يعلم خفيات الأمور، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، تصمد له الكائنات وتسجد له المخلوقات، ويسبح له ما في الأرض والسماوات ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ ... [الإسراء: 44]. ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ﴾ ... [الحج: 18].
سبحـان من لـو سجدنا بالعيون له **على حمى الشوك والمحمي من الإبر
لـم نبلـغ العُشْر من معشار نعمته **ولا العشـير ولا عُشْــرًا من العُشُر
هــو الرفيعُ فلا الأبصارُ تدركه** سبـحانه مـن مليـك نافـذ القـدر
سبحـان من هو أُنسي خلوت بـه** في جوف ليلي وفي الظلماء والسحر
أنـت العظيـم وأنت الحب يا أملي** من لي سواك ومن أرجوه يا ذُخري
﴿ وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ ... [النحل: 59]، فالسجود له أعظم دلائل الإجلال، وتمريغ الوجه في التراب أقصى علامات التذلل للوهاب. فهو أقصى درجات العبودية، وأجل مظاهر التذلل، وأصدق دلائل الإذعان، أجمل رسائل الحب، وأعذب مناظر الخشوع، أفضل أثواب الافتقار. وهو انطراح للجبار، وتذلل للقهار، وتمريغ للأنف، وتعفيرٌ للوجه، تزلف للمحبوب، وانطلاق من أسر الدنيا، وهروب من قيود الطاغوت، وتجرد من أوسمة العظمة، وتخلٍّ من رتب الفخامة، وألقاب الزعامة، ﴿ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْد ﴾ ... [مريم: 93]، يسجد الملك والمملوك، والغني والفقير، والسيد والمسود، والرجل والمرأة، كلهم سواءٌ في فقرهم إلى الكريم، وذلهم للعظيم. والسجود رسالةٌ معبرة لكل ملوك الأرض، وكل عظماء الدنيا أن التذلل الحق، والخشوع الحق، للملك الحق، للواحد القهار، للكبير المتعال لمن بيده مقاليد السماوات والأرض. إن السجود بمظهره الخاشع، ومنظره المُخبت يثير في النفس أن العظمة لله، والكبرياء لله، والاستعلاء لله، والقوة لله، والجبروت لله، والملك لله، والعبودية لله، فهو انحناء لعظمته، وافتقار لجوده، وارتماء على أعتابه، واعتراف بفضله، وإقرار بنعمه، واستسلام لجلاله.
وكـــان فــؤادي خـاليًا قبل حبكم **وكــان بكـل الخلق يلهو ويمـرح
فـلمــا دعــا قلبـي هـواك أجابه** فلسـت أراه عـن قنائـك يبــرحُ
فـــلا تحرمن النفس من فيض جودكم **فلسـت أرى قلبـي لغيـرك يصـح
بقدر سجودك لله بقدر رفعتك عند الله، فالسجود لغيره ذلة واتضاع، والسجود له عزة وارتفاع. ( وعليك بكثرة السجود لله، فإنه لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك خطيئة ). و ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ). إذا سجد الإنسان فك سلاسل التقليد من الأعراف والعادات، فخرّ ساجدًا يمرغ جبينه لله تعالى، وأعطى القلب زمامه، وأرسل النفس على سجيتها، فلا حجر على الخشوع، ولا ملامة على الدموع، وقد غلى مرجل الصدر، وفاضت كأس القلب، واشتعلت حرقات الفؤاد، إنها السجدة التي يرتعد لها القلب، وترتعش لها الجبال الراسيات، وتهتز بها الأرض، ويرتعد لها الجبابرة والطغاة.
كــن مع الله، وابتغ الله وحده** ليــس إلاه في العوالم عُدَّهْ
واجعـل الله خفــق قلبك حمدًا** ورجــاءً .. وخشيةً ومودَّه
كــابد الوجـد بالذي لا تراهُ **واجعل القرب من إلهك سجده
هو نور السماء والأرض فاقبس **منه، واقـدح به لروحك زنده
وتـنـفـس بـذكـره، وتلبّثْ ** لتجليه، مُـدّةٌ إِثـر مــدّه
للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه في الصلاة، وموقف بين يديه يوم لقائه. فمن قام بحق الموقف الأول هون عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شدد عليه ذلك الموقف، قال تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ﴿26﴾ إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيل ﴾ ... [الإنسان: 26، 27].
ناصر بن مسفر الزهراني
M
لـم نبلـغ العُشْر من معشار نعمته **ولا العشـير ولا عُشْــرًا من العُشُر
هــو الرفيعُ فلا الأبصارُ تدركه** سبـحانه مـن مليـك نافـذ القـدر
سبحـان من هو أُنسي خلوت بـه** في جوف ليلي وفي الظلماء والسحر
أنـت العظيـم وأنت الحب يا أملي** من لي سواك ومن أرجوه يا ذُخري
﴿ وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ ... [النحل: 59]، فالسجود له أعظم دلائل الإجلال، وتمريغ الوجه في التراب أقصى علامات التذلل للوهاب. فهو أقصى درجات العبودية، وأجل مظاهر التذلل، وأصدق دلائل الإذعان، أجمل رسائل الحب، وأعذب مناظر الخشوع، أفضل أثواب الافتقار. وهو انطراح للجبار، وتذلل للقهار، وتمريغ للأنف، وتعفيرٌ للوجه، تزلف للمحبوب، وانطلاق من أسر الدنيا، وهروب من قيود الطاغوت، وتجرد من أوسمة العظمة، وتخلٍّ من رتب الفخامة، وألقاب الزعامة، ﴿ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْد ﴾ ... [مريم: 93]، يسجد الملك والمملوك، والغني والفقير، والسيد والمسود، والرجل والمرأة، كلهم سواءٌ في فقرهم إلى الكريم، وذلهم للعظيم. والسجود رسالةٌ معبرة لكل ملوك الأرض، وكل عظماء الدنيا أن التذلل الحق، والخشوع الحق، للملك الحق، للواحد القهار، للكبير المتعال لمن بيده مقاليد السماوات والأرض. إن السجود بمظهره الخاشع، ومنظره المُخبت يثير في النفس أن العظمة لله، والكبرياء لله، والاستعلاء لله، والقوة لله، والجبروت لله، والملك لله، والعبودية لله، فهو انحناء لعظمته، وافتقار لجوده، وارتماء على أعتابه، واعتراف بفضله، وإقرار بنعمه، واستسلام لجلاله.
وكـــان فــؤادي خـاليًا قبل حبكم **وكــان بكـل الخلق يلهو ويمـرح
فـلمــا دعــا قلبـي هـواك أجابه** فلسـت أراه عـن قنائـك يبــرحُ
فـــلا تحرمن النفس من فيض جودكم **فلسـت أرى قلبـي لغيـرك يصـح
بقدر سجودك لله بقدر رفعتك عند الله، فالسجود لغيره ذلة واتضاع، والسجود له عزة وارتفاع. ( وعليك بكثرة السجود لله، فإنه لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك خطيئة ). و ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ). إذا سجد الإنسان فك سلاسل التقليد من الأعراف والعادات، فخرّ ساجدًا يمرغ جبينه لله تعالى، وأعطى القلب زمامه، وأرسل النفس على سجيتها، فلا حجر على الخشوع، ولا ملامة على الدموع، وقد غلى مرجل الصدر، وفاضت كأس القلب، واشتعلت حرقات الفؤاد، إنها السجدة التي يرتعد لها القلب، وترتعش لها الجبال الراسيات، وتهتز بها الأرض، ويرتعد لها الجبابرة والطغاة.
كــن مع الله، وابتغ الله وحده** ليــس إلاه في العوالم عُدَّهْ
واجعـل الله خفــق قلبك حمدًا** ورجــاءً .. وخشيةً ومودَّه
كــابد الوجـد بالذي لا تراهُ **واجعل القرب من إلهك سجده
هو نور السماء والأرض فاقبس **منه، واقـدح به لروحك زنده
وتـنـفـس بـذكـره، وتلبّثْ ** لتجليه، مُـدّةٌ إِثـر مــدّه
للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه في الصلاة، وموقف بين يديه يوم لقائه. فمن قام بحق الموقف الأول هون عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شدد عليه ذلك الموقف، قال تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ﴿26﴾ إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيل ﴾ ... [الإنسان: 26، 27].
ناصر بن مسفر الزهراني
M