمحاولاتهم المتنوعة لجر الحكومات إلى اتخاذ حركة معادية للشباب عن طريق الاتهامات الباطلة التي يلصقونها بهم متخذين من الحالات الشاذة التي وقع فيها شواذ منهم وهي التكفير والتفجيرات نتيجة انحرافٍ فكري تلقوه من أناس منهم ذووا حقد وهوى ومنهم ذووا فكر منحرف.
ولكن هذه المكيدة لا تنطلي بمشيئة الله تعالى على الحكام المسلمين وعلى رأسهم حماة الحرمين الشريفين، فهم وشعبهم دولة التوحيد لأنهم يعرفون ما للشباب الصالحين من القدر والأهمية وأنهم عدتهم بعد الله تعالى ضد أعدائهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنهم يخافون الله تعالى فيهم لو أطاعوا فيهم أعداء الله لأنهم يعلمون أن من أعان ظالماً سلَّطه الله عليه، ويخافون أيضاً دعوة المظلوم التي تنطلق من قلوب وأفواه أمهاتهم وآبائهم وأطفال المتزوجين منهم وعامة المؤمنين الذين يستاؤون لما يسوؤهم.
والله المسؤول أن يعز الإسلام والمسلمين وأن يرد كيد أعداء الإسلام في نحورهم وأن يحفظ ولاة أمرنا وأمور المسلمين بالإسلام وأن يجمع كلمتهم على تحكيم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم آمين.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ورسول الله إلى الناس أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإليكم أيها المسلمون حكاماً ومحكومين أتوجه بهذه النصيحة التي اخترتـها مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة تأديةً لواجب النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، سائلاً الله القريب المجيب أن ينفعنا جميعا بها، آمين.
أبدؤها بالوصية لنا جميعا بتقوى الله تعالى مُذكِّراً بحقيقة التقوى وهي: أن العبد لن يبلغها حتى يُضَحِّي بمراد نفسه ومحبوبها في سبيل مراد ربه عز وجل، وأن لايجعل لنفسه الاختيار في أمر الله تعالى ونهيه فان المؤمن الصادق يمتثل أمر الله تعالى وينتهي عما نهى عنه من غير تردد، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (الأحزاب: 36).
يا حكام المسلمين:
أسأل الله تعالى أن يؤيد بكم الإسلام، تَذَكّرُوا أن هذه الولايات التي ولاّكم الله إياها أمانات عظيمة ائتمنكم سبحانه وتعالى عليها وابتلاكم بها وليس بعدها إلا الموت والحساب والجزاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استرعاه رعية لم يحطها بنصح إلا حرم الله عليه الجنة» (متفق عليه)، والنصح للرعية المنجي للحاكم من عذاب الله: هو العمل فيهم بالقران والسنة.
وإن أعظم واجب أوجبه الله سبحانه وتعالى على ولاة أمور المسلمين: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحكيم شرع الله تعالى وإنفاذه في القوي والضعيف، قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحجر: 40-41).
وفيما يلي بيان بأعظم المنكرات التي أوجب الله على حكام المسلمين أن يغيروها لأن النصيحة لله تعالى ولكتابه ولرسوله وللمسلمين لا تتحقق إلا بتغييرها ابتغاء مرضاة الله تعالى:
المنكر العظيم الأول:
إن أعظم المنكرات المنتشرة في العالم الإسلامي والتي أوجب الله سبحانه على ولاة أمور المسلمين المبادرة إلى إزالتها: الشرك بالله تعالى الذي وقع فيه أكثر المنتسبين إلى الإسلام.. وذلك بعبادتهم أصحاب القبور بالاستغاثة بهم والطواف بقبورهم والسجود لهم، وطلب الحاجات وتفريج الكربات منهم، والذبح لهم والنذر لهم، والاعتقاد فيهم أنهم ينفعون ويضرون ويدبرون الكون، ذلك الاعتقاد الشركي العظيم الذي فاق شرك مشركي الجاهلية الذين كَفَّرَهم الله ورسوله لما عبدوا الأنبياء والصالحين باتخاذهم وسائط بينهم وبين الله تعالى لينالوا شفاعتهم ويقربوهم إلى الله زلفى جاهلين أن الله لا تُتخذ عنده الوسائط لأنه قريب مجيب، وهذه أعظم العبادات التي هي حق لله وحده، من صرف منها شيئا لغير الله تعالى فهو مشرك بالله تعالى كافر به بنص القران والسنة ولو كان جاهلاً لأن الشرك بالله تعالى -أعاذنا الله منه- من أهم الأمور المعلوم تحريمها من الدين بالضرورة والتي لايُعذر العامي الذي يعيش بين المسلمين بالجهل بها كما لا يعذر بالجهل بوجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج وبتحريم الزنا والخمر والقتل بغير حق وعقوق الوالدين، ولذا فإن عوام المشركين وعوام اليهود والنصارى وأصحاب الأديان الباطلة يحشرون مع ساداتهم وكبرائهم في جهنم كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} (الأحزاب: 67-68)، إلا من لم تقم عليه الحجة ولم تبلغه الدعوة كمن عاشوا في مجاهل الأرض حتى ماتوا، وكمن عاش منذ ولد فاقد العقل حتى مات، فهؤلاء يُمتحنون يوم القيامة، وقد ورد في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة امتحانهم بعد أن يبعثهم الله في كامل عقولهم وأبدانهم.
لذا؛ يجب على الحكام هدم جميع البناء على القبور والمشاهد والمزارات بل والمساجد التي بنيت عليها، ومنع الجهال من السفر إليها وعبادتها امتثالاً لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الآيات والأحاديث الموجبة لذلك.
وشهادة أن لا إله إلا الله تنفع قائلها إذا عرف معناها وآمن به وعمل به بعبادة الله وحده بجميع أنواع العبادة التي شرعها الله وفي مقدمتها ماتقدم ذكره من العبادات التي يتوجه بها المشركون المُدَّعُون للإسلام لأصحاب القبور في الغيبة والحضور، أما إذا لم يعرف الناطق بها معناها ولم يعمل به فإنها لا تنفعه ولو نطق بها في اليوم ألف مرة ولا يقبل الله صلاته ولا صيامه ولا حجه لأنه مشرك، وقد حكم الله تعالى على المشركين بحبوط أعمالهم فقال: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 88) ولهذا لم ينتفع مشركوا الجاهلية بحجهم وعمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج؛ بل قال الله عنهم: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (الفرقان: 23) وقال الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الزمر: 65-66).
ومعنى (لا اله الا الله) أي لا إله حق يستحق أن يُعبد إلا الله وحده لا شريك له.
والعبادة لغة: الذل والخضوع.
وشرعاً: هي جميع ما أمر الله به المكلفين أن يعبدوه به وحده في كتابه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأعمال التي لا يصلح التوجه بها إلا إلى الله وحده، وأعظمها: الدعاء: وهو طلب ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى كإنزال المطر وشفاء المريض والرزق والولد ورد الغائب، ومن أعظم العبادات: الذبح والنذر وهما عبادتان لا تصلحان إلا لله عز وجل فمن ذبح للقبر أو للجن فهو مشرك ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فعن الإمام علي رضي الله عنه قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: «لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض» (رواه مسلم)، بخلاف من يذبح للضيف فلا بأس بذلك لأنه لم ينوِ تعظيمه بسفك دمها وإنما نوى إكرامه بلحمها، ومن أعظم العبادات: الصلاة والصوم والحج واعتقاد النفع والضر وعلم الغيب وتدبير الكون فهذه كلها لله وحده.
أما من نطق بالشهادتين من غير المسلمين أو من المسلمين الذين لم تتبين حالهم فانه يُعَدّ مسلما لا يُكَفّر ولا يُقاتل (لحديث أسامة) حتى يتبين أنه كاذب وأنه لا يزال على عقيدة الكفر كالنصراني الذي يأبى أن يُتْبِع نطقه بـ: (لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) بالشهادة أن عيسى عبد الله ورسوله وأنه ليس ابناً لله وأن الله واحد لا شريك له، وحتى يتبرأ الناطق بالشهادتين من كل دين أو مذهب غير الإسلام ومن كل يهودي أو بوذي أو وثني يعبد صنماً أو كوكباً أو الشمس أو القمر أو النار أو الحيوان أو يعبد صاحب قبر وإن كان يدعي الإسلام أو غيرهم من الكفار، فإذا لم يستجب لذلك فإنه يُعتبر كاذبا في ادعائه للإسلام.
وشفاعة الأنبياء والصالحين والافراط والمؤمنين بعضهم لبعض حق ولكنها لا تطلب منهم حال موتهم وإنما تطلب من الله تعالى لأن حق إعطائها والإذن بها لله وحده، قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (الزمر: 44)، وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (البقرة: 255)، ولا يأذن سبحانه إلا لأهل التوحيد، فالشافع والمشفوع له لا بد أن يكونا مُوَحِّدَين لله تعالى كما قال سبحانه: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (الأنبياء: 28)، أما الذين يطلبونها من الأموات فقد حرمها الله عليهم.
وأما طلب الناس الشفاعة من الأنبياء يوم القيامة فهو طلب من حي حاضر لأن الله سبحانه قد بعثهم بعد الممات.
وأما الميت مهما كانت منـزلته فإنه يُزار قبره الزيارة الشرعية وهي التي لا يزيد الزائر فيها على السلام عليه والدعاء له، ولو كان أفضل من الزائر لأن عمله قد انقطع وهو بحاجة إلى دعاء الحي كالصلاة عليه بعد موته.
وأما السفر لزيارة القبر فهو محرم لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد...» (رواه الإمام مسلم وغيره).
والنبي صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين أحياء عند ربهم يرزقون، ولكنها حياة برزخية نفى الله سبحانه عنهم فيها سماع من يدعوهم ويطلب منهم، وأخبر سبحانه أن دعاءهم شرك به وأنهم يوم القيامة يتبرؤن ممن يدعونهم فقال سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (الإسراء: 56-57)، وقال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر: 13-14).
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد النهي عن البناء على القبور وعن بناء المساجد عليها، ولعن من فعل ذلك وأخبر أنه فِعْل اليهود والنصارى لأن ذلك وسيلة لعبادة أصحابها، روى الإمام مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال: (قال لي علي رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع صورة إلاّ طمستها ولا قبراً مشرفا إلا سويته).
وأما قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه داخل حجرته التي توفى فيها لم يُبن عليه شيء، ودَفْنُه داخل الحجرة بناءًا على ماثبت عنه صلى الله عليه وسلم: «أن الأنبياء يدفنون حيث ماتوا».
وأما القبّة التي على قبره فهي بدعة محدثة في القرن السابع الهجري أحدثها أهل البدع لما عظمت غربة الإسلام وكان القبر خارج المسجد زمن الخلفاء الراشدين وأول حكم بني أمية لكن الوليد بن عبدالملك الأموي أدخله بحجة توسعة المسجد، وقد أنكر عليه من حضر من التابعين ولكنهم تركوا التشديد خشية الفتنة.
وهكذا القبة فقد أنكرها أهل التوحيد من كل بلاد الإسلام ولم يهدمها أهل التوحيد الذين مكنهم الله تعالى خشية الفتنة لكثرة الجهل وفساد عقيدة أكثر الناس.
وقد ذكرنا هذا التفصيل الموجز كشفاً لشبهات علماء السوء الذين أضلوا الناس بتصحيح الشرك والبدع باسم التوسل بالصالحين وطلب شفاعتهم واصفين الشرك بأنه عبادة الأصنام، جاهلين أو متجاهلين أن عبادة القبور والأشجار والأحجار ولو بدعوى التبرك بها تصيّرها أوثاناً وأصناماً، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (رواه الإمام مالك في الموطأ، ورواه الإمام أحمد عن أبي هريرة، ورواه البزار عن أبي سعيد الخدري).
ومعلوم أن أهل الجاهلية ماقصدوا بعبادتهم الأصنام ذاتها وإنما قصدوا من ترمز إليهم وهم أنبياء مثل عيسى عليه السلام، وصالحون مثل مريم وود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا.
ولذا أمر الله سبحانه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يعلن للناس بشريته وأن العبادة لله وحده؛ فقال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف: 110).
ولم يقف شر علماء السوء المشركين عند إضلال عامة الناس بتصحيح الشرك والبدع بالشبه الباطلة؛ بل حاربوا التوحيد وأهله وذلك بعدائهم المعلن لدعوة الأئمة الداعين إلى توحيد الله تعالى في كل بلد منذ عدة قرون وفي مقدمة من حُورِبُوا شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، فقد وشوا به إلى الحكام فسجنوه حتى مات في السجن رحمه الله ولكن دعوته بقيت نوراً يهتدي به المهتدون، وهكذا مع كل داعٍ إلى توحيد الله تعالى كما حصل للشيخ محمد حياة السندي رحمه الله، وللإمام محمد بن الأمير الصنعاني باليمن وغيرهم حتى أظهر الله سبحانه وتعالى الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب الذي جدد الله بدعوته دين الإسلام ابتداءً من القرن الثاني عشر إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة إن شاء الله تعالى والتي نصرها الأمير محمد بن سعود جزاهما الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وفي مقدمة من حارب دعوة الإمام هذه كبير علماء مكة في زمنها، فقد ألف كتابا ملأه زورا وبهتانا يُكفّر فيه الإمام المجدد ويصفه بأنه وأنصاره خوارج خرجوا على الخلافة العثمانية، ووزع هذا الكتاب على الحجاج فشاع بين أكثر الناس أن الإمام محمد بن عبدالوهاب ضال جاء بمذهب جديد، وصار من لا بصيرة لهم يحذّر بعضهم بعضاً هذا الإمام ومن قراءة كتبه واستمروا على شركهم وبدعهم يتوارثون هذا الضلال إلى الآن والعياذ بالله.
لكن العلماء المنصفين الذي أنار الله بصيرتهم لم يقبلوا ماجاء به الفساق بنبأ الزور والبهتان ضد هذا الإمام الناصر لدين الله تعالى وإنما نظروا في كتبه ورسائله، فتبيّن لهم بجلاء أنه على الحق وأنما جاء به هو تجديد لدين الإسلام الذي طُمست حقيقته ولم يبق منه إلا الأسماء حتى صار الشرك توحيداً والتوحيد شركاً وصار الموحدون لله تعالى غرباء بين الناس لا يُسمع لهم نصحاً؛ بل ولا يستطيعون إظهار التوحيد خوفاً من المشركين، وصارت قراءة هؤلاء المشركين للقرآن الكريم والسنة النبوية لمجرد التبرك بلا تدبر ولا عمل.
ومما ينبغي معرفته عن العثمانيين رغم حبهم للإسلام ونشرهم له في أوروبا وجهادهم للصليبيين وعمارة الحرمين وأخذهم بالمذهب الحنفي في الفروع إلا أنهم مع الأسف ليسوا في العقيدة على مذهب أبي حنيفة وبقية الأئمة والسلف الصالح، وإنما هم على عقيدة تشوبها الخرافة والبدع الموروثة عن غلاة الصوفية، ولهذا صدّق سلاطينهم مازوّره علماء السوء على الإمام محمد بن عبدالوهاب وأنصاره، وأرسلوا الجيوش بقيادة والي مصر وحاربوا الموحدين، رغم أن الإمام قد كتب لشريف مكة وحاكمها من قبلهم وكتب لعلمائها وعلماء المدينة وغيرهم وكتب إلى السلطان العثماني نفسه يبيّن لهم عقيدته وأنه داعٍ إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إخلاص العبادة لله تعالى وتحقيق محبة الله تعالى بإخلاص العبادة له وتحقيق محبة رسوله صلى الله عليه وسلم بمتابعته والاهتداء بهديه، وأنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأنه مستعد لمناظرة العلماء الذين ينتخبونهم بالحق، وأنه ناصر للدولة معين لها على الحق لا خارجاً عنها كما يزوِّر عليه علماء السوء، فلما لم يقبلوا منه وحاربوا التوحيد وأهله نصر الله الموحدين في النهاية والعاقبة للمتقين.
وأما مبدأ انتشار الشرك والبدع في العالم الإسلامي فهو قيام دولة المشركين التي أسسها ميمون القداح، واستمر حكم هذه الدولة الوثنية في القرن الثالث والرابع وأول الخامس الهجري في مصر والمغرب، ومنهم العبيديون الذين ادعى زعماؤهم الألوهية، وبنو القداح هؤلاء يهود زنادقة قدموا من اليمن وهم ورثة عبدالله بن سبأ اليهودي المنافق الذي أظهر الإسلام من أجل الكيد له وجَعَلَ الأساس لهذا الكيد التشيع لآل البيت والغلو في علي وأبنائه من فاطمة رضي الله عنها حتى ألّههم وادعى لهم العصمة وأنهم أفضل من الرسل وأنهم يعلمون الغيب ويدبرون الكون وادعى لهم الألوهية بتقرير عقيدة الحلول وأن الله يحل في أئمتهم واحدا بعد الآخر وأن الخلفاء الثلاثة ظلموا علياً واغتصبوا الخلافة، وسار على ذلك زعماء هذه الدولة الوثنية التي سموها زوراً بالدولة الفاطمية، وفاطمة رضي الله عنها بريئة منهم، وأحدثوا البناء على القبور وزينوا عبادة أهلها باسم التوسل بالصالحين وتشبهوا بالنصارى واليهود في شركهم وبدعهم كعيد المولد وغيره، وانتشر الشرك في العالم الإسلامي انتشار النار في الهشيم، حتى أسقط الله دولتهم على يد القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وتفرقت فلولهم في الشام وتركيا وإيران واليمن وارثين وثنيتهم وعداءهم للإسلام وأهله إلى الآن، وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فرقهم هذه بأن ظاهرها (الرفض) وباطنها الكفر المحض، ومعنى الرفض التشيع لآل البيت، والذي سماهم بالرافضة هو زيد بن علي ابن الحسين رضي الله عنه لما طلب منهم مبايعته فأبوا حتى يعلن براءته من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فأبى وقال لهم: (معاذ الله أن أبرأ منهما وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهما، وبايعهم جدي والمسلمون وحكموا بالعدل فكيف أتبرأ منهم؟) فرفضوا بيعته وخذلوه فقال: (رفضتموني؟) فسُمُّوا بالرافضة.
ومن غلاة الرافضة الصفويون الذين خانوا الخليفة العباسي المستعصم بتدبير وزيريه (ابن العلقمي) و(صفي الدين الطوسي) أعظم خيانة عرفها التاريخ ضد الإسلام وأهله وذلك باستغلالهما ثقة الخليفة بهما وتولية (ابن العلقمي) إمارة المشرق وقيادة الجيش فيه، وإسناد المشورة في الحكم (للطوسي)، فاتفقا مع (هولاكو) زعيم التتار على غزو بغداد وبلاد المسلمين، فقتل التتار الخليفة ومن بقي معه من الجيش وعاثوا في المسلمين قتلا ونهبا كما هو معلوم.
النصيحة لكتاب الله تعالى:
وتتحقق النصيحة لكتاب الله تعالى وهو القرآن الكريم بالإيمان بأنه كلام الله تعالى مُنَـَّزل غير مخلوق، وأنه الذي بأيدي جميع أهل السنة من المسلمين، المبدوء بالحمد والمختوم بالجِنَّة والناس، وأنه محفوظ تكفل الله بحفظه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، من ادعى أنه ناقص أو محرف فهو كافر به وبقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) وترك النصيحة للقرآن هي المنكر العظيم الثاني.
المنكر العظيم الثاني:
هو ترك الحكم بالقرآن والسنة المحمدية، والحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للقرآن والسنة في الكل أو البعض، فإن هذا منكر عظيم حكم الله سبحانه على من فعله مختاراً بالكفر البواح فقال سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: 44)، ووصفه سبحانه بأنه حكم الجاهلية فقال عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: 50)، وأقسم الله سبحانه بنفي الإيمان عمن لم يحكّم الشريعة الإسلامية ويرضى بحكمها ويسلم فقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65).
وليعلم كل حاكم مسلم أنه لا أمان له ولرعيته، ولا عزة له ولا سعادة له ولهم في هذه الدنيا ولا نجاة لهم من النار يوم القيامة إلا بالتمسك بدين الإسلام بتحكيم القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتنفيذ أحكام الله بالقصاص من القاتل عمداً بغير حق وقطع يد السارق وقطع يد ورجل قاطع الطريق أو قتله ورجم الزاني المحصن ذكرا أو أنثى وجلد الزاني البكر بدون رأفة وجلد شارب الخمر وإيقاف المجرمين عن إجرامهم بتنفيذ حدود الله تعالى فيهم، أما إيداعهم السجون كما هي عادة غير المسلمين فما ذلك إلا تشجيع لهم على الإجرام ونشر للشر والفساد.
ومن النصيحة لحكام المسلمين طاعتهم في المعروف والصبر على أذاهم والدعاء لهم بالهداية والتوفيق ومناصحتهم بالأمور العظيمة المتقدم ذكرها وما سيأتي وما يحصل من المظالم والمنكرات في ولاياتهم ومنها:
المنكر العظيم الثالث هو الدعوة إلى الإباحية باسم حرية المرأة:
من أعظم ما أوجب الله على حكام المسلمين حماية المرأة المسلمة إذ لا سبيل لصيانة أعراض المسلمين وحفظ كرامة المرأة المسلمة وشرفها إلا بامتثالها أمر ربها بالقرار في بيتها وعدم الخروج لغير حاجة، وإذا خرجت لحاجتها تخرج متحفظة متسترة متحجبة غير متطيبة وتبتعد عن مخالطة الرجال وعن الخلوة بمن حرم الله خلوتها بهم مثل السائق ولو في الشارع ومثل الخادم وقريب الزوج والطبيب وصاحب المتجر وغيرهم قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33)، وقال صلى الله عليه وسلم: «ماخلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: «الحمو الموت» (متفق عليه).
وليحذر كل حاكم وكل مسلم ومسلمة الاغترار بدعوة أعداء الإسلام من العلمانيين وأسيادهم الغربيين إلى مشاركة المرأة للرجل في عمله خارج بيتها باسم حرية المرأة والمساواة بالرجل وغيرها من الشعارات، فإن هذه والله دعوة إلى انتهاك عرضها ودوس كرامتها وتعطيل لوظائفها المهمة الملائمة لفطرتها وخلقتها الجسدية بحرية وستر وأمان داخل منزلها والتي هي السبيل الوحيد لسعادتها وسعادة زوجها وأطفالها، ولو عملت خارج منزلها لدفعت مرتبها للخادمة والمربية لأطفالها إلى جانب حرمانهم من رعايتها وعطفها وتعريضهم لأمور خطيرة نفسية وجسدية أثناء غيابها.
أما المهن النسائية التي لا تتعرض فيها للاختلاط بالرجال والتي لابد منها كالطب والتمريض النسائي وتدريس البنات فهذه لا بأس بها للمرأة المحتاجة لها والراغبة فيها شريطة تمسكها بالحجاب والبعد عن الرجال.
الديمقراطية الغربية كفر بواح:
والمنكر العظيم الرابع والكفر البواح الذي يغزو به الغرب بلاد الإسلام ما يسمى بالديمقراطية، فليحذرها حكام المسلمين.
فإن أول أسسها الكفرية: عزل الدين عن الدولة والحكم بغير ما أنزل الله تعالى.
والثاني: إباحة الكفر والإلحاد والإباحية والدعوة إلى ذلك في وسائل الإعلام باسم حرية الرأي، والحرية الشخصية مثل: السماح للبنت إذا بلغت أن تعمل ما تشاء، فتقارف جريمة الزنا والرقص والخلوة بمن تشاء وتعمل في المسرح وليس لأبيها ولا لأمها ولا لأخيها ولا لغيرهم منعها، ومن يحاول منعها يعاقب بالسجن.
وثالث أسسها: تأصيل المكاسب المحرمة وفي مقدمتها الربا والقمار، فجميع البنوك والمعاملات ربوية على مستوى الدولة والشركات والمؤسسات، وشركات التأمين جميعها مبنية على أكل أموال الناس بالباطل بين غالب ومغلوب بغير حق، ومن تشريع النظام الديمقراطي للمكاسب المحرمة: تشجيع دور البغاء ومسارح الرقص والغناء المحرم ومصانع الخمور.
ورابع أسس الديمقراطية الغربية الكفرية: التي يكفي واحد منها لوصفها بالكفر البواح: أن أساس دستورها في السياسة والاقتصاد مبني على الظلم العظيم، ففي الاقتصاد تكون السيادة للرأسمالية التي يختص بها الطبقة الظالمة والكثرة يعيشون فقراء مستعبدين.
أما في السياسة فإن ما يستشهد به الديمقراطيون من العدالة بانتخاب الشعب لحاكمهم ادّعاء كاذب دلت على بطلانه البراهين التالية:
الأول: أن الاعتبار عندهم في الترشيح للكم لا للكيف وهو كثرة الأصوات، والمعروف أن الكثرة هم الغوغاء والسفهاء الذين تخدعهم الدعاية والشعارات الزائفة، فينتخبون من يعدهم بتحقيق شهواتهم المحرمة التي تقدم ذكرها في الأسس الثلاثة للديمقراطية، وهذه الكثرة وصفها الله سبحانه بقوله: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (الأنعام: 116)، والحق الذي أرسل الله تعالى به جميع الرسل وأنزل به جميع الكتب التي ختمها بالتوراة والإنجيل والقرآن العظيم الذي جعله الله سبحانه مهيمناً عليها وناسخاً لها، والذي أجمع عليه جميع الصالحون المصلحون منذ خلق الله تعالى البشر.. هذا الحق هو أن الاعتبار في انتخاب رئيس الدولة وانتخاب كل ولي لأمرٍ مهم إنما هو لأهل العلم المشهود لهم بالصلاح والعدالة والحرص على ما فيه صلاح الشعوب في أمور دينهم ودنياهم، كما حصل في انتخاب الخلفاء الراشدين الأربعة واحداً بعد الآخر رضي الله عنهم.
البرهان الثاني: أن المرشح للانتخاب في الغرب بصفة عامة وفي أمريكا بصفة خاصة نظراً لسيطرة اليهود عليها يعلن أن أول أولوياته مناصرة اليهود ضد القضية الفلسطينية، فأين العدالة؟!
البرهان الثالث: أن أي مرشح لا يصل إلى الفوز بالرئاسة إلا بعد دفع الملايين رشوة لأصحاب النفوذ، وفي الدعاية عبر وسائل الإعلام وغيرها، فإذا فاز نفذ المخطط الماسوني المتمثل في أسس الديمقراطية الأربعة المذكورة بحذافيره، فكانت النتيجة البطالة والفقر وتشجيع الإلحاد والإباحية بين المنتخبين أنفسهم، أما شعوب العالم الثالث عامة والشعوب الإسلامية خاصة فإن نصيبها من حكم الديمقراطيين الغربيين القتل والسلب وإثارة الفتن باسم حماية حقوق الإنسان تارة، وبدعوى محاربة الإرهاب تارة أخرى، إذا فلا غرابة إذا صدر الحكم على النظام الديمقراطي بالكفر المحض.. وأما ما قد يوجد فيه من إيجابيات جانبية فهي كالتي توجد في المجتمع الجاهلي قبل الإسلام، بل هي أقل منها بكثير بل إن بعض الأشخاص الملحدين الذين كفروا بالله ورسوله ودينه واستحلوا محارم الله سبحانه يوجد لديهم شيء من الإيجابيات كالصدق في المعاملة وشيء من حسن الخلق، لكن ذلك لا يخرج أهله من وصفهم بالكفر البواح.
لذا؛ يجب على كل مسلم حاكم أو محكوم أن يفرح بالإسلام ويعتز به وينادي بتطبيق تعاليمه لا بتعاليم الديمقراطية أو غيرها من أنظمة الكفر لأنها الطاغوت الذي فرض الله سبحانه وتعالى الكفر به فقال سبحانه: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 256)، وقد أجمع الأئمة من علماء الإسلام منذ زمن الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا على أن من نواقض الإسلام: تصحيح أي مذهب من مذاهب الكفر أو أي دين غير الإسلام ولو كان اليهودية أو النصرانية، لأنهما بعد تبديل اليهود والنصارى لهما بتحريف التوراة والإنجيل صارا ديانة كفر وشرك أكبر بالله عز وجل، فأعلن الله سبحانه في القرآن العظيم كفر من يبتغيهما أو غيرهما من الأديان فقال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85).
وهكذا فإن من الكفر المخرج من ملة الإسلام بإجماع أئمة المسلمين: اعتقاد أن اليهودي أو النصراني مؤمناً بالله غير كافر به لأن الله سبحانه أعلن كفر اليهود والنصارى في آيات كثيرة من القرآن الكريم لأنهم جعلوا لله ولداً وجعلوا معه آلهة أخرى ولم يدخلوا في الإسلام ويتبعوا خاتم المرسلين ورسول الله إلى الناس أجمعين محمداًصلى الله عليه وسلم وهم يقرؤون في التوراة والإنجيل البشارة به وأمر الله تعالى لهم باتباعه والدخول في دين الإسلام الذي جاء به جامعاً للحق الذي جاءت به جميع الرسل ونزلت به جميع الكتب كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} الآيات (آل عمران: 19-22).
المنكر الخامس التعامل بالربا والميسر:
ومن أعظم المنكرات وأفتكها بالدين والإخاء بين المسلمين وأعظم سبب لعقاب الله تعالى ونشر الفقر والبطالة في المجتمع السماح للبنوك والمؤسسات والأفراد بالتعامل بالربا، ذلك المنكر العظيم الذي لعن الله المتعاملين به والمتعاونين معهم ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه والمتحايل عليه بصورة البيع الكاذبة بحجة فتوى لا يطبقون شروطها الشرعية وهي (أي الشروط التي تبيح الاستدانة من الغير) ما يأتي:
الأول: أن يشتري المحتاج للنقود البضاعة من البنك أو التاجر.
والثاني: أن يستلمها ويخرج بها.
والثالث: أن يبيعها على طرف ثالث لا علاقة له بالبنك ولا بالتاجر.
أما البيع الصوري على الورق الذي هو احتيال إلى استحلال ما حرم الله والذي لم يسبق إليه إلا اليهود الذين لعنهم الله ومسخهم قردة وخنازير فهو كبيرة أخرى شنيعة جمع فاعلها والراضي بها بين كبيرتي الربا والاحتيال على الله عز وجل.
ومثل الربا الميسر وهو المسمى بالقمار وهو ما تأخذه شركات التأمين على الحياة أو على الصحة أو على البضائع أو السيارات أو ما يتعاطاه المقامرون عن طريق الرهان المحرم كلعبة الشطرنج أو الورق أو اليناصيب.
وما يفتي به من شذ من العلماء من جواز التأمين فهو قد قاسه قياساً فاسدا على الحارس الذي يُعيّن مدة يحرس ويأخذ الراتب دون أن يَحْصُل اعتداء من سارق أو غيره، وفات هذا المفتي أن الحارس أخذ الراتب مقابل حراسته ومراقبته، وفاته أن وجوده (أي الحارس) هيبة ضد السارق فلا يتجرأ على السرقة، ومثل ذلك ما تبثه بعض الجهات العابثة المختلسة لأموال الناس بالتعاون مع من يستجيب لهم من شركات الاتصالات أو الجرائد أو القنوات بالوعود الكاذبة بالمبلغ الكبير أو السيارة الفخمة عن طريق الاتصال برقم كذا ونحو ذلك.
فيجب على ولاة أمور المسلمين منع هذه المنكرات الموجبة لغضب الله سبحانه وعقابه والتي تجر على شعوبهم الفقر والدمار، ويجب معاقبة هؤلاء اللصوص الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويلعبون بعقولهم أشد العقاب.
المنكر السادس:
والمنكر العظيم السادس الذي يجب على كل مسلم حاكم له القدرة على تغيير المنكر أن يحذر عقوبة السكوت عن تغييره وإسكات الفاعلين له ومعاقبتهم العقوبة الرادعة وهو: تسخير العلمانيين أقلامهم ووسائل الإعلام التي يشرفون عليها في محاربة الإسلام وأهله الداعين إليه وذلك بإعلانهم الإلحاد ودعوتهم إلى الإباحية باسم حرية الرأي والحرية الشخصية تبعاً لسادتهم اليهود والنصارى، ودعوتهم إلى إبطال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد المشروع ووصفهم لذلك الحق بالإرهاب، ودعوتهم كذلك إلى إبطال أوثق عرى الإيمان وهي أركان ملة إبراهيم عليه السلام التي أمر الله خاتم المرسلين وأمته أن يأخذوا بها، وهي الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة فيه والبراءة من الكفر وأهله التي قد دل عليها الكثير من الآيات والأحاديث ومنها قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (الممتحنة: 4)، وقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (المجادلة: 22)، وقد حذر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته أن يطيعوا اليهود والنصارى في شيء من مطالبهم المحرمة ولو في شيء قليل فقال سبحانه: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} (الإسراء: 73-75)، وبين سبحانه أنهم لن يرضوا عن المسلمين وحكامهم حتى يكفروا مثلهم فقال سبحانه: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (البقرة: 120)، وقال سبحانه: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} (النساء: 89) وليحذر حكام المسلمين وكل مسلم من الانخداع بما يدعو إليه الغرب مباشرة في وسائل الإعلام أو عن طريق هيئة الأمم ومنظماتها من دعوة إلى هدم العقيدة الإسلامية باسم التقريب بين الأديان.
وذلك؛ لأن الإسلام حق أوجب الله سبحانه بيانه كما أنزله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وليس متهماً حتى يدافع عنه المحاورون بالتماس الأعذار غير الشرعية لتغيير أسماء مسميات سماها الله سبحانه.
فالإسلام إذاً فريضة على جميع العقلاء يجب دخولهم فيه وتجب دعوتهم إليه، وليس بحاجة إلى الذين يخجلون أن يبينوه فهو غني بمبادئه السامية التي شرعها رب العالمين وأرحم الراحمين وأحكم الحاكمين من فوق سبع سماوات، من دخل فيه فالمنة لله تعالى عليه أن هداه للإسلام، ومن أعرض عنه فإن له في هذه الحياة معيشة ضنكا ويحشره الله يوم القيامة أعمى ويدخله نار جهنم نعوذ بالله منها.
ومما يجب أن يعلمه كل مسلم حاكم أو محكوم أنه لا إيمان إلا بتكفير من كفرهم الله سبحانه وتعالى وهم المشركون واليهود والنصارى وكل من لم يدخل في الإسلام، قال الله تعالى معلناً كفر جميع فِرَقِ الكفر الذين لم يدخلوا في الإسلام وابتغوا غيره: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85)، وقال تعالى معلنا كفر اليهود والنصارى الذين لم يدخلوا في الإسلام الذي أول عقيدته توحيد الله تعالى وتنـزيهه عن الشريك والوالد والولد: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (التوبة: 30)، وقال سبحانه أيضاً: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المائدة: 72-73).
الحوار مع الكفار في ضوء الإسلام:
الكفار ينقسمون إلى قسمين:
الأول: المعاندون الظالمون الذين عُرِفُوا بالظلم والعدوان على المسلمين والقدح في الإسلام، فهؤلاء لا ينبغي الحوار معهم ولا الجدال معهم لأنهم يعرفون الحق ويعرضون عنه، بل ويجحدونه كما قال تعالى عنهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (النمل: 14)، وقال أيضاً: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (العنكبوت: 46).
فإن كان هؤلاء الظالمون قد تسلطوا على المسلمين وحاكمهم، وليس له القدرة على دفع شرهم، وطلبوا منه مطالب إذا لم يستجب لهم احتلوا بلاده وعاثوا في المسلمين قتلاً وسلباً، فإنه يجوز له بعد التشاور مع علماء المسلمين في بلده إعطاؤهم مطالبهم من المال أو الأرض أو عدم إظهار بعض الأحكام الإسلامية ونحو ذلك، شريطة اطمئنان قلب الحاكم بالإيمان ومن معه وعقدهم النية بإظهار الحق عند القدرة على ذلك لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (النحل: 106)، وقوله سبحانه: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} (آل عمران: 28) حتى يعيد الله سبحانه للمسلمين عزتهم فيستعيدوا مجدهم وسيادتهم.
أما القسم الثاني من الكفار: فهم الذين يريدون معرفة الحق وكشف الشبهات، فهؤلاء يجب التخاطب معهم بما أمر الله سبحانه وتعالى أن يقال لهم وهو القول الحسن قال سبحانه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البقرة: 83)، وإن كانوا من أهل الكتاب ولديهم علم فَيُذْكر لهم أن الله فرض على المسلم في دين الإسلام الإيمان بجميع رسل الله وأنبيائه وكتبه التي أنزلها على رسله من نوح إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وسليمان وداوود ويوسف وموسى وهارون وعيسى وبما أنزل الله عليهم من الكتب وفي مقدمتها صحف إبراهيم وموسى وزبور داوود والتوراة والإنجيل ويقرأ عليهم أمر الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولأمته: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 84-85)، ويقرأ عليهم قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 64)، ويبين لهم أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم مكملة لرسالاتهم وخاتمة لها، والقرآن العظيم الذي ختم الله به الكتب التي أنزلها على رسله جعله الله سبحانه مشتملاً على ما فيها من التيسير ناسخاً ما فيها من التعسير الذي جعله على الأمم الماضية وهادياً للتي هي أقوم وتبياناً لكل شيء، من آمن به وعمل به وآمن بخاتم المرسلين ورسول الله تعالى إلى الناس أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم واتَّبَعه ودخل في دين الإسلام راضيا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً رسولاً فقد آمن بجميع كتب الله ورسله لأنهم جميعا بشّروا به ودعوا أممهم إلى الإيمان به واتباعه، ومن لم يؤمن بمحمد ويتبعه ويدخل في الإسلام فهو كافر بجميع الرسل وبجميع كتب الله لأن دين الله تعالى واحد وهو الإسلام، فهو دين جمع الرسل الذي بعثهم الله به ودعوا إليه ودليل ذلك قول الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: 19)، وجميع الرسل قد أعلنوا إسلامهم لله وتمسكهم بدين الإسلام، فإبراهيم أعلن إسلامه ووصى بذلك بنيه إسحاق ويعقوب، ووصى به يعقوب بنيه، وذكر الله ذلك في عدة آيات من القرآن الكريم منها قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة: 130-133).
وجميع أتباع موسى وعيسى أعلنوا دخولهم في الإسلام، قال الله تعالى عن حواري عيسى عليه السلام: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 52)، وقال الله تعالى آمراً جميع الناس بالدخول في الإسلام: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (البقرة: 208)، وقد أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقرأ على المشركين عباد الأوثان وعلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (آل عمران: 19-20)، ولا يصح أن يُواجِه الداعيةُ الإسلامي غَيْرَ المسلم الذي يريد الحق وكشف الشبهات بالقول المنفر له، مثل بدئه بوصفه بالكفر ونحو ذلك.. ولكن يبدؤه بالابتسامة والدعاء له ولنفسه بالهداية إلى الحق، ويُقْسم له بالله -لأنه صادق في الواقع- أنه لايغشه في حواره معه ولا يكذب عليه وإنما يقول الحق الذي جاء من عند الله تعالى، فإذا شرح الله صدره للإسلام ونطق بالشهادتين لا يأمره بشيء ينفره أو ينهاه عنه وإنما يرفق به ويبين له بالتدريج الأهم ثم المهم بعدما يفعل الأهم وتطمئن نفسه به كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم مُعاذاً لدعوة أهل الكتاب في اليمن بذلك.
الوصية بشباب المسلمين:
يجب على علماء المسلمين تذكير حكامهم وفقهم الله لنصرة دينه وتحكيم شريعته في جميع أنحاء العالم بالأهمية البالغة والواجب العظيم الذي أوجبه الله تعالى عليهم نحو شباب المسلمين الصالحين وذلك بأن يكرموهم ويعرفوا لهم قدرهم لأنهم أنصار الله وحماة دينه وحماة أمتهم الإسلامية ولأنهم الجيش المتطوع الذي لا يُقْهَر بإذن الله والسد المنيع والدرع الواقي للأمة الإسلامية وحكوماتها بإذن الله تعالى من شر الأعداء، لأنه ثبت منذ بعث الله رسله وأنزل كتبه بأن الشباب المؤمن برسل الله تعالى هم أكثر المجاهدين مع الرسل حق الجهاد وقد أثبتت التجارب في هذا العصر أن الشباب هم القوة الرادعة لقوات أعداء الإسلام الهائلة جوية وبرية وبحرية وقنابل مدمرة وغازات سامة وكيد عظيم، ولما عرف أعداء الإسلام من خلال تجربتهم المتكررة لقوة الشباب المسلم المجاهد التي هزمتهم ولم يستطيعوا قهرها رغم ما فعلوه من الوسائل الحربية المدمرة وعرفوا أنه لا سبيل إلى تنفيذ مخططهم الجهنمي الذي يريدون منه احتلال العالم الإسلامي عامة والدول الغنية بالبترول والثروات الأخرى خاصة إلا بالتخلص من الشباب المسلم الصالح والحكام المحافظين على دينهم وأوطانهم، فهم لما عرفوا ذلك دبروا مكيدة للإيقاع بين الشباب المؤمن وحكامهم المؤمنين لكي يتخلى الشباب عن نصرة دولهم الإسلامية إذا انقضوا عليها، وذلك بمحاولاتهم المتنوعة لجر الحكومات إلى اتخاذ حركة معادية للشباب عن طريق الاتهامات الباطلة التي يلصقونها بهم متخذين من الحالات الشاذة التي وقع فيها شواذ منهم وهي التكفير والتفجيرات نتيجة انحرافٍ فكري تلقوه من أناس منهم ذووا حقد وهوى ومنهم ذووا فكر منحرف.
ولكن هذه المكيدة لا تنطلي بمشيئة الله تعالى على الحكام المسلمين وعلى رأسهم حماة الحرمين الشريفين، فهم وشعبهم دولة التوحيد لأنهم يعرفون ما للشباب الصالحين من القدر والأهمية وأنهم عدتهم بعد الله تعالى ضد أعدائهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنهم يخافون الله تعالى فيهم لو أطاعوا فيهم أعداء الله لأنهم يعلمون أن من أعان ظالماً سلَّطه الله عليه، ويخافون أيضاً دعوة المظلوم التي تنطلق من قلوب وأفواه أمهاتهم وآبائهم وأطفال المتزوجين منهم وعامة المؤمنين الذين يستاؤون لما يسوؤهم.
والله المسؤول أن يعز الإسلام والمسلمين وأن يرد كيد أعداء الإسلام في نحورهم وأن يحفظ ولاة أمرنا وأمور المسلمين بالإسلام وأن يجمع كلمتهم على تحكيم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم آمين.
الشيخ عبد الرحمن بن حماد آل عمر
مآآآآآجى
مآآآآآجى