هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    العذر بالجهل في أصول الدين

    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17074
    السٌّمعَة : 22

    سؤال العذر بالجهل في أصول الدين

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح الجمعة 30 أبريل - 13:31

    [b]العذر بالجهل في أصول الدين


    السؤال :


    أنا حديث عهد بمعرفة مذهب السلف الصالح في كثير من مسائل العقيدة و منها ما يتعلّق بأسماء الله تعالى و صفاته ، و سؤالي عن أبويّ و من في منزلتهما من التقدم في السن و التأخر في العلم ، حيث أفضى بعضهم إلى ما قدم و هو جاهل بمذهب السلف في مسائل الإيمان و الصفات و نحوها من دقائق مسائل المعتقد ، فهل هم معذرون بجهلهم في ذلك أم لا ؟

    الجواب :
    أقول مستعيناً بالله تعالى :
    من المعلوم ضرورةً أن النبي صلى الله عليه و سلَّم قد بلَّغ الرسالة و أدى الأمانة ، و كان ممّا بلَّغه لأمته مسائل الإيمان و الكفر ، و إن كان ذلك على سبيل الإجمال في بيان المكفِّرات ، دون تعداد آحاد المسائل القولية و الفعلية التي يكفر صاحبها ، و على هذا الأساس ساغ اختلاف الأمَّة في التكفير ببعض الذنوب كترك الصلاة ، و تعاطي السحر ، و اتِّخاذ سبِّ الصحابة و تكفيرهم ديناً ؛ و إن كان الحقُّ فيها واحداً لا يتعدد و إن خفي على بعض أهل العلم .


    غير أن عدم بيان المكفرات على سبيل الإفراد و التعداد منه صلى الله عليه و سلم لمن يدخل الإسلام من آحاد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، لا يلزم منه أنَّها غير معلومة لمن تتبع نصوص الشريعة كتاباً و سنَّة ، بل هي معلومة على وجه الإجمال ، و إن تعدَّدت صورها ، و جدَّت صور من المكفِّرات اللفظية و الفعلية في العصور المتأخرة ، كسبّ الصحابة و اتِّخاذه ديناً ، و ردِّ التحاكم إلى ما أنزل الله جملةً و استبداله بزبالات الأذهان ، و أهواء بني الإنسان ، فهذا كله لم يكن له و جود في الصدر الأوَّل ، و ربَّما لم يكن يخطر ببال أحدٍ من السلف أن يوجد في يوم من الأيام .

    قال أبو محمد بن حزم الظاهري رحمه الله : مَن ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدَع أحداً يُسلم حتى يوقِفَه على هذه المعاني كان قد كذب بإجماع المسلمين من أهل الأرض ، و قال ما يدري أنه فيه كاذب ، و ادعى أن جميع الصحابة رضي الله عنهم تواطئوا على كتمان ذلك من فعله عليه السلام ، و هذا المحال ممتنع في الطبيعة ، ثم فيه نسبة الكفر إليهم ؛ إذ كتموا ما لا يتم إسلام أحد إلا به . و إن قال : إنه صلى الله عليه و سلم لم يدع قط أحد إلى شيء من هذا ، و لكنه مودع في القرآن ، و في كلامه صلى الله عليه و سلم قيل له : صدقت ) [الفصل في الملل والأهواء والنحل : 3 / 141 ].

    قلت : و بناءً على هذا الأصل وقع الخلاف بين أهل العلم في مسألة العذر بالجهل في أصول الدين ، أو عدَمه ، فذهب جلُّهُم إلى اعتبار العذر بالجهل ممن لم تُقَم عليه الحجَّة ، و ذهب آخرون إلى عدم اعتباره .

    و الأدلَّة الشرعية تشهد لمذهب الجمهور ، و هم القائلون : يُعذَر الجاهل بجهله في أصول الدين ما لم تبلغه الحجَّة ، و هذا فيما إذا كان مِثْلُه يجهلها لبُعده عن ديار الإسلام ، أو عدَم من يُعلِّمه ، أو نحو ذلك ، و قد قرر هذا عدد من الأئمة الأعلام ، كالإمام الشافعي رحمه الله ، فقد أخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى ، قال : سمعت الشافعي يقول: ( لله أسماء و صفات لا يسع أحدا ردها ، و من خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر ، و أما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل و لا الرؤية و الفكر )

    و قال ابن عبد البر رحمه الله : ( من جهل بعض الصفات وآمن بسائرها لم يكن بجهل البعض كافرا لأن الكافر من عاند لا من جهل ، و هذا قول المتقدمين من العلماء و من سلك سبيلهم من المتأخرين ) [ التمهيد : 18/42 ] .

    و إلى هذا ذهب ابن حزم الظاهري ، الذي أفاض في تقرير عُذر الجاهل ما لم يبلُغه الحقُّ فيعاند ، و سنذكر بعض قوله في هذا لاحقاً إن شاء الله .

    و هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال : ( فإنه بعد معرفة ماجاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن يدعو أحداً من الأموات و لاالصالحين و لاغيرهم لا بلفظ الاستغاثة و لا بغيرها و لا بلفظ الاستعاذة و لا بغيرها ، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت و لا إلى ميت و نحو ذلك بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور و أن ذلك من الشرك الذي حرمه الله و رسوله ، لكن لغلبة الجهل و قلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه [ مختصراً من : الاستغاثة الكبرى : 1/629 و ما بعدها ] .

    و قد صرَّح في مقام آخر باشتراط قيام الحجة على الجاهل قبل الحكم بكفره ، فقال رحمه الله : ( و الاستغاثة بالرسول ؛ بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم كما أنه يستغاث بغيره بمعنى أن يطلب منه ما يليق به ، و من نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به و إما مخطئ ضال و أما بالمعنى الذي نفاه الرسول عليه الصلاة و السلام فهي أيضاً مما يجب نفيها ، و من أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها ) [ الاستغاثة الكبرى : 1 / 298 ] .

    و لولا الإطالة لتتبعت و جمعت الكثير من أقوال السلف و الخلف في تقرير العذر بالجهل في أصول الدين فضلاً عن فروعه ، و لكن بشرطه ، و حسبنا في هذا المقام ما قدَّمنا ، و هو المذهب الصحيح الذي تشهد له الأدلة النقلية و العقلية ، و منها :
    أوَّلاً :
    ما رواه الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ – أي رزقه - اللَّهُ مَالاً فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ : أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرَ أَبٍ . قَالَ : فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ؛ فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فَفَعَلُوا فَجَمَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ قَالَ مَخَافَتُكَ فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ ) .
    و في رواية عند مسلم ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَىَ نَفْسِهِ ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَىَ بَنِيهِ فَقَالَ : إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ، ثُمَّ اسْحَقُونِي ، ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ ، فَواللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي ، لَيُعَذِّبُنِي عَذَاباً مَا عَذَّبَهُ أَحَداً ، قَالَ : فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ ، فَقَالَ لِلأَرْضِ : أَدِّ مَا أَخَذْتِ ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ . فَقَالَ لَهُ : مَا حَمَلَكَ عَلَىَ مَا صَنَعْتَ ؟ فَقَالَ : خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ ! أَوْ قَالَ : مَخَافَتُكَ ! فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ ) .
    قال الحافظ في الفتح : ( قال الخطابي : قد يستشكل هذا فيقال : كيف يغفر له و هو منكر للبعث و القدرة على إحياء الموتى ؟ و الجواب : أنه لم ينكر البعث و إنما جهل فظن أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب ، و قد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله . قال ابن قتيبة : قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك ) .
    قال أبو محمد بن حزم : ( فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز و جلّ يقدر على جمع رماده و إحيائه ، و قد غفر الله له لإقراره ، و خوفه ، و جهله ) [ الفصل في الملل والأهواء والنحل : 3 / 141 ] .
    قلت : و ذهب بعض شراح الحديث إلى تأويل قوله : ( لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي ) فأبعد النجعة ، و صرف النص عن ظاهره بلا قرينة صارفة .
    قال ابن حجر : ... و قال ابن الجوزي : جحده صفة القدرة كفر اتفاقاً، وإنما قيل : إن معنى قوله : ( لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي ) أي ضَيَّقَ ، و هي قوله : ( و من قُدِر عليه رزقه ) أي ضيق ، و أما قوله – في رواية - : ( لعلي أضل الله ) فمعناه لعلي أفوته ، يقال : ضل الشيء إذا فات و ذهب ، و هو كقوله : ( لا يضل ربي و لا ينسى ) و لعل هذا الرجل قال ذلك من شدة جزعه و خوفه كما غلط ذلك الآخر فقال أنت عبدي و أنا ربك ، و يكون قوله : ( لَئِنْ قَدَّرَ عَلَيَّ رَبِّي ) بتشديد الدال ؛ أي قدر علي أن يعذبني ليعذبني ، أو على أنه كان مثبتاً للصانع و كان في زمن الفترة فلم تبلغه شرائط الإيمان . و أظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته و غلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول ، و لم يقله قاصدا لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل و الذاهل و الناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه ، و أبعد الأقوال قول من قال : إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر .اهـ.
    قلت : و هذه التأويلات لا وجه لصرف ظاهر النص إليها ، و لا قرينة تدل عليها ، و إنَّما صار إليها من قال بها تحرُّجاً من القول بالعُذر بالجهل في أصول الدين ، فلجأ إلى التأويل ، و أبعدَ في الطلب .
    و قد شنَّع ابن حزم على من جاء بها – و إن لم يسمِّه - فقال رحمه الله : و قد قال بعض من يحرف الكلم عن مواضعه أن معنى قوله ( لئن قدر الله علي ) : إنما هو لَئِن ضيَّق الله علي ، كما قال تعالى : ( و أما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ) ؛ و هذا تأويل باطل لا يمكن ؛ لأنه كان يكون معناه حينئذ لئن ضيق الله علي ليضيقن علي ، و أيضا فلو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق و يُذَرَّ رماده معنى ، و لا شك في أنه إنما أمره بذلك ليُفلت من عذاب الله تعالى .اهـ . [ الفصل في الملل والأهواء والنحل : 3 / 141 ، 142 ] .


    ثانياً : سؤال الحواريين نبي الله عيسى عليه و على نبيِّنا الصلاة و السلام ، و قولهم الذي حكاه الله عنهم في كتابه : ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ ) [ المائدة : 5 / 112 ] .
    قال أبو محمد بن حزم رحمه الله : ( فهؤلاء الحواريون الذين أثنى الله عز وجل عليهم قد قالوا بالجهل لعيسى عليه السلام هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ؟ و لم يبطل بذلك إيمانهم ، و هذا ما لا مخلص منه ، و إنما كانوا يكفرون لو قالوا ذلك بعد قيام الحجة و تبيينهم لها ) [ الفصل في الملل والأهواء والنحل : 3 / 142 ].
    و ممَّن خالف مذهب الجمهور في مسألة العذر بالجهل ، من لم يجد ما يمكن أن يؤوِّل به هذه الآية الكريمة ، فصار إلى إمرار الآية على ظاهرها ، و لكن على ما قرأه الكسائي رحمه الله : ( هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ ) تَستطيعُ – بتاءٍ مفتوحة – و ربَّكَ - بنصب الباء المشدَّدة - وهي قراءة علي و عائشة و ابن عباس و مجاهد . [ انظر : تفسير القرطبي : 6/365 و الطبري : 7/129 و ابن كثير : 2/117 و فتح القدير : 2/93 ] .
    و في تفسير الآية على هذه القراءة قال القرطبي : ( قال الزجاج : هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله ، و قيل : هل تستطيع أن تدعو ربك أو تسأله ، و المعنى متقارب و لا بد من محذوف ) [ تفسير القرطبي : 6 / 365 ] .
    و روى رحمه الله في تفسيره عن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها : ( كان القوم أعلم بالله عز و جل من أن يقولوا : ( هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ). قالت : و لكن : ( هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ ).
    و على هذا المعنى لا يكون الحواريُّون قد قالوا ما قالوه شاكين في قدرة الله ، و لا يكون ممَّا يُكفِّر ، و بالتالي فلا حجّة في الآية على العذر بالجهل ، فضلاً عن وقوعه .
    و لكن لا تقوم حجة بهذا التفسير في مقابل حجة الجمهور على القراءة المشهورة ، بل غاية ما يمكن أن يقال – تنزلاً – أن كلا القولين محتمل ، و لكن رأي الجمهور يؤيده الدليل السابق ، و ما سيأتي ، فيبقى عليه المعوَّل ، و به الفتيا ، و الله أعلم .

    ثالثاً : الاستدلال بالإجماع ، و قد ورد في كلام الإمام ابن حزم الظاهري حيث قال : ( برهانٌ ضروريٌ لا خلاف فيه : و هو أن الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحد منهم ، و هو أن كل من بدل آية من القرآن عامداً ، و هو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك ، و أسقط كلمةً عمداً كذلك ، أو زاد فيها كلمة عامداً ، فإنه كافر بإجماع الأمَّة كلِّها ، ثم إن المرء يخطئ في التلاوة ، فيزيد كلمة و ينقص أخرى ، و يبدل كلامه جاهلاً ، مقدراً أنه مصيب ، و يكابر في ذلك ، و يناظر قبل أن يتبين له الحق ، و لا يكون بذلك عند أحد من الأمة كافراً ، و لا فاسقاً و لا آثماً ، فإذا وقف على المصاحف أو أخبره بذلك من القراء من تقوم الحجة بخبره ، فإن تمادى على خطئه فهو عند الأمة كلِّها كافر بذلك لا محالة ، و هذا هو الحكم الجاري في جميع الديانة ) [ الفصل في الملل والأهواء والنحل : 3 / 142 ].
    قلتُ : و هذا الكلام على قوته فيه وجه آخر ، و هو قياس الأولى ؛ فإذا كان المخطئ في التلاوة معذوراً بجهله و إن أحال المعنى عن المراد بزيادة أو نقصان أو تصحيف ، مع أنَّه لا يتصور عجزه عن تعلُّم تلاوة آي الكتاب ، لكثرة المعتنين بتعليمه ، و نشر علومه ، و تفسيره في كل زمان و مكان ، و ندرة الخلاف في ذلك بين أبناء المذهب الواحد ، بل و بين الفرق الإسلامية ، على تعددها ، و تشعب مسالكها ، فمن الأولى أن يكون معذوراً بجهله في دقائق العلم ، و خفايا المسائل – بالنسبة لمن هو في مثل حاله – كمسائل الأسماء و الصفات التي قد لا يتسنى له من يعلمه إياها ، أو يرشده إلى مذهب أهل الحق و التحقيق فيها ، خاصة و أنَّ الخلاف فيها قائم على أشدِّه بين الفرق و الطوائف .


    و يحسن بنا و نحن نؤكد على مذهب الجمهور في العذر بالجهل في أصول الدين أن نؤكِّد على أنَّ العذر لا يقبل ممن يعيش بين ظهراني المسلمين و فيهم العلماء و الدعاء ، و لكن الجاهل المعذور بجهله هو حديث العهد بدين الإسلام ، أو من يعيش في منأى عن بلاد المسلمين ، أو حيث لا علم و لا علماء و لم يتسنَّ له من يعلمه ، أو يوقفه على ما يجب عليه اعتقاده من مسائل الأصول .
    قال الإمام الشافعي رحمه الله : ( لو عُذِرَ الجاهل ؛ لأجل جهله لكان الجهل خيراً من العلم إذ كان يحط عن العبد أعباء التكليف و يريح قلبه من ضروب التعنيف ؛ فلا حجة للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ و التمكين ؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرُسل ) [ المنثور في القواعد ، للزركشي : 2 / 17 ] .
    فلا يغيبن عنك يا يطلب الحق بدليله أن الأمر ليس على إطلاقه ، و لكنَّه مقيَّد مضبوط عن أهل العلم ، فخذه بقيده ، و اضبطه بضبطه ، و الله يتولاك .
    هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ، و بالله التوفيق
    [/b]

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 1 نوفمبر - 12:26