إن إثـابــة المـحـسـن عـلى إحـسـانه،وعقاب المسيء على إساءته مبدأ إسلامي أصيل لقوله تعالى: ((هـَـلْ جَـزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ)) [ الرحمن:60] ، وقوله جل من قائل : ((وجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا)) [ الشورى:40].
أنواع الثواب :
عندما نحاول أن نغرس العادات الطيبة لابد من مكافأة الطفل على إحسانه للقيام بعمل بما يثبت في نفسه جانباً من الارتياح الوجداني.
وقد قدر السـلـف أهـمـيـة ترغيب الأبناء وثوابهم عند حسن استجابتهم ومن ذلك ما رواه النضر بن الحارث قال:سمعت إبراهيم بن أدهم يقول،قال لي أبي:»يا بني اطلب الحديث، فـكـلـمـا سـمـعـت حـديـثـاً وحفـظـتـه فلك درهم . فطلبت الحديث على هذا« والـثـواب قـد يكـون مـاديـاً ملموساً كإعطاء الطفل لعبة ، أو حلوى أو نقوداً أو ... وقد يكـون معنوياً يفرح له كالمدح والابتسام ، والاعتزاز بالطفل لعمله الطيب أمام الناس . إلا أن عـدم الغلو في المدح أدب إسلامي ، فلا يكثر المربي من عبارات الاستحسان حتى لا يدخـل الغرور في نفس الطفل . كما أنه لا يجعل الثواب المادي هو الأساس، لـمـا لـذلك مـن أثـر سيئ على نفسية الطفل مستقبلاً ، وإنما يوازي بين الثواب المادي والثواب المعنوي.
العقاب وأنواعه :
إن التربية لا تعني الشدة والضرب والتحقير ، كما يظن الكثير ، وإنما هي مساعدة الناشئ للوصول إلى أقصى كمال ممكن ... هذا وإن ديننا الحنيف رفع التكليف عن الصغار، ووجه إلى العقاب كوسيلة مساعدة للمربي ليعالج حالة معينة قد لا تصلح إلا بالعقاب الـمـنـاسـب الـرادع، وذلـك بـعـد سـن التمييز كما يبدو من الحديث النبوي الشريف: مــروا أولادكـم بالصلاة ، وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر« ونستشف من هذا الحديث الشريف أن الضرب من أجــل تعويد الطفل الصلاة لا يصح قبل سن العاشرة ، ويحسن أن يكون التأديب بغير الضرب قـبـل هـذه الـسـن . وأمـا نـوعـيـة العقاب فليس من الضروري إحداث الألم فيه ، فالتوبيخ العادي الخفيف ، ولهجة الصوت القاسية مثلاً يحدثان عند الطفل حسن التربية نفس التأثير الذي يحدثه العقاب الجسمـي الشديد عند من عود على ذلك . وكلما ازداد العقاب قل تأثيره على الطفل ، بل ربما يـؤدي إلـى الـعـصـيـان وعدم الاستقـرار . فالعقـاب يجب أن يتناسب مع العمر ، إذ ليس من العدل عقاب الطـفـل فـي السنة الأولـى أو الـثانية من عمره ، فتقطيب الوجه يكفي مع هذه السن ، إذ أن الطفل لا يدرك معنى العـقـاب بعد . وفي السنة الثالثة قد تؤخذ بعض ألعاب الطفل لقاء ما أتى من عمل شاذ.
ولا يصح بحال أن يكـون العقـاب سخرية وتشهيراً أو تنابزاً بالألـقـاب ، كما قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خـَيْراً مِّنْهُمْ ولا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْـقَـابِ)) [ الحجرات:11] أين هذا التأديب الرباني ممن ينادون أبناءهم : يا أعور ، يا أعرج ، فيمتهنون كرامتهم .. أو يعيرونهم فيجرئونهم على الباطل بندائهم : يا كذاب ... يا لص .
وفي ضرب المربين للصبيان : حدد فقهاؤنا حدوداً لا يجوز للمربي تـجـاوزهـا إذ يلـزمه أن يتقـي في ضربه الوجه ومكان المقاتل لما ورد في صحيح مسلم أن الرسول -صلى الله عـلـيـه وسلـم- قال : »إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه« . وينبغي أن يكون الضرب مفرقاً لا مجموعاً فـي محـل واحـد ، والمهم أن يكون ثباتاً في المبدأ ومساواة بين الأولاد وعدلاً بينهم ، لأن العقوبة الظالمة لا تـجـلـب إلا الضرر . كما وأن الخطأ الذي يحدث للمرة الأولى يحسن أن يخفف فيه العقاب ، إلا إن كــان الخطأ فادحاً فلا مانع من استخدام العقاب الأشد حتى لا يستهين الطفل بالذنب.
وإذا وقع العقاب من أحد الأبوين ، فالواجب أن يوافقه الآخر ، وإلا فلا فائدة من العقاب ، مع إشعار الطفل بأن العقاب ليس للتشفي وإنما لمصلحته ، وإن شعور الطفل بخلاف ذلك قد يحدث انحرافاً معيناً في نفسه ، وهو أن يتعمد إثارة والديه ، ليستمتع بمنظر هياجهما وثورتهما عليه.
ويحس بالارتياح الداخلي ، لأنه وهو الصغير استطاع أن يثير أولئك الكبار ويزعجهم .. وعندئذ تكون الخسارة مزدوجة العقوبة أدت غرضها في الإصلاح ، وزاد في نفس الطفل انحراف جديد هو تحقيق الذات عن طريق غير سوي . ونود أن نؤكد على أن العقاب يجب أن يتلو الذنب مباشرة وألا يكون من الخفة بحيث لا يجدي ، أو من الشدة بحيث يشعر بالظلم أو يجرح الكبرياء. ويتضح أن الأطفال المنبسطين يضاعفون جهودهم عقب اللوم في حين أن المنطوين يضطرب إنتاجهم عقب اللوم . ومطرد التعلم (أي النبيه المجتهد) يحفزه الثناء أكثر من النقد والمربي بحسن حكمته يضع الأمر في نصابه عادة.
أيهما أفضل الثواب أم العقاب ؟
إن نتائج التجريب على الحيوان توضح أن كلاً من الثواب والعقاب يؤدي إلى زيادة في التعليم .. ولكن الدراسات الإنسانية توصي بضرورة الاهتمام بقضية الثواب والاستحسان، وتركز على الثواب لعدة أسباب منها :
الأثر الانفعالي السيئ الذي يصاحب العقاب ، أما الاستحسان ففيه توجيه بناء لطبيعة السلوك المرغوب فيه أكثر من مجرد معلومات سلبية عن الأشياء التي يجب أن يتجنبها.
وقد ندد ابن خلدون في استعمال الشدة في التربية فقال : »من كان مَرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم ، سطا به إلى القهر ، وضيق كل النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعا إلى الكسل ، وحمله إلى الكذب خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة.
ومن كلام سحنون الفقيه في وصية لمعلم ابنه : »لا تؤدبه إلا بالمدح ولطيف الكلام ، وليس هو ممن يؤدب بالضرب أو التعنيف«
ولعل أجدى الطرق التي ينبغي اتباعها مع الصغار هي ما ذهب إليه بن مسكويه في الموازنة بين الثواب والعقاب يقول في ذلك :
»ليمدح الطفل بكل ما يظهر من خلق جميل وفعل حسن ويكرم عليه ، وإن خالف في بعض الأوقات لا يوبخ ولا يكاشف بل يتغافل عنه المربي ... ولا سيما إن ستر الصبي مخالفته ... فإن عاد فليوبخ سراً ، ويعظم عنده ما أتاه ويحذر من معاودته .. فإنك إن عودته التوبيخ والمكاشفة حملته على الوقاحة....« فالعقاب ليس الوسيلة المجدية ، إنه قد يؤدي إلى كف الطفل عن العمل المعيب ، لكن لن يؤدي إلى حبه للخير المطلوب . ومن ثم سيعاود الطفل ما منعه عن إثبات ذاته ، وإغضاب الآخرين، فضلاً عن أنه يعوده البلادة والوقاحة . فالترغيب عموماً أفضل من الترهيب ، والاعتدال هو الميزان.
علينا أن نعيد التذكير بهذه القاعدة الذهبية التربوية: "إن أي سلوك غير سوي عند الأطفال ما هو إلا رسالة رفض أو تمرد ضد خلل تربوي والدي أو بيئي يواجهة"، أي إن السلوكيات غير السوية عند الأطفال؛ ما هي إلا عبارة عن طريقة أو وسيلة دفاعية، أو سلاح هجومي ضد تعامل الآخر معه.
عدم فهم "القواعد الأساسية لمكافأة ومعاقبة الأبناء؟!".
ما هي القواعد الأساسية لمكافأة ومعاقبة الأبناء؟:
وضع معايير ثابتة للثواب العقاب:
فيشارك جميع أفراد الأسرة الرأي فيها، ثم توضع على هيئة لائحة أو جدول واضح قبل أن يقوم بتطبيقه الوالدان حتى يتقبله الأبناء دون إحساس بظلم أو تعسف.
مكافأة السلوك الجيد مكافأة سريعة دون تأجيل:
والطفل الذي يثاب على سلوكه الجيد المقبول يتشجع على تكرار هذا السلوك مستقبلاً.
فهم معنى المكافأة والعقوبة:
(1)المكافآت: ويقصد بها التحفيز والتشجيع، وهي نوعان
:
أ- المكافأة الإجتماعية: وهذا النوع على درجة كبيرة من الفعالية في تعزيز السلوك التكيفي المقبول والمرغوب عند الصغار والكبار معاً، ويقصد بها المكافآت المعنوية؛ أو التحفيز أو التشجيع الإيجابي المعنوي، وهي نوعان:
1- تحفيز إيجابي معنوي لفظي: مثل (المديح - المجاملة - الإطراء المخلص - المداعبات اللفظية).
2- تحفيز إيجابي معنوي غير لفظي: مثل (الإبتسامة - التقبيل - المعانقة - الربت - المديح - الإهتمام - إيماءات الوجه المعبرة عن الرضا والاستحسان).
ب- المكافأة المادية:
دلت الإحصاءات على أن الإثابة الاجتماعية تأتي في المرتبة الأولى في تعزيز السلوك المرغوب، بينما تأتي المكافأة المادية في المرتبة الثانية، ولكن هناك أطفال يفضلون المكافأة المادية مثل (إعطاء قطعة حلوى - شراء لعبة - إعطاء نقود - إشراك الطفل في إعداد الحلوى مع والدتها تعبيراً عن شكرها لها - السماح للطفل بمشاهدة التلفاز حتى ساعة متأخرة - اللعب بالكرة مع الوالد - اصطحاب الطفل في رحلة ترفيهية خاصة؛ (حديقة حيوانات - سيرك.. الخ).
(2)العقوبات وتنقسم إلى:
- لفظية: مثل (اللوم - النقد - التنبية على العواقب - التوبيخ).
- حركية: مثل (الحجز في مكان معين - الضرب في أماكن لا تضره «إذا ضرب أحدكم فليتجنب الوجه» [رواه مسلم].
عدم مكافأة السلوك السيئ مكافأة عارضة أو بصورة غير مباشرة:
السلوك غير المرغوب الذي يكافأ حتى ولو بصورة عارضة، وبمحض الصدفة؛ من شأنه أن يتعزز ويتكرر مستقبلاً، مثال:
الأم التي تساهلت مع ابنتها في ذهابها إلى النوم في وقت محدد بحجة عدم رغبة البنت في النوم، ثم رضخت الأم لطلبها بعد أن بكت البنت متذرعة بعدم قدرتها على تحمل بكاء وصراخ ابنتها.
معاقبة السلوك السيئ عقاباً لا قسوة فيه ولا عنف:
أي عملية تربوية لا تأخذ بمبدأ الثواب والعقاب في ترشيد السلوك بصورة متوازنة وعقلانية تكون نتيجتها انحرافات في سلوك الطفل عندما يكبر.
العقوبة يجب أن تكون خفيفة لا قسوة فيها؛ لأن الهدف منها هو عدم تعزيز وتكرار السلوك السيئ مستقبلاً؛ وليس إيذاء الطفل، وإلحاق الضرر بجسده وبنفسيته كما يفعل بعض الآباء في تربية أولادهم.
الحذر من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الآباء:
أ- عدم مكافأة الطفل على سلوك جيد.
ب- معاقبة الطفل عقاباً عارضاً على سلوك جيد.
مثال: "زينب رغبت في أن تفاجئ أمها بشيء يسعدها، فقامت إلى المطبخ وغسلت الصحون، وذهبت إلى أمها تقول: "أنا عملت لك مفاجأة يا أمي فقد غسلت الصحون"، فردت عليها الأم: "أنتِ الآن كبرتِ، ويجب عليك القيام بمثل هذه الأعمال، لكن لماذا لم تغسلي الصحون الموجودة في الفرن هل نسيتِ؟".
تحليل: زينب كانت تتوقع من أمها أن تكافئها ولو بكلمات الاستحسان والتشجيع، لكن جواب الأم كان عقوبة وليس مكافأة، لماذا؟
لأن الأم:
أولاً: لم تعترف بالمبادرة الجميلة التي قامت بها البنت!.
ثانياً: وجهت لها اللوم بصورة غير مباشرة على تقصيرها في ترك صحون الفرن دون غسيل.
ج- مكافأة السلوك السيئ بصورة عارضة غير مقصودة:
مثال: مصطفى عاد إلى المنزل وقت الغداء، وأخبر والدته أنه يريد النزول في الحال للعب الكرة مع أصدقائه قبل أن يتناول غداءه، فطلبت منه الوالدة أن يتناول الطعام ثم يأخذ قسطاً من الراحة ويذهب بعد ذلك لأصدقائه، فأصر مصطفى على رأيه، وبكى وهددها بالامتناع عن الطعام إذا رفضت ذهابه في الحال، فما كان من والدته إلا أن رضخت قائلة له: "لك ما تريد يا ابني الحبيب ولكن لا تبكي، ولا ترفض الطعام، وأذهب مع أصدقائك وعند عودتك تتغدى".
د- عدم معاقبة السلوك السيئ:
مثال: بينما كان الأب والأم جالسين؛ اندفع الابن الأكبر هيثم يصفع أخاه بعد شجار عنيف أثناء لعبهم، ونشبت المعركة بين الطفلين، فطلبت الأم من الأب أن يؤدب هيثم على هذه العدوانية، لكن الأب رد قائلاً: "الأولاد يظلوا أولاد يتعاركون لفترة ثم يعودوا أحباء بعد ذلك
م
أنواع الثواب :
عندما نحاول أن نغرس العادات الطيبة لابد من مكافأة الطفل على إحسانه للقيام بعمل بما يثبت في نفسه جانباً من الارتياح الوجداني.
وقد قدر السـلـف أهـمـيـة ترغيب الأبناء وثوابهم عند حسن استجابتهم ومن ذلك ما رواه النضر بن الحارث قال:سمعت إبراهيم بن أدهم يقول،قال لي أبي:»يا بني اطلب الحديث، فـكـلـمـا سـمـعـت حـديـثـاً وحفـظـتـه فلك درهم . فطلبت الحديث على هذا« والـثـواب قـد يكـون مـاديـاً ملموساً كإعطاء الطفل لعبة ، أو حلوى أو نقوداً أو ... وقد يكـون معنوياً يفرح له كالمدح والابتسام ، والاعتزاز بالطفل لعمله الطيب أمام الناس . إلا أن عـدم الغلو في المدح أدب إسلامي ، فلا يكثر المربي من عبارات الاستحسان حتى لا يدخـل الغرور في نفس الطفل . كما أنه لا يجعل الثواب المادي هو الأساس، لـمـا لـذلك مـن أثـر سيئ على نفسية الطفل مستقبلاً ، وإنما يوازي بين الثواب المادي والثواب المعنوي.
العقاب وأنواعه :
إن التربية لا تعني الشدة والضرب والتحقير ، كما يظن الكثير ، وإنما هي مساعدة الناشئ للوصول إلى أقصى كمال ممكن ... هذا وإن ديننا الحنيف رفع التكليف عن الصغار، ووجه إلى العقاب كوسيلة مساعدة للمربي ليعالج حالة معينة قد لا تصلح إلا بالعقاب الـمـنـاسـب الـرادع، وذلـك بـعـد سـن التمييز كما يبدو من الحديث النبوي الشريف: مــروا أولادكـم بالصلاة ، وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر« ونستشف من هذا الحديث الشريف أن الضرب من أجــل تعويد الطفل الصلاة لا يصح قبل سن العاشرة ، ويحسن أن يكون التأديب بغير الضرب قـبـل هـذه الـسـن . وأمـا نـوعـيـة العقاب فليس من الضروري إحداث الألم فيه ، فالتوبيخ العادي الخفيف ، ولهجة الصوت القاسية مثلاً يحدثان عند الطفل حسن التربية نفس التأثير الذي يحدثه العقاب الجسمـي الشديد عند من عود على ذلك . وكلما ازداد العقاب قل تأثيره على الطفل ، بل ربما يـؤدي إلـى الـعـصـيـان وعدم الاستقـرار . فالعقـاب يجب أن يتناسب مع العمر ، إذ ليس من العدل عقاب الطـفـل فـي السنة الأولـى أو الـثانية من عمره ، فتقطيب الوجه يكفي مع هذه السن ، إذ أن الطفل لا يدرك معنى العـقـاب بعد . وفي السنة الثالثة قد تؤخذ بعض ألعاب الطفل لقاء ما أتى من عمل شاذ.
ولا يصح بحال أن يكـون العقـاب سخرية وتشهيراً أو تنابزاً بالألـقـاب ، كما قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خـَيْراً مِّنْهُمْ ولا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْـقَـابِ)) [ الحجرات:11] أين هذا التأديب الرباني ممن ينادون أبناءهم : يا أعور ، يا أعرج ، فيمتهنون كرامتهم .. أو يعيرونهم فيجرئونهم على الباطل بندائهم : يا كذاب ... يا لص .
وفي ضرب المربين للصبيان : حدد فقهاؤنا حدوداً لا يجوز للمربي تـجـاوزهـا إذ يلـزمه أن يتقـي في ضربه الوجه ومكان المقاتل لما ورد في صحيح مسلم أن الرسول -صلى الله عـلـيـه وسلـم- قال : »إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه« . وينبغي أن يكون الضرب مفرقاً لا مجموعاً فـي محـل واحـد ، والمهم أن يكون ثباتاً في المبدأ ومساواة بين الأولاد وعدلاً بينهم ، لأن العقوبة الظالمة لا تـجـلـب إلا الضرر . كما وأن الخطأ الذي يحدث للمرة الأولى يحسن أن يخفف فيه العقاب ، إلا إن كــان الخطأ فادحاً فلا مانع من استخدام العقاب الأشد حتى لا يستهين الطفل بالذنب.
وإذا وقع العقاب من أحد الأبوين ، فالواجب أن يوافقه الآخر ، وإلا فلا فائدة من العقاب ، مع إشعار الطفل بأن العقاب ليس للتشفي وإنما لمصلحته ، وإن شعور الطفل بخلاف ذلك قد يحدث انحرافاً معيناً في نفسه ، وهو أن يتعمد إثارة والديه ، ليستمتع بمنظر هياجهما وثورتهما عليه.
ويحس بالارتياح الداخلي ، لأنه وهو الصغير استطاع أن يثير أولئك الكبار ويزعجهم .. وعندئذ تكون الخسارة مزدوجة العقوبة أدت غرضها في الإصلاح ، وزاد في نفس الطفل انحراف جديد هو تحقيق الذات عن طريق غير سوي . ونود أن نؤكد على أن العقاب يجب أن يتلو الذنب مباشرة وألا يكون من الخفة بحيث لا يجدي ، أو من الشدة بحيث يشعر بالظلم أو يجرح الكبرياء. ويتضح أن الأطفال المنبسطين يضاعفون جهودهم عقب اللوم في حين أن المنطوين يضطرب إنتاجهم عقب اللوم . ومطرد التعلم (أي النبيه المجتهد) يحفزه الثناء أكثر من النقد والمربي بحسن حكمته يضع الأمر في نصابه عادة.
أيهما أفضل الثواب أم العقاب ؟
إن نتائج التجريب على الحيوان توضح أن كلاً من الثواب والعقاب يؤدي إلى زيادة في التعليم .. ولكن الدراسات الإنسانية توصي بضرورة الاهتمام بقضية الثواب والاستحسان، وتركز على الثواب لعدة أسباب منها :
الأثر الانفعالي السيئ الذي يصاحب العقاب ، أما الاستحسان ففيه توجيه بناء لطبيعة السلوك المرغوب فيه أكثر من مجرد معلومات سلبية عن الأشياء التي يجب أن يتجنبها.
وقد ندد ابن خلدون في استعمال الشدة في التربية فقال : »من كان مَرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم ، سطا به إلى القهر ، وضيق كل النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعا إلى الكسل ، وحمله إلى الكذب خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة.
ومن كلام سحنون الفقيه في وصية لمعلم ابنه : »لا تؤدبه إلا بالمدح ولطيف الكلام ، وليس هو ممن يؤدب بالضرب أو التعنيف«
ولعل أجدى الطرق التي ينبغي اتباعها مع الصغار هي ما ذهب إليه بن مسكويه في الموازنة بين الثواب والعقاب يقول في ذلك :
»ليمدح الطفل بكل ما يظهر من خلق جميل وفعل حسن ويكرم عليه ، وإن خالف في بعض الأوقات لا يوبخ ولا يكاشف بل يتغافل عنه المربي ... ولا سيما إن ستر الصبي مخالفته ... فإن عاد فليوبخ سراً ، ويعظم عنده ما أتاه ويحذر من معاودته .. فإنك إن عودته التوبيخ والمكاشفة حملته على الوقاحة....« فالعقاب ليس الوسيلة المجدية ، إنه قد يؤدي إلى كف الطفل عن العمل المعيب ، لكن لن يؤدي إلى حبه للخير المطلوب . ومن ثم سيعاود الطفل ما منعه عن إثبات ذاته ، وإغضاب الآخرين، فضلاً عن أنه يعوده البلادة والوقاحة . فالترغيب عموماً أفضل من الترهيب ، والاعتدال هو الميزان.
علينا أن نعيد التذكير بهذه القاعدة الذهبية التربوية: "إن أي سلوك غير سوي عند الأطفال ما هو إلا رسالة رفض أو تمرد ضد خلل تربوي والدي أو بيئي يواجهة"، أي إن السلوكيات غير السوية عند الأطفال؛ ما هي إلا عبارة عن طريقة أو وسيلة دفاعية، أو سلاح هجومي ضد تعامل الآخر معه.
عدم فهم "القواعد الأساسية لمكافأة ومعاقبة الأبناء؟!".
ما هي القواعد الأساسية لمكافأة ومعاقبة الأبناء؟:
وضع معايير ثابتة للثواب العقاب:
فيشارك جميع أفراد الأسرة الرأي فيها، ثم توضع على هيئة لائحة أو جدول واضح قبل أن يقوم بتطبيقه الوالدان حتى يتقبله الأبناء دون إحساس بظلم أو تعسف.
مكافأة السلوك الجيد مكافأة سريعة دون تأجيل:
والطفل الذي يثاب على سلوكه الجيد المقبول يتشجع على تكرار هذا السلوك مستقبلاً.
فهم معنى المكافأة والعقوبة:
(1)المكافآت: ويقصد بها التحفيز والتشجيع، وهي نوعان
:
أ- المكافأة الإجتماعية: وهذا النوع على درجة كبيرة من الفعالية في تعزيز السلوك التكيفي المقبول والمرغوب عند الصغار والكبار معاً، ويقصد بها المكافآت المعنوية؛ أو التحفيز أو التشجيع الإيجابي المعنوي، وهي نوعان:
1- تحفيز إيجابي معنوي لفظي: مثل (المديح - المجاملة - الإطراء المخلص - المداعبات اللفظية).
2- تحفيز إيجابي معنوي غير لفظي: مثل (الإبتسامة - التقبيل - المعانقة - الربت - المديح - الإهتمام - إيماءات الوجه المعبرة عن الرضا والاستحسان).
ب- المكافأة المادية:
دلت الإحصاءات على أن الإثابة الاجتماعية تأتي في المرتبة الأولى في تعزيز السلوك المرغوب، بينما تأتي المكافأة المادية في المرتبة الثانية، ولكن هناك أطفال يفضلون المكافأة المادية مثل (إعطاء قطعة حلوى - شراء لعبة - إعطاء نقود - إشراك الطفل في إعداد الحلوى مع والدتها تعبيراً عن شكرها لها - السماح للطفل بمشاهدة التلفاز حتى ساعة متأخرة - اللعب بالكرة مع الوالد - اصطحاب الطفل في رحلة ترفيهية خاصة؛ (حديقة حيوانات - سيرك.. الخ).
(2)العقوبات وتنقسم إلى:
- لفظية: مثل (اللوم - النقد - التنبية على العواقب - التوبيخ).
- حركية: مثل (الحجز في مكان معين - الضرب في أماكن لا تضره «إذا ضرب أحدكم فليتجنب الوجه» [رواه مسلم].
عدم مكافأة السلوك السيئ مكافأة عارضة أو بصورة غير مباشرة:
السلوك غير المرغوب الذي يكافأ حتى ولو بصورة عارضة، وبمحض الصدفة؛ من شأنه أن يتعزز ويتكرر مستقبلاً، مثال:
الأم التي تساهلت مع ابنتها في ذهابها إلى النوم في وقت محدد بحجة عدم رغبة البنت في النوم، ثم رضخت الأم لطلبها بعد أن بكت البنت متذرعة بعدم قدرتها على تحمل بكاء وصراخ ابنتها.
معاقبة السلوك السيئ عقاباً لا قسوة فيه ولا عنف:
أي عملية تربوية لا تأخذ بمبدأ الثواب والعقاب في ترشيد السلوك بصورة متوازنة وعقلانية تكون نتيجتها انحرافات في سلوك الطفل عندما يكبر.
العقوبة يجب أن تكون خفيفة لا قسوة فيها؛ لأن الهدف منها هو عدم تعزيز وتكرار السلوك السيئ مستقبلاً؛ وليس إيذاء الطفل، وإلحاق الضرر بجسده وبنفسيته كما يفعل بعض الآباء في تربية أولادهم.
الحذر من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الآباء:
أ- عدم مكافأة الطفل على سلوك جيد.
ب- معاقبة الطفل عقاباً عارضاً على سلوك جيد.
مثال: "زينب رغبت في أن تفاجئ أمها بشيء يسعدها، فقامت إلى المطبخ وغسلت الصحون، وذهبت إلى أمها تقول: "أنا عملت لك مفاجأة يا أمي فقد غسلت الصحون"، فردت عليها الأم: "أنتِ الآن كبرتِ، ويجب عليك القيام بمثل هذه الأعمال، لكن لماذا لم تغسلي الصحون الموجودة في الفرن هل نسيتِ؟".
تحليل: زينب كانت تتوقع من أمها أن تكافئها ولو بكلمات الاستحسان والتشجيع، لكن جواب الأم كان عقوبة وليس مكافأة، لماذا؟
لأن الأم:
أولاً: لم تعترف بالمبادرة الجميلة التي قامت بها البنت!.
ثانياً: وجهت لها اللوم بصورة غير مباشرة على تقصيرها في ترك صحون الفرن دون غسيل.
ج- مكافأة السلوك السيئ بصورة عارضة غير مقصودة:
مثال: مصطفى عاد إلى المنزل وقت الغداء، وأخبر والدته أنه يريد النزول في الحال للعب الكرة مع أصدقائه قبل أن يتناول غداءه، فطلبت منه الوالدة أن يتناول الطعام ثم يأخذ قسطاً من الراحة ويذهب بعد ذلك لأصدقائه، فأصر مصطفى على رأيه، وبكى وهددها بالامتناع عن الطعام إذا رفضت ذهابه في الحال، فما كان من والدته إلا أن رضخت قائلة له: "لك ما تريد يا ابني الحبيب ولكن لا تبكي، ولا ترفض الطعام، وأذهب مع أصدقائك وعند عودتك تتغدى".
د- عدم معاقبة السلوك السيئ:
مثال: بينما كان الأب والأم جالسين؛ اندفع الابن الأكبر هيثم يصفع أخاه بعد شجار عنيف أثناء لعبهم، ونشبت المعركة بين الطفلين، فطلبت الأم من الأب أن يؤدب هيثم على هذه العدوانية، لكن الأب رد قائلاً: "الأولاد يظلوا أولاد يتعاركون لفترة ثم يعودوا أحباء بعد ذلك
م