منذ أن سقطت بغداد في يد الاحتلال عام 2003 والعراقيون يعيشون نكدًا من العيش، رغم محاولاتهم الخروج بشتى الطرق والوسائل، فهذا عراقي بقي في بلده يقاوم الاحتلال ويقاسي ويلات الدمار، وهذا أُجبر على اللجوء وأسرته إلى دول الجوار، وآخر أوصدت أمامه الأبواب فبات يتلمَّس فرصة للحياة في بلد أوروبي، إلا أن المرأة العراقية البائسة، التي فقدت أخاها وزوجها وأباها الذين راحوا ضحية الاحتلال، باتت تتحمل شظف العيش، وقسوة الظلم، ورغم ذلك لم تسلم من الألسنة.
خرج الكثير من العراقيين يحملون ما بقي لهم من أموال بعد أن سُرقت أموالهم ونُهبت ممتلكاتهم، إثر حالة الفوضى التي صاحبت بداية الاحتلال، مما حدا بالكثير من أبناء العراق – الكثير منهم سُنَّة - إلى ترك بلدهم مرغمين لاجئين إلى دول الجوار، وخاصةً سوريا التي تحملت العبء الأكبر، رغم ما تعانيه من أزمات اقتصادية ونسب كبيرة من البطالة قد تصل إلى المليون و200 ألف عاطل عن العمل، إلا أنها احتوت ما يقارب المليون ونصف المليون عراقي، و تسجِّل الإحصاءات الرسمية في مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في دمشق وجود 220 ألف عائلة عراقية، إلا أن النسبة أكثر من ذلك بكثير؛ لأن معظمهم غير مسجَّلين لدى المفوضية، ربما خوفًا من أن تصل إلى العراق معلومات عن مكان تواجدهم لاعتبارات أمنية.
العراقي في سوريا
بعد أن كان العراقي يعيش شريفًا في بلده، صار يستجدي لقمة العيش، حيث أنّ الكثير من الفضائيات والمنظمات الإنسانية تناولت حالة العراقي في سوريا وغير سوريا ومحنة لجوء العراقي، ووفقًا لمسح أجرته مؤسسة "إبسوس" للأبحاث، أفاد 37% من اللاجئين العراقيين الذين تم استجوابهم أن مدخراتهم تشكّل المصدر الرئيسي للدخل بالنسبة لهم، في حين أفاد 24% أنهم يعتمدون على التحويلات و24% على الأجور التي يتقاضونها، كما أفاد 33% ممن شملهم المسح أنهم يتوقعون ألا تدوم أموالهم أكثر من ثلاثة أشهر، في حين لا يدري 53% كم ستدوم مدخراتُهم، وبعد أن تنتهي تلك المدخرات لا يعلم بعد ذلك ما مصيره وعائلته، وقد يُرغم على العودة لبلده، مما يضطر القسم الأكبر منهم على تحمُّل شظف العيش على العودة إلى العراق، أما ما قيل عن العودة الطوعية للعراق فهذه العودة لم تتجاوز 300 أسرة فقط.
المرأة العراقية في سوريا
فإذا كان الحال هكذا للرجل العراقي الذي صار غير قادر على إعالة أسرته، فما بالك بالمرأة العراقية مع وجود شريحة كبيرة من الأرامل العراقيات في سوريا؟!
هذه الشريحة من الأرامل اللاتي يعُلن أسرة وجدت نفسها ملتزمة بدفع إيجارات، إضافة إلى مصاريف كهرباء وماء وخدمات ومعيشة ومصاريف دراسة، والمشكلة تتضاعف عندما يكون في الأسرة مريض أو معوّق، فهذا يشكل عبئًا كبيرًا عليهن فصرن يتكففن العيش، ومع ذلك لم تسلم تلك المرأة – رغم كل ما تعاني – من الهجوم عليها والتشكيك في سلوكها وأخلاقها، حيث أن بعض الدول العربية – إلا قليل منها – لم تقدم أية مساعدة للعراقيين اللاجئين، بل وصل الأمر إلى تشويه صورة المرأة العراقية اللاجئة من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وأن نسبة منهن كنَّ يمتهنَّ هذه المهنة في العراق ونقلنها بعد ذلك إلى سوريا وغير سوريا! في الوقت الذي لا تشير تلك الوسائل إلى الإمكانات المادية العربية التي تُهدَر هنا وهناك، ولا يُذكر فيها أبناء العمومة ومَن يربطهم بهم روابط الدين والدم والعروبة من إخوانهم العراقيين ولو بالشيء اليسير!!
ولعلي أرجع وأتساءل مرة أخرى، لو أن أي بلد في العالم – وليس في العالم العربي وحده – حدث به ما حدث في العراق ماذا يحل بأبنائه من كل الفئات؟! ولو افترضنا أن هذا واقع بالفعل – وإن كنت لا ألتمس عذرًا هنا لمن يسلكن الطريق إلى الحرام، فهذا حرام في ديننا، إضافةً إلى أن الحرة تموت ولا تأكل بثدييها – فإن صلات العروبة – ناهيك عن صلة الدين – تحتّم معالجة هذا الأمر والبحث عن سبل رفع مستوى المعيشة لأولئك النساء حتى لا يلجأن لذلك، ولكني أجدني مضطرةً إلى القول بأن العراقي اليوم – وخاصة المتواجد بسوريا – يشعر بخيبة الأمل تجاه إخوانه في الإسلام والعروبة، بعد أن كانت أبواب بلده مشرعةً أمام القاصي والداني من كل مكان.
"حلم" اللجوء إلى أوروبا
لقد صار همّ العراقي ومنهم النساء المتواجدات بسوريا مع عوائلهن هو الحصول على فرصة إعادة التوطين في بلد أوروبي بعد أن أوصدت الدول العربية أبوابها بأقفال محكمة تجاه العراقي، وفي هذا الصدد يقول بل فريلك (مدير سياسات اللاجئين في منظمة هيومان رايتس ووتش): "هناك الكثير المعوقات التي تفرضها الدول المجاورة للعراق لمنع دخول العراقيين إليها، من السعودية، إلى الكويت، ومصر، جميعها تفرض إجراءات تقييد على العراقيين الذين يسعون لدخولها، وتصعيب ملحوظ في الاستجابة بين الدول المجاورة لدخول العراقيين، علمًا بأن نسبة العراقيين السنة المتواجدين بسوريا 80%.
حتى إن فرص التوطين أيضًا هي إمكانية صعبة كما أوضحت فرح دخل الله (الناطقة باسم المفوضية السامية لشئون اللاجئين في دمشق): "لا يتم عرض فرصة إعادة التوطين سوى على نسبة قليلة من اللاجئين، حيث يتم تقديم طلبات أقل من 10% من العدد الإجمالي، ولا يتمكن من السفر فعلًا إلا عدد قليل من هذه النسبة"، مشيرةً إلى أن "معايير الاختيار تعتمد على مدى تعرّض الحالة للضرر ومدى حاجتها للسفر، ويكمن دورنا في تحديد الأشخاص الأكثر عرضةً للضرر والأمسّ حاجةً لإعادة التوطين ثم التعامل مع السفارات المختصة، غير أن القرار النهائي يبقى للدول نفسها".
ويبقى العراقي في حيرة من أمره؛ لا يدري أيبقى، رغم استنزاف مدخراته بعد أن طال مكوثه لسنوات أنفق فيها كل ما يملك؟ أم يعود إلى بلده الذي يراه غير آمن؟، حسب قول فرح دخل الله: "إن العديد من اللاجئين على اتصال مع أُسرهم وأصدقائهم في العراق، وقد علموا بالأوضاع هناك وقرَّروا أنها غير آمنة بما يكفي للعودة، كما أن المفوضية ذاتها لا تعتبر الأوضاع آمنةً بما يكفي لعودة كريمة لعدد كبير من اللاجئين العراقيين".
الأحد 12 ربيع الثاني 1431 هـ - الموافق 28 مارس 2010 م
م
مآآآآآآجده
خرج الكثير من العراقيين يحملون ما بقي لهم من أموال بعد أن سُرقت أموالهم ونُهبت ممتلكاتهم، إثر حالة الفوضى التي صاحبت بداية الاحتلال، مما حدا بالكثير من أبناء العراق – الكثير منهم سُنَّة - إلى ترك بلدهم مرغمين لاجئين إلى دول الجوار، وخاصةً سوريا التي تحملت العبء الأكبر، رغم ما تعانيه من أزمات اقتصادية ونسب كبيرة من البطالة قد تصل إلى المليون و200 ألف عاطل عن العمل، إلا أنها احتوت ما يقارب المليون ونصف المليون عراقي، و تسجِّل الإحصاءات الرسمية في مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في دمشق وجود 220 ألف عائلة عراقية، إلا أن النسبة أكثر من ذلك بكثير؛ لأن معظمهم غير مسجَّلين لدى المفوضية، ربما خوفًا من أن تصل إلى العراق معلومات عن مكان تواجدهم لاعتبارات أمنية.
العراقي في سوريا
بعد أن كان العراقي يعيش شريفًا في بلده، صار يستجدي لقمة العيش، حيث أنّ الكثير من الفضائيات والمنظمات الإنسانية تناولت حالة العراقي في سوريا وغير سوريا ومحنة لجوء العراقي، ووفقًا لمسح أجرته مؤسسة "إبسوس" للأبحاث، أفاد 37% من اللاجئين العراقيين الذين تم استجوابهم أن مدخراتهم تشكّل المصدر الرئيسي للدخل بالنسبة لهم، في حين أفاد 24% أنهم يعتمدون على التحويلات و24% على الأجور التي يتقاضونها، كما أفاد 33% ممن شملهم المسح أنهم يتوقعون ألا تدوم أموالهم أكثر من ثلاثة أشهر، في حين لا يدري 53% كم ستدوم مدخراتُهم، وبعد أن تنتهي تلك المدخرات لا يعلم بعد ذلك ما مصيره وعائلته، وقد يُرغم على العودة لبلده، مما يضطر القسم الأكبر منهم على تحمُّل شظف العيش على العودة إلى العراق، أما ما قيل عن العودة الطوعية للعراق فهذه العودة لم تتجاوز 300 أسرة فقط.
المرأة العراقية في سوريا
فإذا كان الحال هكذا للرجل العراقي الذي صار غير قادر على إعالة أسرته، فما بالك بالمرأة العراقية مع وجود شريحة كبيرة من الأرامل العراقيات في سوريا؟!
هذه الشريحة من الأرامل اللاتي يعُلن أسرة وجدت نفسها ملتزمة بدفع إيجارات، إضافة إلى مصاريف كهرباء وماء وخدمات ومعيشة ومصاريف دراسة، والمشكلة تتضاعف عندما يكون في الأسرة مريض أو معوّق، فهذا يشكل عبئًا كبيرًا عليهن فصرن يتكففن العيش، ومع ذلك لم تسلم تلك المرأة – رغم كل ما تعاني – من الهجوم عليها والتشكيك في سلوكها وأخلاقها، حيث أن بعض الدول العربية – إلا قليل منها – لم تقدم أية مساعدة للعراقيين اللاجئين، بل وصل الأمر إلى تشويه صورة المرأة العراقية اللاجئة من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وأن نسبة منهن كنَّ يمتهنَّ هذه المهنة في العراق ونقلنها بعد ذلك إلى سوريا وغير سوريا! في الوقت الذي لا تشير تلك الوسائل إلى الإمكانات المادية العربية التي تُهدَر هنا وهناك، ولا يُذكر فيها أبناء العمومة ومَن يربطهم بهم روابط الدين والدم والعروبة من إخوانهم العراقيين ولو بالشيء اليسير!!
ولعلي أرجع وأتساءل مرة أخرى، لو أن أي بلد في العالم – وليس في العالم العربي وحده – حدث به ما حدث في العراق ماذا يحل بأبنائه من كل الفئات؟! ولو افترضنا أن هذا واقع بالفعل – وإن كنت لا ألتمس عذرًا هنا لمن يسلكن الطريق إلى الحرام، فهذا حرام في ديننا، إضافةً إلى أن الحرة تموت ولا تأكل بثدييها – فإن صلات العروبة – ناهيك عن صلة الدين – تحتّم معالجة هذا الأمر والبحث عن سبل رفع مستوى المعيشة لأولئك النساء حتى لا يلجأن لذلك، ولكني أجدني مضطرةً إلى القول بأن العراقي اليوم – وخاصة المتواجد بسوريا – يشعر بخيبة الأمل تجاه إخوانه في الإسلام والعروبة، بعد أن كانت أبواب بلده مشرعةً أمام القاصي والداني من كل مكان.
"حلم" اللجوء إلى أوروبا
لقد صار همّ العراقي ومنهم النساء المتواجدات بسوريا مع عوائلهن هو الحصول على فرصة إعادة التوطين في بلد أوروبي بعد أن أوصدت الدول العربية أبوابها بأقفال محكمة تجاه العراقي، وفي هذا الصدد يقول بل فريلك (مدير سياسات اللاجئين في منظمة هيومان رايتس ووتش): "هناك الكثير المعوقات التي تفرضها الدول المجاورة للعراق لمنع دخول العراقيين إليها، من السعودية، إلى الكويت، ومصر، جميعها تفرض إجراءات تقييد على العراقيين الذين يسعون لدخولها، وتصعيب ملحوظ في الاستجابة بين الدول المجاورة لدخول العراقيين، علمًا بأن نسبة العراقيين السنة المتواجدين بسوريا 80%.
حتى إن فرص التوطين أيضًا هي إمكانية صعبة كما أوضحت فرح دخل الله (الناطقة باسم المفوضية السامية لشئون اللاجئين في دمشق): "لا يتم عرض فرصة إعادة التوطين سوى على نسبة قليلة من اللاجئين، حيث يتم تقديم طلبات أقل من 10% من العدد الإجمالي، ولا يتمكن من السفر فعلًا إلا عدد قليل من هذه النسبة"، مشيرةً إلى أن "معايير الاختيار تعتمد على مدى تعرّض الحالة للضرر ومدى حاجتها للسفر، ويكمن دورنا في تحديد الأشخاص الأكثر عرضةً للضرر والأمسّ حاجةً لإعادة التوطين ثم التعامل مع السفارات المختصة، غير أن القرار النهائي يبقى للدول نفسها".
ويبقى العراقي في حيرة من أمره؛ لا يدري أيبقى، رغم استنزاف مدخراته بعد أن طال مكوثه لسنوات أنفق فيها كل ما يملك؟ أم يعود إلى بلده الذي يراه غير آمن؟، حسب قول فرح دخل الله: "إن العديد من اللاجئين على اتصال مع أُسرهم وأصدقائهم في العراق، وقد علموا بالأوضاع هناك وقرَّروا أنها غير آمنة بما يكفي للعودة، كما أن المفوضية ذاتها لا تعتبر الأوضاع آمنةً بما يكفي لعودة كريمة لعدد كبير من اللاجئين العراقيين".
الأحد 12 ربيع الثاني 1431 هـ - الموافق 28 مارس 2010 م
م
مآآآآآآجده