السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أمَّا
بعد:
فأرجو من سعادتكم أن يتسع صدركم لمشكلتي، واعذروني إنْ أطلت عليكم في
الحوار؛ لعلَّ كلماتكم تكون كالبلسم الشافي لي بإذن الله، جعلها الله في ميزان
حسناتكم.
أنا فتاة متزوجة من أربع سنوات من قريبي، وانتقلت
إلى البلد الذي يقيم به - بلد الغربة بالنسبة لي - حيث لا يوجد لي أحد غير أقاربه،
وعمتي بالطبع والدته، المشكلة في أن شيئًا بسيطًا يكون سببَ الخلاف بيني وبين
زَوجي.
وتبدأ المشادَّات الكلامية في البداية، ثم بردي
عليه بالطبع، ثم السب من جهته، ثم مد يده ليمسكني بعنف؛ مما يدعني إلى دفعه بقوة،
وهكذا حتى تنتهي بالضرب أربع مرات ضرب، ومرة واحدة طلاق؛ نظرًا للسب الذي وقع
بيننا.
المشكلة - يا سيدي - أنِّي بعد ذلك حاولت أن أغير
سياستي مع زوجي في أنِّي أتجنب المشاجرات الكلامية؛ لأني أعرف بما تنتهي، إلاَّ أني
لاحظت أنِّي أبكي لا شعوريًّا دائمًا بعد أي مشكلة بسيطة أو كبيرة أتناقش معه فيها،
فلا أرى منه ردًّا، بل بالعكس يتجنب الحوارَ معي، ويدير ظهره، ويقول: إنه لن يرد،
ويستغرق في نومه العميق؛ مما يَجعلني أبكي كثيرًا لمدة 6 ساعات مُتواصلة وهو نائم،
ونحيب بصوت عالٍ، حتى يأتي وتنتهي المشكلة، ولكن العكس، فهو يقوم وهو مُشتاط عضبًا
قائلاً: "لم تنامي؟ أريد أن أنام، لدي شغل".
وهكذا نفسيتي تعبت كثيرًا؛ بسبب المشاكل، وأخص التي
بسبب أهله؛ حيث إنَّ زوجي طبيعة عمله طوال اليوم منذ الصباح إلى 11 ليلاً.
وتخيل - يا سيدي - الغربة والوحدة، وعدم وجود
الأطفال، أنتظره على فارغ الصبر، فما أن يأتي زوجي ليلاً، حتى يُطرقَ الباب، ويكون
أخو زوجي هو الذي بالباب، يريد أخاه، فيجلس معه، ويتسامرا إلى أن ينتهيا، وأنا أبكي
بداخل غرفتي؛ لأنَّ أبسط حق من حقوقي مع زوجي - وهو رُؤيته - لا أحصل عليه.
والكثير من المشاكل بسبب هذا الأخ الأصغر الذي يبلغ
عمره 21 سنة.
مشكلة أخرى: في يوم إجازة زوجي - الجمعة هو الإجازة
الوحيدة لديه - أنا أنتظر الإجازة - يا سيدي - بفارغ الصبر؛ لكي أخرج لأتنزَّه أنا
وزوجي؛ نظرًا لعدم وجود أهلي في البلد، فأكون بأمسِّ الحاجة لشمِّ الهواء، فبعد
صلاة الظهر ينام، نعم ينام إلى صلاة العشاء بحجة الإرهاق، وأنه مُتعب، ومع ذلك لم
أفتعل مُشكلة، إلاَّ أن دق الجرس، فكان أخوه، فدخل، وقلت له: زوجي نائم، ولكنَّه
دخل للغرفة؛ لكي يوقظه من النوم 3 مرات يا سيدي، وفي كل مرة هو جالس بالخارج معه
وأنا بمفردي.
ذهب لزوجي وقال: أريد أن أذهب لشراء موبايل جديد -
وهو مرهق - إلى أن قام له بالفعل يوم إجازتنا؛ لكي يُرضي أخاه، ويتخلص من إلحاحه -
كما قال زوجي - وأنا ظللت في البيت أبكي؛ لأنه لم يقُم في إجازتي وهي حَقِّي، وقام
لأخيه؛ كي يحضر له (موبايل)، أهذا عدل يا سيدي؟!
وهكذا كل المشاكل تتمحور حول أخيه ومجيئه الدائم
المتكرر قبل أن يرتاح أخوه لمدة نصف ساعة على الأقل.
وكذلك أمه باستمرار مُتضايقة مني، وتتهمني بأني
مانعة زوجي عنهم، ويشهد الله على مدى توصيتي زوجي بأهله، ورجاء زوجي برفع السماعة؛
ليكلم والدته يوميًّا، وأيضًا مشاكل بسبب الموبايل، فلقد وجدت أكثر من مرة رسائل
مرسلة من (موبايله) إلى أرقام فتيات، رسائل غرامية، يقسم لي على القرآن أنَّها ليست
لي، بل أصدقائي يُرسلونها بحجة تليفون صديقة معطل، وهكذا تعبت كثيرًا، أرجو أن
تعذرني لإطالتي، لكن أرجو من الله، ثم من سعادتكم أن تضعوا لي نقاطًا في حل
مُشكلتي، وهل أنا السبب في كل ذلك كما يقول لي دائمًا؟ هل أنا أفتعل
المشاكل؟
الجواب
أختي العزيزة،
حياكِ الله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مشكلتكِ أشبه بكُرة من الصوف
الملون قد تلبَّدت خيوطُها وتشابكت مع بعضها البعض، فأرجو أن تركزي معي جيدًا؛
لأنني سأحلل لكِ هذه الخيوط خيطًا خيطًا، عسى الله أن يحلَّ كلَّ العُقَد الزوجية،
ويبارك لكن في أزواجكن وبيوتكن جميعًا.
الغضب في الحياة
الزوجية:
اعلمي - أختي الفاضلة -
أنَّ الغضبَ في الحياة الزوجيَّة أشبه بكارثة طبيعية، مثلها في ذلك مثل البَراكين
والزَّلازل والصَّواعق والأعاصير، فهل تَرَيْنَ من
الحكمة أن تقفي قرب صدوع الأرض وفوالقها وشقوقها، في مُحاولة منكِ لمنع التشقق عن
القشرة الأرضية؟! وهل من العقلانية في شيء أن
تقفي أمام البركان ساعة نشاطه؛ لتلتقطي الحمم المتقاذفة من فوهته؟!
هل من الشجاعة
والبسالة الوقوف أمام عين الإعصار؟! وهل
تواجَه الصواعق بملاحقتها؟!
قطعًا مثل هذه التصرفات ليست إلا ضربًا من الجنون،
وكذا من الجنون أيضًا مواجهة الزوج ساعة غضبه، يقول الشاعر الناصح:
فالتزمي الصَّمت، ولا تُحاولي لمسه أو الاقتراب
منه؛ بل امتلكي أعصابكِ، واجلسي بهدوء لإجباره لا شعوريًّا على الجلوس؛ امتثالاً
للتوجيه النبوي عند الغضب؛ عن أبي ذرٍّ قال: إنَّ رسول اللَّه - صلَّى الله عليه
وسلَّم - قال لنا: ((إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس، فإِن ذهب عنه الغضب وإلاَّ
فليضطجع))؛ رواه أبو داود.
ثم أحضري له كوبَ ماء وانصرفي، وإذا ناداكِ فأجيبيه
بلغة عاطفية، وبالاسم الذي يُحبه، فإن استبقاكِ فابقي معه، لكن لا تتناقشي ولا
تتعاتبي حتى تتأكدي تمامًا من قابليته للإصغاء إليكِ.
مفتاح سحري مهم لتهدئة الزَّوج الغاضب يكمُن في
الاعتراف له بأنه على حق، وإن لم يكن على حق.
همسة: لا
تعاقبي رفضه لكِ بالرفض الجنسي، فإنكِ قبل أن تغضبيه بهذه الطريقة تُغضبي
ربَّكِ.
اختلاف الرجال عن
النساء في التعامُل مع المشكلات:
نقطة مهمة يجب أن تعرفيها، تتمثل في
اختلاف تعامل الرجل عن المرأة عند حدوث المشكلات والضغوط النفسية، فالرجل يَميل إلى
الانزواء والانسحاب والبُعد والصمت عند حدوث المشكلة، وربَّما يلجأ إلى النوم هربًا
منها، بينما تُحب المرأة الحديث والتعبير عن كل ما يُضايقها، هذا الاختلاف هو الذي
تلمسينه من زوجكِ حين تقولين: "لاحظت أني أبكي لا شعوريًّا دائمًا بعد أي مشكلة
بسيطة أو كبيرة، أتناقش معه فيها فلا أرى منه ردًّا، بل بالعكس يتجنَّب الحوار معي
ويدير ظهره، ويقول: إنَّه لن يرد، ويستغرق في نومه العميق".
صدِّقيني هذا هو تصرف أكثر الرجال، وليس زوجكِ
فحسب، وأمامكِ هنا خياران: إما أن تتقبلي الأمر، وتعرفي أنَّ هذه هي طريقة أكثر
الرجال - إن لم يكن كل الرجال - عند حدوث المشكلات، أو أن تتفقي مع زوجكِ على صيغة
مُعينة تطبقانِها معًا عند حدوث أي مشكلة، وذلك بالاتِّفاق سويًّا على تجنُّب الغضب
في وقت واحد، فإذا غضب أحدُكما، فليتوقف الآخر عن غضبه، ويتحمَّل الطرف الغاضب
ويستجيب له بما يريحه، فإذا كان زوجكِ هو الغاضب فاتركيه وشأنه، أمَّا إذا كنتِ أنت
الغاضبة، فيجلس هو معكِ، ويُصغي إلى "فضفضتك".
اتَّفِقا على ذلك وإلاَّ فاقبلي بالأمر الواقع،
وصبِّري نفسكِ بأن كل الرجال يتصرفون هكذا، وأنا أتفق معكِ على أن تصرف الرجال على
هذا النحو يثير الغيظَ حقًّا.
أسباب سرعة الاستثارة
والاستسلام للغضب:
ملاحظتكِ عن نفسكِ بخصوص تأثُّرك السريع والبكاء لها
أسبابٌ كثيرة، إنَّما أنصحكِ بمراقبة نفسكِ وانفعالاتكِ قبيل الدَّورة الشهرية
بعشرة أيام، فهذا هو مَوعد الضيق والكآبة مع 70% من نساء العالم، فيما يعرف طبيًّا بـ"متلازمة ما
قبل الطَّمث"، وأنا أوجه رجاءً خاصًّا لكل الأزواج عبر استشارتكِ بضرورة مُراعاة
زوجاتِهم خلال هذه الفترة.
تستطيع المرأة مراعاة نفسها أيام الدَّورة الشهرية،
لكنها - ولأسباب هرمونية خارجة عن إرادتها - يصعب عليها التحكُّم والسيطرة على
تصرفاتِها ومزاجها قبيل الطَّمث بأسبوع، فإنْ لم يكن لدى أحد الأزواج القُدرة على
الصبر والتعاطي بوُد مع زوجته إلاَّ أسبوعًا واحدًا من كل شهر، فليكن هذا الأسبوع
هو الأسبوع الذي يسبق الطمث.
من أكثر العلاجات
فائدة للتخفيف من أعراض متلازمة الطمث: الانتظام على تناول كبسولات زيت زهرة
الربيع Evening primrose Oil،
شريطة ألاَّ يكون لديكِ نوبات صرعية أو فصام، أو ترغبين في الحمل، كما يمنع
استعماله للنِّساء المصابات بسرطان الثَّدي، ونظرًا لاحتوائه على أحماض دهنية، فقد
يزيد من ظهور الحبوب الدهنية لذوات البشرات الدهنية، في هذه الحالة يفضل دهن
الثَّدي بالزيت، بدلاً من تناوله عن طريق الفم.
هذه المعلومة بخصوص مُتلازمة ما قبل الطَّمث،
أتَمنَّى من كل الزوجات إخبار أزواجهن بها؛ إذ من أين للزوج معرفة هذه الأمور إن لم
تُخبره زوجته بذلك؟! رجاء أخبري زوجَكِ بمعاناة تلك الأيام؛ ليُقدِّر وضعكِ النفسي
والجسدي، ويلتمس لكِ العذر، فالملاحظ أن كثيرًا من حالات الطلاق تحدث خلال تلك
الأيام الصَّعبة التي لا يُجدي بعدها التحسُّر والندم.
همسة: توقفي
عن البكاء والنَّحيب، فهذه تصرُّفات طفولية، ومن الواضح أنَّ الدموع لا تُؤثر في
زوجكِ، فهل من الحكمة أن تستعملي سلاحًا مثلومًا في
الحروب؟!
تأخُّركِ في الحمل والذي لم تذكري له سببًا يلعب
دورًا كبيرًا في حالة الاستنفار التي تعيشينها مع زوجكِ، وسواء كان تأخُّر الحمل
لأسباب تعود إليكِ أو لأسباب تعود إلى زوجكِ، أو لأن الله - تعالى - أراد ذلك لحكمة
خفية دون وجود أي عِلَّة فيكما، فلا بد من الحديث حول الموضوع مع زوجكِ، والتنفيس
الانفعالي بصورة تُريحكما معًا، بدلاً من الانفجارات العشوائية، واختلاق أسباب غير
حقيقية للمشكلات.
أحب العلاقة الزوجيَّة القائمة على الشفافية
والمصارحة والموَدَّة والرحمة والصَّبْر، لو كنتِ متضايقة من موضوع الحمل، لا تلجئي
بعد الله إلاَّ إلى حِضْنِ زوجكِ، وابكي بين يديه؛ حتى تتخلَّصي من كل الشحنات
السلبيَّة، أخبريه أنَّ وجودَه في حياتكِ يُغنيكِ عن كل أطفال الدُّنيا، لكنَّ
الحاجة إلى التفريغ الانفعالي مطلبٌ ضروري للمرأة، وأنَّ الأمر يُريحكِ جدًّا حين
تشعرين بمساندته.
طبعًا لا أنسى العمل بالأسباب والذَّهاب إلى
الطبيبة، واللجوء إلى الله، والإكثار من دُعاء النبي زكريا - عليه السَّلام -: ﴿
رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ
الْوَارِثِينَ ﴾ [الأنبياء: 89]، عسى الله أن يرزقكِ وزوجكِ الذرية الصالحة
المصلحة.
أهل
الزوج:
يبدو أن زوجكِ من النوع العملي المرتبط كثيرًا بأهله؛ لهذا لا
تضعي نفسَكِ في مقارنة معهم؛ لأنَّها مُقارنة غير عادلة وغير ناضجة، لكن الوَلاء
للأهل يفترض ألاَّ يتجاوز الحدود الخصوصية، بيت الزوجيَّة؛ لهذا اجلسي مع زوجكِ
جلسة خاصَّة ووُدية وهادئة؛ لترسيم حدود العَلاقة بينكِ وبين أهله تتضمن النقاط
التالية:
• نَهي النبي
- صلَّى الله عليه وسلَّم - عن دخول الحمو - والحمو أخو الزوج - على زوجة أخيه؛ فعن
عقبة بن عامر: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إيَّاكم
والدُّخولَ على النساء))، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال:
((الحمو الموت))؛ متفق عليه، ولهذا يفترض بأخيه الصغير احترام حُرمة البيت ووجودكِ
فيه؛ ﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ
أَزْكَى لَكُمْ ﴾ [النور: 28].
• غرفة النوم
خط أحمر ليس من حقِّ أي شخص - كائنًا مَن كان - أنْ يتجاوزه، وتبقى الحرية لكِ في
السماح لمن تأذنين له بالدُّخول.
• يوم الجمعة
من كل أسبوع هو من حقكِ بالكامل؛ كونه اليوم الوحيد الذي يكون فيه زوجكِ متفرغًا
لكِ بكليته، على أن تكون له مُطلق الحرية في تخصيص أي يوم من أيام الأسبوع عدا
الجمعة لزيارة أهله ومُراعاة أمورهم.
بخصوص والدة زوجكِ، فحقُّها مُقدم على حقكِ عزيزتي،
وحق زوجكِ مقدم على حق والديكِ؛ لهذا راعي حقَّ الله فيها، وعامليها بالحُسنى،
وزوريها مع زوجكِ، واسألي عنها في غيابه وبادريها بالسؤال والهدايا، ولا تنتظري
منها جزاءً ولا شكورًا، واعلمي أن ما تقدمينه من خير مسجل في كتاب عند رب العباد؛ ﴿
إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ
عَمَلاً ﴾ [الكهف: 30]، وسواء رضيت هي عنكِ أم لم ترضَ، فرضاها ليس هو
المهم، بل رضا ربِّ العالمين، ونحن لولا الله ما تحملنا بعضنا البعض.
رسائل
الجوال:
الغراميات التي تجدينها في جوال زوجكِ هي جرعات مُسمَّمة قاتلة
للثِّقة بين الزَّوجين، ومسألة مزعجة بحق وجارحة جدًّا جدًّا، لكن اشتري راحةَ
بالكِ، ولا تُفتشي جَوَّالَه إلا في وجوده ساعةَ مرح ومودة، وتَوقَّفي عن مُواجهته
بتلك الرسائل؛ لأنه لن يصدق معكِ، ومع ذلك صَدِّقي ادعاءاته، فربَّما كان صادقًا
بحق، ولا تَجعلي للشيطان الرجيم طريقًا فسيحًا لإفساد حياتكِ، فالشيطان لا يهدأ حتى
يتم الطلاق بين الزوجين، وقد نجح حقيقةً في إخراج الطلقة الأولى من فوهة الغضب؛ عن
جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إنَّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة،
يَجيء أحدُهم، فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، قال: ثم يَجيء أحدُهم،
فيقول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين امرأته، قال: فيُدنيه منه، ويقول: نعم أنت))،
قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه؛ رواه مسلم وأحمد.
أعيدي بناء ثِقَتكِ بزوجكِ واتركيه لضميره، فعقاب
الضمير أشدُّ من عقابكِ له، وعقاب رب العالمين أشد وأشد.
استثمري فرصة غيابه المطول عن البيت بإرسال رسائل
قصيرة SMS على جواله، فأنتِ
إن لم تكوني العشيقة الأولى في حياته، فالأكيد أنكِ الأخيرة، وزواجه منكِ هو بُرهان
ذلك، فحافظي على اللغة العاطفيَّة ما استطعتِ إلى ذلك سبيلاً.
نصيحتي لكِ
وله:
تذكري - يا عزيزتي - أنَّكِ
امرأة متزوجة، وما كان مسموحًا لكِ في بيت أهلكِ، ما عاد مسموحًا الآن في بيت
زوجكِ، والعكس صحيح، ثم ما تفرطين به وأنتِ عزَبة وما ترتكبينه من أخطاء يُمكن أن
يُغفَر لكِ، أما وقد تزوجتِ فلا، تذكَّري ذلك جيدًا.
لقد أخطأتِ في حياتكِ الزوجيَّة، وأخطأَ زوجُكِ
كذلك حين عالج المشكلات بالضرب والإهانة واللامبالاة والتفريط في الحقوق الزوجية،
علمًا بأن ضرب المرأة وإهانتها ليس من الرُّجولة في شيء، وقد أخبر المصطفى - صلى
الله عله وسلم - أنَّ من يفعل ذلك، فليس من خيار الناس، فليتنبه الرِّجال لمقياس
الخير هذا، فالأمر جد خطير؛ ((إنه قد طاف بأبيات آل مُحمد نساء كثير كلهن يشتكين
أزواجهن، أولئك ليسوا بخياركم))؛ أخرجه النسائي.
وعن عبدالله بن زمعة، عن النبي - صلَّى الله عليه
وسلَّم - قال: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يُجامعها في آخر اليوم))؛ رواه
البخاري.
لقد أمر الله - تعالى - بمعاشرة النِّساء بالمعروف؛
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء:
19]، وليس من المعروف ما يفعله الأزواج من ضرب وإهانة وإيذاء وخيانة لزوجاتهم في
وَضَح النَّهار.
عزيزتي، أعرف
أنكِ مجروحة من الأعماق، وأن الألم الذي تشعرين به ما عاد يطاق، لكن هذا الرجل هو
اختياركِ، وحياة الغربة تَمَّت بموافقتكِ، وما كرهته في حياتكِ هو خير لكِ إن شاء
الله؛ ﴿ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ
اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].
لكن لابد من جلسات المصارحة والمكاشفة مع بعضكما
البعض، فالجراحات بينكما أراها تتسع ولا يُمكن مداواتها بغير المودة والرحمة التي
هي أساس أيِّ علاقة زوجية ناجحة، أما اللغة الانفعالية والصراخ والبكاء، فلا تعمل
إطلاقًا على إصلاح ما انهدم.
ختامًا:
قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ
فِرْعَوْنَ ﴾ [التحريم: 11]، لكِ أن تُفكري كيف استطاعت هذه المرأة العظيمة
أن تعايش رجلاً بجبروت فرعون؟! كانت امرأة عظيمة، وتزوجت من رجل يدَّعي العظمة؛ ﴿
وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ
وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴾
[غافر: 37]، ومع ذلك استطاعت هذا المرأة بعاطفتها وأنوثتها وجمالها وحنانِها أن
تكسر هذا الجبروت، وترغمه على كسر قواعده، وجعل قصر فرعون مكانًا آمنًا لتربية
(موسى)؛ ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ
عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ
وَلَدًا ﴾ [القصص: 9].
كان موسى ينعم في قصر فرعون في الوقت الذي كان يذبح
فيه فرعون بقيةَ أبناء بني إسرائيل في تلك السنة؛ ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا
شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي
نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4]، فأنَّى لها
ذلك؟! لم يكن ذلك سحرًا، ولكنها كانت أنثى حقيقية، هذا هو السحر.
وصدِّقيني كانت آسية ستنجح في إكمال بقية حياتها مع
فرعون لولا أنَّها آمنت بالله ربًّا، بينما استعلى فرعون على ربِّه؛ ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات:
24].
دُمتِ بألف خير، ولا تنسيني من صالح
دعائكِ.
آعائشة الحكمى
مآآآآآآجى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أمَّا
بعد:
فأرجو من سعادتكم أن يتسع صدركم لمشكلتي، واعذروني إنْ أطلت عليكم في
الحوار؛ لعلَّ كلماتكم تكون كالبلسم الشافي لي بإذن الله، جعلها الله في ميزان
حسناتكم.
أنا فتاة متزوجة من أربع سنوات من قريبي، وانتقلت
إلى البلد الذي يقيم به - بلد الغربة بالنسبة لي - حيث لا يوجد لي أحد غير أقاربه،
وعمتي بالطبع والدته، المشكلة في أن شيئًا بسيطًا يكون سببَ الخلاف بيني وبين
زَوجي.
وتبدأ المشادَّات الكلامية في البداية، ثم بردي
عليه بالطبع، ثم السب من جهته، ثم مد يده ليمسكني بعنف؛ مما يدعني إلى دفعه بقوة،
وهكذا حتى تنتهي بالضرب أربع مرات ضرب، ومرة واحدة طلاق؛ نظرًا للسب الذي وقع
بيننا.
المشكلة - يا سيدي - أنِّي بعد ذلك حاولت أن أغير
سياستي مع زوجي في أنِّي أتجنب المشاجرات الكلامية؛ لأني أعرف بما تنتهي، إلاَّ أني
لاحظت أنِّي أبكي لا شعوريًّا دائمًا بعد أي مشكلة بسيطة أو كبيرة أتناقش معه فيها،
فلا أرى منه ردًّا، بل بالعكس يتجنب الحوارَ معي، ويدير ظهره، ويقول: إنه لن يرد،
ويستغرق في نومه العميق؛ مما يَجعلني أبكي كثيرًا لمدة 6 ساعات مُتواصلة وهو نائم،
ونحيب بصوت عالٍ، حتى يأتي وتنتهي المشكلة، ولكن العكس، فهو يقوم وهو مُشتاط عضبًا
قائلاً: "لم تنامي؟ أريد أن أنام، لدي شغل".
وهكذا نفسيتي تعبت كثيرًا؛ بسبب المشاكل، وأخص التي
بسبب أهله؛ حيث إنَّ زوجي طبيعة عمله طوال اليوم منذ الصباح إلى 11 ليلاً.
وتخيل - يا سيدي - الغربة والوحدة، وعدم وجود
الأطفال، أنتظره على فارغ الصبر، فما أن يأتي زوجي ليلاً، حتى يُطرقَ الباب، ويكون
أخو زوجي هو الذي بالباب، يريد أخاه، فيجلس معه، ويتسامرا إلى أن ينتهيا، وأنا أبكي
بداخل غرفتي؛ لأنَّ أبسط حق من حقوقي مع زوجي - وهو رُؤيته - لا أحصل عليه.
والكثير من المشاكل بسبب هذا الأخ الأصغر الذي يبلغ
عمره 21 سنة.
مشكلة أخرى: في يوم إجازة زوجي - الجمعة هو الإجازة
الوحيدة لديه - أنا أنتظر الإجازة - يا سيدي - بفارغ الصبر؛ لكي أخرج لأتنزَّه أنا
وزوجي؛ نظرًا لعدم وجود أهلي في البلد، فأكون بأمسِّ الحاجة لشمِّ الهواء، فبعد
صلاة الظهر ينام، نعم ينام إلى صلاة العشاء بحجة الإرهاق، وأنه مُتعب، ومع ذلك لم
أفتعل مُشكلة، إلاَّ أن دق الجرس، فكان أخوه، فدخل، وقلت له: زوجي نائم، ولكنَّه
دخل للغرفة؛ لكي يوقظه من النوم 3 مرات يا سيدي، وفي كل مرة هو جالس بالخارج معه
وأنا بمفردي.
ذهب لزوجي وقال: أريد أن أذهب لشراء موبايل جديد -
وهو مرهق - إلى أن قام له بالفعل يوم إجازتنا؛ لكي يُرضي أخاه، ويتخلص من إلحاحه -
كما قال زوجي - وأنا ظللت في البيت أبكي؛ لأنه لم يقُم في إجازتي وهي حَقِّي، وقام
لأخيه؛ كي يحضر له (موبايل)، أهذا عدل يا سيدي؟!
وهكذا كل المشاكل تتمحور حول أخيه ومجيئه الدائم
المتكرر قبل أن يرتاح أخوه لمدة نصف ساعة على الأقل.
وكذلك أمه باستمرار مُتضايقة مني، وتتهمني بأني
مانعة زوجي عنهم، ويشهد الله على مدى توصيتي زوجي بأهله، ورجاء زوجي برفع السماعة؛
ليكلم والدته يوميًّا، وأيضًا مشاكل بسبب الموبايل، فلقد وجدت أكثر من مرة رسائل
مرسلة من (موبايله) إلى أرقام فتيات، رسائل غرامية، يقسم لي على القرآن أنَّها ليست
لي، بل أصدقائي يُرسلونها بحجة تليفون صديقة معطل، وهكذا تعبت كثيرًا، أرجو أن
تعذرني لإطالتي، لكن أرجو من الله، ثم من سعادتكم أن تضعوا لي نقاطًا في حل
مُشكلتي، وهل أنا السبب في كل ذلك كما يقول لي دائمًا؟ هل أنا أفتعل
المشاكل؟
الجواب
أختي العزيزة،
حياكِ الله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مشكلتكِ أشبه بكُرة من الصوف
الملون قد تلبَّدت خيوطُها وتشابكت مع بعضها البعض، فأرجو أن تركزي معي جيدًا؛
لأنني سأحلل لكِ هذه الخيوط خيطًا خيطًا، عسى الله أن يحلَّ كلَّ العُقَد الزوجية،
ويبارك لكن في أزواجكن وبيوتكن جميعًا.
الغضب في الحياة
الزوجية:
اعلمي - أختي الفاضلة -
أنَّ الغضبَ في الحياة الزوجيَّة أشبه بكارثة طبيعية، مثلها في ذلك مثل البَراكين
والزَّلازل والصَّواعق والأعاصير، فهل تَرَيْنَ من
الحكمة أن تقفي قرب صدوع الأرض وفوالقها وشقوقها، في مُحاولة منكِ لمنع التشقق عن
القشرة الأرضية؟! وهل من العقلانية في شيء أن
تقفي أمام البركان ساعة نشاطه؛ لتلتقطي الحمم المتقاذفة من فوهته؟!
هل من الشجاعة
والبسالة الوقوف أمام عين الإعصار؟! وهل
تواجَه الصواعق بملاحقتها؟!
قطعًا مثل هذه التصرفات ليست إلا ضربًا من الجنون،
وكذا من الجنون أيضًا مواجهة الزوج ساعة غضبه، يقول الشاعر الناصح:
خُذِي الْعَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي وَلاَ تَنْطِقِي فِي سَوْرَتِي حِينَ أَغْضَبُ فَإِنِّي رَأَيْتُ الْحُبَّ فِي الْقَلْبِ وَالْأَذَى إِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَلْبَثِ الْحُبُّ يَذْهَبُ |
فالتزمي الصَّمت، ولا تُحاولي لمسه أو الاقتراب
منه؛ بل امتلكي أعصابكِ، واجلسي بهدوء لإجباره لا شعوريًّا على الجلوس؛ امتثالاً
للتوجيه النبوي عند الغضب؛ عن أبي ذرٍّ قال: إنَّ رسول اللَّه - صلَّى الله عليه
وسلَّم - قال لنا: ((إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس، فإِن ذهب عنه الغضب وإلاَّ
فليضطجع))؛ رواه أبو داود.
ثم أحضري له كوبَ ماء وانصرفي، وإذا ناداكِ فأجيبيه
بلغة عاطفية، وبالاسم الذي يُحبه، فإن استبقاكِ فابقي معه، لكن لا تتناقشي ولا
تتعاتبي حتى تتأكدي تمامًا من قابليته للإصغاء إليكِ.
مفتاح سحري مهم لتهدئة الزَّوج الغاضب يكمُن في
الاعتراف له بأنه على حق، وإن لم يكن على حق.
همسة: لا
تعاقبي رفضه لكِ بالرفض الجنسي، فإنكِ قبل أن تغضبيه بهذه الطريقة تُغضبي
ربَّكِ.
اختلاف الرجال عن
النساء في التعامُل مع المشكلات:
نقطة مهمة يجب أن تعرفيها، تتمثل في
اختلاف تعامل الرجل عن المرأة عند حدوث المشكلات والضغوط النفسية، فالرجل يَميل إلى
الانزواء والانسحاب والبُعد والصمت عند حدوث المشكلة، وربَّما يلجأ إلى النوم هربًا
منها، بينما تُحب المرأة الحديث والتعبير عن كل ما يُضايقها، هذا الاختلاف هو الذي
تلمسينه من زوجكِ حين تقولين: "لاحظت أني أبكي لا شعوريًّا دائمًا بعد أي مشكلة
بسيطة أو كبيرة، أتناقش معه فيها فلا أرى منه ردًّا، بل بالعكس يتجنَّب الحوار معي
ويدير ظهره، ويقول: إنَّه لن يرد، ويستغرق في نومه العميق".
صدِّقيني هذا هو تصرف أكثر الرجال، وليس زوجكِ
فحسب، وأمامكِ هنا خياران: إما أن تتقبلي الأمر، وتعرفي أنَّ هذه هي طريقة أكثر
الرجال - إن لم يكن كل الرجال - عند حدوث المشكلات، أو أن تتفقي مع زوجكِ على صيغة
مُعينة تطبقانِها معًا عند حدوث أي مشكلة، وذلك بالاتِّفاق سويًّا على تجنُّب الغضب
في وقت واحد، فإذا غضب أحدُكما، فليتوقف الآخر عن غضبه، ويتحمَّل الطرف الغاضب
ويستجيب له بما يريحه، فإذا كان زوجكِ هو الغاضب فاتركيه وشأنه، أمَّا إذا كنتِ أنت
الغاضبة، فيجلس هو معكِ، ويُصغي إلى "فضفضتك".
اتَّفِقا على ذلك وإلاَّ فاقبلي بالأمر الواقع،
وصبِّري نفسكِ بأن كل الرجال يتصرفون هكذا، وأنا أتفق معكِ على أن تصرف الرجال على
هذا النحو يثير الغيظَ حقًّا.
أسباب سرعة الاستثارة
والاستسلام للغضب:
ملاحظتكِ عن نفسكِ بخصوص تأثُّرك السريع والبكاء لها
أسبابٌ كثيرة، إنَّما أنصحكِ بمراقبة نفسكِ وانفعالاتكِ قبيل الدَّورة الشهرية
بعشرة أيام، فهذا هو مَوعد الضيق والكآبة مع 70% من نساء العالم، فيما يعرف طبيًّا بـ"متلازمة ما
قبل الطَّمث"، وأنا أوجه رجاءً خاصًّا لكل الأزواج عبر استشارتكِ بضرورة مُراعاة
زوجاتِهم خلال هذه الفترة.
تستطيع المرأة مراعاة نفسها أيام الدَّورة الشهرية،
لكنها - ولأسباب هرمونية خارجة عن إرادتها - يصعب عليها التحكُّم والسيطرة على
تصرفاتِها ومزاجها قبيل الطَّمث بأسبوع، فإنْ لم يكن لدى أحد الأزواج القُدرة على
الصبر والتعاطي بوُد مع زوجته إلاَّ أسبوعًا واحدًا من كل شهر، فليكن هذا الأسبوع
هو الأسبوع الذي يسبق الطمث.
من أكثر العلاجات
فائدة للتخفيف من أعراض متلازمة الطمث: الانتظام على تناول كبسولات زيت زهرة
الربيع Evening primrose Oil،
شريطة ألاَّ يكون لديكِ نوبات صرعية أو فصام، أو ترغبين في الحمل، كما يمنع
استعماله للنِّساء المصابات بسرطان الثَّدي، ونظرًا لاحتوائه على أحماض دهنية، فقد
يزيد من ظهور الحبوب الدهنية لذوات البشرات الدهنية، في هذه الحالة يفضل دهن
الثَّدي بالزيت، بدلاً من تناوله عن طريق الفم.
هذه المعلومة بخصوص مُتلازمة ما قبل الطَّمث،
أتَمنَّى من كل الزوجات إخبار أزواجهن بها؛ إذ من أين للزوج معرفة هذه الأمور إن لم
تُخبره زوجته بذلك؟! رجاء أخبري زوجَكِ بمعاناة تلك الأيام؛ ليُقدِّر وضعكِ النفسي
والجسدي، ويلتمس لكِ العذر، فالملاحظ أن كثيرًا من حالات الطلاق تحدث خلال تلك
الأيام الصَّعبة التي لا يُجدي بعدها التحسُّر والندم.
همسة: توقفي
عن البكاء والنَّحيب، فهذه تصرُّفات طفولية، ومن الواضح أنَّ الدموع لا تُؤثر في
زوجكِ، فهل من الحكمة أن تستعملي سلاحًا مثلومًا في
الحروب؟!
تأخُّركِ في الحمل والذي لم تذكري له سببًا يلعب
دورًا كبيرًا في حالة الاستنفار التي تعيشينها مع زوجكِ، وسواء كان تأخُّر الحمل
لأسباب تعود إليكِ أو لأسباب تعود إلى زوجكِ، أو لأن الله - تعالى - أراد ذلك لحكمة
خفية دون وجود أي عِلَّة فيكما، فلا بد من الحديث حول الموضوع مع زوجكِ، والتنفيس
الانفعالي بصورة تُريحكما معًا، بدلاً من الانفجارات العشوائية، واختلاق أسباب غير
حقيقية للمشكلات.
أحب العلاقة الزوجيَّة القائمة على الشفافية
والمصارحة والموَدَّة والرحمة والصَّبْر، لو كنتِ متضايقة من موضوع الحمل، لا تلجئي
بعد الله إلاَّ إلى حِضْنِ زوجكِ، وابكي بين يديه؛ حتى تتخلَّصي من كل الشحنات
السلبيَّة، أخبريه أنَّ وجودَه في حياتكِ يُغنيكِ عن كل أطفال الدُّنيا، لكنَّ
الحاجة إلى التفريغ الانفعالي مطلبٌ ضروري للمرأة، وأنَّ الأمر يُريحكِ جدًّا حين
تشعرين بمساندته.
طبعًا لا أنسى العمل بالأسباب والذَّهاب إلى
الطبيبة، واللجوء إلى الله، والإكثار من دُعاء النبي زكريا - عليه السَّلام -: ﴿
رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ
الْوَارِثِينَ ﴾ [الأنبياء: 89]، عسى الله أن يرزقكِ وزوجكِ الذرية الصالحة
المصلحة.
أهل
الزوج:
يبدو أن زوجكِ من النوع العملي المرتبط كثيرًا بأهله؛ لهذا لا
تضعي نفسَكِ في مقارنة معهم؛ لأنَّها مُقارنة غير عادلة وغير ناضجة، لكن الوَلاء
للأهل يفترض ألاَّ يتجاوز الحدود الخصوصية، بيت الزوجيَّة؛ لهذا اجلسي مع زوجكِ
جلسة خاصَّة ووُدية وهادئة؛ لترسيم حدود العَلاقة بينكِ وبين أهله تتضمن النقاط
التالية:
• نَهي النبي
- صلَّى الله عليه وسلَّم - عن دخول الحمو - والحمو أخو الزوج - على زوجة أخيه؛ فعن
عقبة بن عامر: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إيَّاكم
والدُّخولَ على النساء))، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال:
((الحمو الموت))؛ متفق عليه، ولهذا يفترض بأخيه الصغير احترام حُرمة البيت ووجودكِ
فيه؛ ﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ
أَزْكَى لَكُمْ ﴾ [النور: 28].
• غرفة النوم
خط أحمر ليس من حقِّ أي شخص - كائنًا مَن كان - أنْ يتجاوزه، وتبقى الحرية لكِ في
السماح لمن تأذنين له بالدُّخول.
• يوم الجمعة
من كل أسبوع هو من حقكِ بالكامل؛ كونه اليوم الوحيد الذي يكون فيه زوجكِ متفرغًا
لكِ بكليته، على أن تكون له مُطلق الحرية في تخصيص أي يوم من أيام الأسبوع عدا
الجمعة لزيارة أهله ومُراعاة أمورهم.
بخصوص والدة زوجكِ، فحقُّها مُقدم على حقكِ عزيزتي،
وحق زوجكِ مقدم على حق والديكِ؛ لهذا راعي حقَّ الله فيها، وعامليها بالحُسنى،
وزوريها مع زوجكِ، واسألي عنها في غيابه وبادريها بالسؤال والهدايا، ولا تنتظري
منها جزاءً ولا شكورًا، واعلمي أن ما تقدمينه من خير مسجل في كتاب عند رب العباد؛ ﴿
إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ
عَمَلاً ﴾ [الكهف: 30]، وسواء رضيت هي عنكِ أم لم ترضَ، فرضاها ليس هو
المهم، بل رضا ربِّ العالمين، ونحن لولا الله ما تحملنا بعضنا البعض.
رسائل
الجوال:
الغراميات التي تجدينها في جوال زوجكِ هي جرعات مُسمَّمة قاتلة
للثِّقة بين الزَّوجين، ومسألة مزعجة بحق وجارحة جدًّا جدًّا، لكن اشتري راحةَ
بالكِ، ولا تُفتشي جَوَّالَه إلا في وجوده ساعةَ مرح ومودة، وتَوقَّفي عن مُواجهته
بتلك الرسائل؛ لأنه لن يصدق معكِ، ومع ذلك صَدِّقي ادعاءاته، فربَّما كان صادقًا
بحق، ولا تَجعلي للشيطان الرجيم طريقًا فسيحًا لإفساد حياتكِ، فالشيطان لا يهدأ حتى
يتم الطلاق بين الزوجين، وقد نجح حقيقةً في إخراج الطلقة الأولى من فوهة الغضب؛ عن
جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إنَّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة،
يَجيء أحدُهم، فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، قال: ثم يَجيء أحدُهم،
فيقول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين امرأته، قال: فيُدنيه منه، ويقول: نعم أنت))،
قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه؛ رواه مسلم وأحمد.
أعيدي بناء ثِقَتكِ بزوجكِ واتركيه لضميره، فعقاب
الضمير أشدُّ من عقابكِ له، وعقاب رب العالمين أشد وأشد.
استثمري فرصة غيابه المطول عن البيت بإرسال رسائل
قصيرة SMS على جواله، فأنتِ
إن لم تكوني العشيقة الأولى في حياته، فالأكيد أنكِ الأخيرة، وزواجه منكِ هو بُرهان
ذلك، فحافظي على اللغة العاطفيَّة ما استطعتِ إلى ذلك سبيلاً.
نصيحتي لكِ
وله:
تذكري - يا عزيزتي - أنَّكِ
امرأة متزوجة، وما كان مسموحًا لكِ في بيت أهلكِ، ما عاد مسموحًا الآن في بيت
زوجكِ، والعكس صحيح، ثم ما تفرطين به وأنتِ عزَبة وما ترتكبينه من أخطاء يُمكن أن
يُغفَر لكِ، أما وقد تزوجتِ فلا، تذكَّري ذلك جيدًا.
لقد أخطأتِ في حياتكِ الزوجيَّة، وأخطأَ زوجُكِ
كذلك حين عالج المشكلات بالضرب والإهانة واللامبالاة والتفريط في الحقوق الزوجية،
علمًا بأن ضرب المرأة وإهانتها ليس من الرُّجولة في شيء، وقد أخبر المصطفى - صلى
الله عله وسلم - أنَّ من يفعل ذلك، فليس من خيار الناس، فليتنبه الرِّجال لمقياس
الخير هذا، فالأمر جد خطير؛ ((إنه قد طاف بأبيات آل مُحمد نساء كثير كلهن يشتكين
أزواجهن، أولئك ليسوا بخياركم))؛ أخرجه النسائي.
وعن عبدالله بن زمعة، عن النبي - صلَّى الله عليه
وسلَّم - قال: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يُجامعها في آخر اليوم))؛ رواه
البخاري.
لقد أمر الله - تعالى - بمعاشرة النِّساء بالمعروف؛
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء:
19]، وليس من المعروف ما يفعله الأزواج من ضرب وإهانة وإيذاء وخيانة لزوجاتهم في
وَضَح النَّهار.
عزيزتي، أعرف
أنكِ مجروحة من الأعماق، وأن الألم الذي تشعرين به ما عاد يطاق، لكن هذا الرجل هو
اختياركِ، وحياة الغربة تَمَّت بموافقتكِ، وما كرهته في حياتكِ هو خير لكِ إن شاء
الله؛ ﴿ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ
اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].
لكن لابد من جلسات المصارحة والمكاشفة مع بعضكما
البعض، فالجراحات بينكما أراها تتسع ولا يُمكن مداواتها بغير المودة والرحمة التي
هي أساس أيِّ علاقة زوجية ناجحة، أما اللغة الانفعالية والصراخ والبكاء، فلا تعمل
إطلاقًا على إصلاح ما انهدم.
ختامًا:
قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ
فِرْعَوْنَ ﴾ [التحريم: 11]، لكِ أن تُفكري كيف استطاعت هذه المرأة العظيمة
أن تعايش رجلاً بجبروت فرعون؟! كانت امرأة عظيمة، وتزوجت من رجل يدَّعي العظمة؛ ﴿
وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ
وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴾
[غافر: 37]، ومع ذلك استطاعت هذا المرأة بعاطفتها وأنوثتها وجمالها وحنانِها أن
تكسر هذا الجبروت، وترغمه على كسر قواعده، وجعل قصر فرعون مكانًا آمنًا لتربية
(موسى)؛ ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ
عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ
وَلَدًا ﴾ [القصص: 9].
كان موسى ينعم في قصر فرعون في الوقت الذي كان يذبح
فيه فرعون بقيةَ أبناء بني إسرائيل في تلك السنة؛ ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا
شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي
نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4]، فأنَّى لها
ذلك؟! لم يكن ذلك سحرًا، ولكنها كانت أنثى حقيقية، هذا هو السحر.
وصدِّقيني كانت آسية ستنجح في إكمال بقية حياتها مع
فرعون لولا أنَّها آمنت بالله ربًّا، بينما استعلى فرعون على ربِّه؛ ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات:
24].
دُمتِ بألف خير، ولا تنسيني من صالح
دعائكِ.
آعائشة الحكمى
مآآآآآآجى