هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    أدب المعصية $$$

    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17074
    السٌّمعَة : 22

    سؤال أدب المعصية $$$

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح الخميس 1 أبريل - 5:51

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بكــــتْ عيني و حُق لها بكاها = على نفســـي التي عصت الإلها
    و مَن أولى بِطـــول الحُزنِ منها = و بِالآثامِ قــــــــد قطعتْ مداها

    فلا تقوى تَصد عن المعــــــاصي = و لا تخشــــى الإله و لا تـــناهى
    و تتوب مِن الإساءةِ في صباحٍ = و تنقضُ قبل أن يأتي مساها
    و تنقض عهــدها حيناً فحيناً = كــــأنَّ الله فيهـــا لا يـــــراها

    موضوع جميل جدًا قراته وأحببت أن اقتطف لكم بعض منه
    : : * : : أدب المعصية : : * :
    وفيه بيان جملة الآداب التي جعلتها الحنيفية السمحة في سبيل تحقيق السلوك الواقعي - المثالي - في التعامل مع قدر الخطيئة .
    ولزوم هذه الآداب مما يعين العبد المقصّر المذنب الخطّاء على تحقيق هذا السلوك والله المستعان .

    هذه الآداب
    وقاية من الوقوع في الذنب ، - وهي لا تعني بالضرورة الحماية منها - لأنه سبق وأن تبين أن الوقوع في الخطيئة والذنب أمر حتم . .
    لكن هي وقائية من جهة :
    - عدم حصول الإصرار على المعصية .
    - عدم حصول اليأس والقنوط من شدّة وطأة المعصية .
    - من عدم حصول الهلاك والإهلاك .

    الأدب الأول : استعظم ولا تحتقر! !

    فإن الذنوب هي حالة استجابة لداعي الشيطان ، مهما صغرت الخطيئة ، والشيطان عدو لله ، فاستجابة داعي الشيطان والغفلة عن داعي الرحمن أمر عظيم مهما حقر في نظر العاصي .
    عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إيّاكم ومحقرات الذنوب ، كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود ، حتى أنضجوا خبزتهم ، وإن محقرات الذنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تهلكه "
    و يقول ابن مسعود رضي الله عنه : " إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا ، ـ قال أبوشهاب بيده فوق أنفه " !
    يقول بلال بن سعد : لاتنظر إلى صِغر المعصية ، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت !!
    وإن من خوارم هذا الأدب :
    - التساهل والتوسّع في المشتبهات .
    - التوسّع في قضية الضرورة وأحكامها ، فتتساهل المرأة في الكشف عند الطبيب ، والتوسع من جهة الخدم والخادمات والتوسع في اقتناء الفضائيات ... وهكذا !
    بحجّة الضرورة . .
    ومثل هذاالتوسّع والتساهل مما يضعف في النفس استعظام الخطيئات ويورث احتقار الصغائر من الذنوب والمعاصي !
    إن النفس التي تستعظم الذنب ولا تحتقر المحقرات من الذنوب أشد ما تكون ثقة بالله وأنساً به وفراراً إليه منه !
    فإن ذلك وقاية لها من أن تغفل فتطيش ...فتوغل . .
    ووقاية لها من الهلكة ..
    وإن حصول القنوط من الهلكة !!
    والإيغال هلاك !!

    الأدب الثاني : فلا تقعد معهم !!

    كان من وصيته صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام أن يبتعدوا عن دواعي المعصية ما أمكن فقال : " إيّاكم والجلوس في الطرقات" . فقالوا : يارسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها .
    فقال :" فإذا أبيتم إلاّ المجلس فأعطوا الطريق حقه ". قالوا : وما حق الطريق ؟ قال : " غض البصر ، وكفّ الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
    إن المعصية ليست وليدة الفجأة والمصادفة . . !
    إنما لها مقدمات وأسباب إذا حصلت حصل نتاجها . .
    وإن إلف العبد وتساهله في ارتياد مواطن المعاصي والذنوب يورث عنده فتوراً عن الورع والحزم والعزم . .
    كما يورث في نفسه إقبالاً على المعصية والخطيئة وبُعداً عن التوبة والأوبة . .
    ومن هذا الباب ثبت النهي عن ارتياد مواطن العذاب والإهلاك . .
    أيها المبارك .
    .
    فارق دواعي المعصية . .
    صديقاً كان أو مجلة أو شريطاً أو رقماً في هاتف أو فلماً أو مسلسلاً أو نادياً او مجلساً أو آلة .. !!
    واجعل بينك وبين أرباب الذنوب والمعاصي عزلة شعورية . إن لم يمكنك العزلة الجسدية على حدّ قوله جل وتعالى : " وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " .


    الأدب الثالث : دافع وأصلح خواطرك

    معلوم أن كل أعمال بني البشر إنما أصلها خطرة وفكرة حتى تصير كسباً وعملاً ، والمعصية والخطيئة أصلها خطرة أو فكرة . .
    والخواطر كما قسّمها ابن القيم رحمه الله ثلاث خواطر
    :
    * رحمانية . * شيطانية . * نفسانية .
    فالخواطر الرحمانية هي كل خاطرة لعمل البر والفضل كالجهاد وطلب العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدقات وغير ذلك .
    أمّا الخواطر الشيطانية فهي خواطر الفحشاء والمنكر .
    أما الخواطر النفسانية فهي الرؤى والأحلام .
    والخواطر أمرها عظيم من حيث أنها لا ينفك عنها أي بشر من البشر ، وتكمن الخطورة فيها من جهتين :

    - الجهة الأولى : كون أن الله جل وتعالى مطلع عليها فهو جل وتعالى " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " و " يعلم السر وأخفى " !
    - الجهة الثانية : من كون الخاطرة هي شرارة العمل الأولى .
    فالقلب لوح والخواطر نقوش تنقش فيه .
    يقول ابن القيم رحمه الله :
    وأما الخطرات فشأنها أصعب فإنها مبدأ الخير والشر ، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم ، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه ، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب . ومن استهان بالخطرات قادته قهراً إلى الهلكات ....
    وهي أضر شيء على الإنسان ويتولّد منها العجز والكسل ، وتولد التفريط والحسرة والندم ، والمتمني لمّا فاتته مباشرة الحقيقة بجسمه حوّل صورتها في قلبه وعانقها وضمها إليه ففتح بوصال صورة وهمية خيالية صورها فكره ، وذلك لا يجدي عليه شيئا ، وإنما مثله مثل الجائع الظمآن يصور في وهمه صورة الطعام والشراب وهو لا يأكل ولا يشرب ، والسكون إلى ذلك واستجلابه يدل على خسارة النفس ووضاعتها ، وإنما شرف النفس وزكاؤها وطهارتها وعلوها بأن ينفي عنها كل خطرة لا حقيقة لها ولا يرضى أن يخطرها بباله ويأنف لنفسه منها .
    حتى يقول : .. واعلم أن ورود الخاطر لا يضر وإنما يضر استدعاؤه ومحادثته
    !( الجواب الكافي 198 - 199 ) .
    و يقول في غير هذا الكتاب : دافع الخطرة فإن لم تفعل صارت فكرة فدافعها فإن لم تفعل صارت همّاً وغرادة فدافع ذلك فإن لم تفعل صار عملاً وسلوكاً فدافع ذلك فإن لم تفعل صار عادة وسجية !! من هنا علمنا خطورة الخواطر واثر مدافعتها وأثر استدعائها . .
    ولذا كان لابد من إصلاح الخواطر .

    وطريق إصلاحها من ثلاث جهات :
    الأولى : تفريغ القلب من الخواطر الرديّة بعدم الالتفات أو استدعاء الردي منها .
    الثانية : فإذا تفرّغ القلب كان لابد من ملئه .. فاملأه وأشغله بالله وبمحبته وهذا الإشغال له خمس طرق :
    أ / الفكرة في آياته المنزلة وتعلقها وفهم مراده منها .
    ب / الفكرة في آياته المشهودة والاعتبار بها والاستدلال بها على اسمائه وصفاته وحكمته وإحسانه وبره وقد حض الله على هذا التفكر وذم الغافلين عنه .
    جـ / الفكرة في الآئه وإحسانه وإنعامه على خلقه بأصناف النعم وسعة رحمته ومغفرته .
    وهذه الأنواع الثلاثة تستخرج من القلب معرفة الله ومحبته وخوفه ورجائه .. فأكمل الناس أكثرهم خواطروفكراً وإرادات لذلك .
    ولهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت تتزاحم عليه الخواطر في مراضي الرب تعالى فربما استعملها في صلاته وكان يجهّز جيشه وهو في الصلاة فيكون قد جمع بين الجهاد والصلاة !!

    د / الفكرة في عيوب النفس وآفاتها وفي عيوب العمل ، فهذه الفكرة تكسر النفس الأمارة بالسوء وتحيي النفس المطمئنة .
    هـ / الفكرة في واجب الوقت ووظيفته - من مصالح الدين والدنيا - وجمع الهمّ كله عليه .
    الثالثة : حماية الخواطر من الحرام والخطيئة . وذلك بطريقين :
    - مفارقة دواعي الحرام ومواطنه الحسّية .
    - الموازنة والمقارنة ومعرفة العواقب والمآلآت .
    وازن بين لذّة الإقبال على الله ولذّة الإقبال على الرذائل !
    وازن بين لذّة الذنب ولذّة العفة !
    وازن بين لذّة الانتصار على الشيطان وقهره ولذة الظفر بالمعصية والخطيئة !!
    وهكذا وازن وتذكّر العواقب والمآلآت فإن ذلك مما يحمي الخواطر من أن تستدعي الحرام الردي .

    الأدب الرابع : جالس الأخيار .

    المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه !
    ولذلك فإن صحبة الأخيار ومجالستهم مما يقي المرء - بإذن الله - من وضر المعاصي وشؤم الخطيئات . .
    وكون صحبة الأخيار ووقاية تظهر من جوانب :
    الجانب الأول : من جهة أن مجالسة الأخيار حماية من الخلوة والوقوع في أسر الخواطر أو غشيان مواطن المعاصي .
    الجانب الثاني : من جهة توجيههم ونصحهم وإرشادهم . فإن الأخوة الصادقة تحتّم على المتآخين أن ينصح بعضهم بعضاً وأن لا يزين بعضهم لبعض تقصير الآخر .
    فمن هذا الباب الصحبة الصالحة مكمّلة منقّية واقية .
    الجانب الثالث : أن الندم والحسرة والتألم على المعصية إنما تجنيه من الصحبة الصالحة ، وهو من ثمرات صحبتهم ، وإنك حين تفارقهم فسرعان ما يخبت هذا لصوت ويقل أثر هذه اللامة للنفس !!
    ومن هنا نعلم أن ترك صحبة الأخيار بحجة الذنوب والمعاصي والخطيئات من أعظم مداخل الشيطان وخواطر المعصية .
    هب أنك فارقت الأخيار فهل سيزول ما تشتكي من داء المعصية ؟؟!
    أم أنك ستفقد الدواء ويستفحل الداء !!
    إن الإنسان لا بد له من صحبة الأخيار ، فإن هو ترك الأخيار فلمن يذهب ! ليس إلاّ إلى من يزيّنون له المعصية ويقحمونه فيها ! !!

    الأدب الخامس : فانصب
    يقول أحد العارفين : النفس .. إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية !!
    وذلك سرّ من أسرار التوجيه الرباني : " فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) "
    إن إشغال النفس بعمل الصالحات ( صلاة .. صيام .. بر وإحسان .. صدقات .. زيارة مريض .. إجابة دعوة .. تحضير كلمة .. سماع شريط .. مباسطة الأهل والإخوان ...) من أهم الوقايات للعبد في هذا الباب .
    وإن ترك العمل الدعوي أو ترك الإلتزام والاستقامة على طريق الحق بحجة المعاصي من غوائل الشيطان على العباد .
    لاشك أن القول الذي لايصدّقه العمل أمر مذموم ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3) "
    وجاء في الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقتابه في النار ، فيدور كما يدور الحمار برحاه ، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون : أي فلان ما شأنك ؟
    أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟
    قال : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه "
    • هل هذا الندم الذي ورد في النصوص ، هو ذم للرجل على دعوته وإنكاره للمنكر ؟ أم ذم له على فعل المنكر مع أنه أولى الناس باجتنابه ؟!
    قال ابن كثير رحمه الله : وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له ، بل على تركهم له .
    • البشر كلهم خطّاؤون ، مقترفون للذنوب ، فحين نعمم هذه النتيجة فهل يوجد أحد لايقع في المعصية ؟!
    وعليه فيلزم أن نقول : أن لا يدعو أحد إلى الله وهو يعصي الله !!
    ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمـد ؟!
    • أن الواجب على المرء تجاه المنكر أمران :
    أ / تركه . : : : : ب / النهي عنه .
    والواجب عليه تجاه المعروف أمران :
    أ / فعله . : : : : ب / الأمر به .
    قال ابن كثير : .. فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب لايسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف .
    أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة المعصية منكر بحد ذاته !

    - سبيل النجاة من شؤم المعصية لمحمد الدويش بتصرف -

    الأدب السادس : داوم على الاستغفار .

    والاستغفار أدب من الآداب الواقية من جانبين :
    الأول : أنه يحيي في النفس توقير الله وتعظيمه .
    الثاني : أنه يمحو الخطايا والذنوب .
    عن الأغرّ المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرّة "
    وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : " رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي خطاياي ، وعمدي ، وجهلي ، وجِدّي ، ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت ، وما أخرت ، وما أسررت ، وما أعلنتت ، أنت المقدم ، وأنت المؤخر ، وأنت على كل شيء قدير "
    وكان من دعاء الأنبياء والمرسلين :
    - دعاء نوح عليه السلام : " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً "
    - دعاء إبراهيم عليه السلام : " وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ "
    - دعاء موسى عليه السلام : " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي "
    عند هذا ... يقف المسلم الحق يتسآءل : وأي خطيئة ارتكبها أنبياء الله حتى يستغفرون ؟
    ماذا جنت هذه النفس الطاهرة ؟ وأي خطيئة أسرّها وأعلنها وقدّمها وأخّرها ؟؟؟
    لئن كان صلى الله عليه وسلم وهو الذي غُفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرّة ، فكيف بنا نحن معشر المذنبين المخلّطين ؟؟‍!!
    إنها النفوس الطاهرة العارفة بالله حقاً .
    ولئن كان الاستغفار يطهر النفس ويزكيها فلا يجعلها تألف اقتراف المحرمات ، فكذلك هو يمحو الخطايا إن وقعت وحصلت ..
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه ، وإن عاد زِيد فيها حتى تعلو على قلبه وهو الران الذي ذكر الله : { كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } "
    ثم إن الإستغفار أمر يعجب الرب جل وتعالى ، فعن علي رضي الله عنه : أنه صلى الله عليه وسلم قال : " إن ربك يعجب من عبده إذا قال : رب اغفرلي ذنوبي ، وهو يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري "
    وإن الإستغفار الذي يترك أثره في النفس ويؤدي المقصود هو الذي يواطىء القلب فيه اللسان .

    الأدب السابع : لا تجاهر !

    كما أن الطاعات تتفاوت مراتبها ودرجاتها بحسب الأعمال ذاتها ، وبحسب العامل والوقت والسر والجهر ؛ فكذلك المعاصي !
    فقد دلّت النصوص على أن المعصية التي يستتر بها صاحبها أخف جرماً من التي يعلنها .
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
    " كل أمتي معافى إلاّ المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه " .
    وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأله كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النّجوى ؟ قال : " يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول : عملت كذا وكذا ؟ فيقول : نعم ، ويقول : عملت كذا وكذا ؟ فيقول : نعم ، فيقرره ثم يقول : إني سترت عليك في الدنيا ، فأنا أغفرها لك اليوم " إن المؤمن الذي يخاف من مولاه ويعظمه ويخشى عقابه ، تلومه نفسه على المعصية وتحرق فؤاده ، فكيف يحدّث الناس أنه يعمل ..ويعمل .
    وقد أشار ابن عقيل رحمه الله إلى معنى لطيف في الاستسرار بالمعصية وأن هذا الاستسرارا طاعة لله ، وان معافاة الله تعالى للمستتر بذنبه إنما كان لاستتاره
    . ( الآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 255 )

    الأدب الثامن : أتبع السيئة الحسنة تمحها !
    جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله ، إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فاقض فيّ ما شئت ، فقال له عمر : لقد سترك الله لو سترت نفسك . قال : فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ، فقام الرجل فانطلق ، فاتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً دعاه وتلا عليه : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين }
    فقال رجل من القوم : يانبي الله هذه له خاصة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " بل للناس كافة " !
    وإن من إتباع السيئة الحسنة أن تتبع المعصية بالتوبة منها بلا تسويف أو تأجيل أو قنوط .
    قال الله تعالى : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلاّ الله ولم يُصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون" وقال عزّ وتعالى : " .. فإنه كان للأوّابين غفوراً " ، قال ابن المسيب : هو الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب .
    وقال تعالى " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة .." ، قال البراء : هو الرجل يذنب الذنب فيقول : لا يغفره الله لي !!
    وكل ما كانت الحسنة من جنس عمل السيئة كان ذلك أبلغ في المحو .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات فإنه أبلغ في المحو .
    فتأمل عظيم منّة الله وفضله وسعة رحمته كيف أنه جعل لك من ضيق الذنب فرجاً واسعاً . .

    الأدب التاسع : لا تعيّر غيرك بالذنب !!
    المسلم يحب الله ، ويحب طاعة الله ، وهو كذلك يبغض معصية الله ومن يقارفها ؛ فالمؤمن يمتلك قلباً مرهفا ونفساً جيّاشة لاتملك الحياء مع من يجترىء على محارم الله ، فالحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان .
    لكن من الناس من يشتط فبدلاً من بغضه للمعصية وصاحبها ،يعيّر المذنب ويتعالى عليه ، !!!
    جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أن رجلاً قال : والله لايغفر الله لفلان .وإن الله تعالى قال : " ومن ذا الذي يتألّى عليّ ألاّ أغفر لفلان ، فإني غفرت له وأحبطت عملك .."
    ومرّ أبو الدرداء رضي الله عنه على رجل قد أصاب ذنباً فكانوا يسبّونه فقال : أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه ؟
    قالوا : بلى . قال : فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافاكم ؛ قالوا : أفلا تبغضه ؟
    قال : إنما أبغض عمله ، فإذا تركه فهو أخي ، وقال أبو الدرداء : أدع الله في يوم سرّائك لعله أن يستجيب لك في يوم ضرّائك .
    إن الأولى بالمرء المسلم أن لا يعيّر أخاه بالذنب ، أو يهزأ به بالمعصية ، إن الواجب عليه تجاه أخطاء الآخرين أن يقف عند حدّ المناصحة والستر والدعاء لهم وسؤال الله العافية .
    إن الذي يعيّر أخاه بالذنب برهان على إفراط صاحبه في ثقته بنفسه وتزكيته لها ، والغرور بوّابة الهلاك وأمارة من أمارات إحساس العبد باستغنائه عن معونة مولاه ، وأين هذا عن أعرف الخلق بالله حين قالوا .... :
    - " وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ " !
    " وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ "

    ( محمد الدويش بتصرف )

    الأدب العاشر : تب إلى الله ولا تيأس أو تقنط !!.

    قال الله تعالى :
    - " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "
    - " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "
    فالتوبة التوبة - يا رعاك الله - وأجب نداء ربك الرحمن وهو يناديك :
    يا ابن آدم . . إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ..
    يا ابن آدم . . لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك . .
    يا ابن آدم . . لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا أتيتك بقرابها مغفرة !!!
    يا عبادي . . إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً ، فمن علم أني ذو قدرة على المغفرة غفرت له ولا أبالي !!

    فهل تجيب نداء ربك . .
    وهل تدخل في رحمته . .
    " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار .. ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل " !!
    يا آدم . . ذنب تذل به إلينا أحب إلينا من طاعة تدلّ بها علينا !!
    يا أدم . . أنين المذنبين أحب إلينا من تسبيح المدلّين !!

    ثم أعلم - يا رعاك الله - أن التوبة النصوح ليست ألفاظا يلهج بها اللسان دون مواطئة القلب والجوارح . .
    بل التوبة النصوح التي تنفع هي التي استكملت شرائطها :
    ابتداء من :
    - الإقلاع عن الذنب .
    - الندم على ما فات !
    - العزم الجازم على ترك معاودته .!!
    وانتهاء بمعاودة التوبة كلّما وقع الذنب ..
    جاء في المسند عند أحمد : " إن الله يحب العبد المفتّن التوّاب " !

    وإن من موجبات التوبة الصحيحة . . .
    كسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء و لا تكون لغير المذنب ، ولا تحصل بجوع و لارياضة ، ولا حب مجرد ، إنما هي أمر وراء هذا كله تكسر القلب بين يدي الرب كسرة تامة ، قد أحاطت به من جميع جهاته ، وألقته بين يدي ربه طريحاً ذليلاًّ خاشعاً ، كحال عبد آبق من سيده ، فأُخذ وأُحضر بين يديه ، ولم يجد من ينجيه من سطوته ، ولم يجد منه بداً ، ولا عنه غناءً ولا منه مهرباً ، وعلم أن حياته وسعادته وفلاحه ونجاحه في رضاه عنه ، وقد علم إحاطة سيده بتفاصيل جنا ياته ، هذا مع حبه لسيده وشدة حاجته إليه ، وعلمه بضعفه وعجزه وقوة سيده ، وذله وعز سيده . فيجتمع من هذه الأحوال كسرة وذل وخضوع ما أنفعها للعبد ، وما أجدى عائدها عليه ، وما أعظم جبره بها وما أقربه بها من سيده !
    فليس شيء أحب إلى سيده من هذه الكسرة والخضوع والتذلل والإخبات والإنطراح بين يديه ، والإستسلام له فلله ما أحلى قوله في هذه الحال " أسألك بعزّك وذلّي إلا رحمتني ، أسألك بقوتك وضعفي ، وبغناك عني وفقري إليك ، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك ، عبيدك سواي كثير ، وليس لي سيد سواك ، ولا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، أسألك مسألة المسكين ، وابتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير ، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه ، وفاضت لك عيناه ، وذل لك قلبه ،
    يامن ألوذ به فيما أؤمــــله : : : ومن أعوذ به فيما أحـــاذره
    لا يجبر الناس عظما أنت كاسره : : ولا يهيضون عظما أنت جابـره
    فهذا وأمثاله من آثار التوبةالمقبولة ، فمن لم يجد ذلك في قلبه فليتهم توبته ، وليرجع إلى تصحيحها ، فما أصعب التوبة الصحيحة با لحقيقة ، وما أسهلها باللسان والدعوى ، وما عالج الصادق شيئاً أشق عليه من التوبة الخالصة الصادقة ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله . أ.هـ ( المدارج ) .

    تلك عشرة كاملة ، على الخطيئات صائلة . .
    فاستقلّ منها إن شئت أو استكثر . .
    فاز التائب بأبوته وعودته . .
    وهلك الهالك بكبره ونزوته . .
    اللهم أقل العثرة ..
    واغفر الزلة ..
    وألهمنا الرشد والهدى . .
    وادفع عنّأ السوء والردى . .
    اللهم آمين . .
    والحمد لله رب العالمين ..

    م

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 1 نوفمبر - 12:34