الخائفون من الله (2)
<BLOCKQUOTE>الفضيـل بن عيـاض رضى الله عنه:
أما الفضيـل بن عيـاض فيقـول عنـه أحـد العلمـاء الذيـن عـرفـوه:
ما رأيت أحدًا كان خوف الله في صدره أعظم من الفضيل، كان إذا ذَكَرَ اللهَ أو ذُكِر الله عنده، أو سمع القرآن ظهر به خوف وحزن شديد وفاضت عيناه وبكى حتى يرحمه من يحضره ويشفق عليه، وكنا إذا خرجنا معه في جنازة لا يزال يبكي بكاءً شديدًا ويذكر، وكأنه ذاهب إلى الآخرة.
وكان يقـول: رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله، وزهادته في الدنيا على قدر رغبته في الآخرة.
ذكر عنده شيء من صفات النار فبكى وصاح حتى غُشي عليه وخَرَّ صريعًا.
رؤي يـوم عرفة وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة، حتى إذا كادت الشمس تغرب قبض على لحيته، ثم رفع رأسه إلى السماء وقـال: واسـوأتـاه وإن غفـرت.
هذا غيـض من فيـض من تلك النماذج الرفيعة، والسير البديعة، لأناس عرفوا حقيقة الأمر، وتمثلوا عظمة الله، وعلموا هول المطلع عليه، وشدّة الموقف بين يديه، وخافوا ذنوبهم، وتهيبوا تقصيرهم، ولم ينخدعوا بأعمالهم ويباهوا بأفعالهم.
تتجافى جنوبهم عن وطئ المضاجع كلهـم بين خائفٍ مستجير وطامع
تركوا لذة الكرى للعيـون الهواجـع واستملَّت عيونهم فائضاتِ المدامع
ودعـوا يا مليكنا يا جميل الصنائع اعـف عنا ذنوبنا لعيون الدوامـع
اعف عنا ذنوبنا للوجوه الخواشـع أنت إن لم يكن لنا شافع خير شافع
</BLOCKQUOTE>
<BLOCKQUOTE>
هكذا رأينا كيف كان خوف السلف الصالح، وكيف كانت هيبتهم من الله وخشيتهم له، مع ما لهم من أعمال جليلة وعبادة عظيمة وسيرة قويمة، فما بالك بمن بضاعته وأعماله ناقصة وذنوبه كبيرة، ثم مع ذلك يحمل قلبًا ميتًا ومشاعر متجمّدة، قلبه آمن، ونفسه لاهية، وعينه جامدة وكأنه قد أمن المرور على الصراط، وضمن النجاة من النار، وسلم من بطش الجبار، أين القلوب الخاشعة والأنفس المنكسرة، والأعين الباكية، والأفئدة الخائفة.
مـن ثمـرات الخـوف:
قال تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ ... [الرحمن: 49 ].
وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: ( من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة ).
يقـول وهـب بن منبـه: مـا عبـد الله بمثـل الخـوف.
ويقـول أبو سليمـان الـدارني: « أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله ، وكل قلب ليس فيه خوف الله فهو قلب خَرِب ».
ويقـول عبـد الله بن مسعـود - رضي الله عنه -: « إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه بالسهل في أصل جبل يخشى أن يقلب عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا ».
إن الخـوف علامـة الإيمان الصادق بالله تعالى: ﴿ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ ... [آل عمران: 175 ].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ ... [الأنفال: 2 ]، وقد وصف الله تعالى المتقين أنهم: ﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾ ... [الأنبياء: 49 ].
إن الذي يخاف الله تعالى في الدنيا يكون جزاؤه أن يؤمن الله خوفه يوم القيامة ويجعله من أهل الجنة: ﴿ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ﴿ 26 ﴾ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ ... [الطور: 26، 27 ]،
[size=25]وقال تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ ... [الرحمن: 46 ]، وقال تعالى: ﴿ [/size]وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴿ 40 ﴾ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ ... [النازعات: 40، 41 ].
وإن خـوف الله تعالى وخشية عقابه سبب من أسباب فلاح الأمم وتمكينهم في الأرض وإهلاك عدوهم، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ﴿ 13 ﴾ وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ ... [إبراهيم: 13، 14 ].
اللهـم إنا نسـألك خشيتـك في الغيـب والشهـادة، اللهـم اجعلنـا مـن أهـل خشيتـك، وأربـاب طاعتـك، اللهـم آمـن خـوفنـا فـي الدنيـا والآخـرة.
</BLOCKQUOTE>فضيلة الشيخ / ناصر بن مسفر الزهراني
م