المتأمل في القرآن الكريم يقف على جملة من الآيات التي تبين عاقبة الذين يتكبرون على ما أسبغ الله عليهم من نِعَم ظاهرة وباطنة، بل ويستخدمون تلك النعم في غير ما شرعه الله، حيث يحل بهم عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة، نقرأ في هذا المعنى قوله تعالى: { وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين } (الأنبياء:11)، وقوله سبحانه: { فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد } (الحج:45)، والآيات في هذا الشأن ليست بالقليلة.
ومن الآيات الدالة على هذا المعنى، والتي نريد أن نلقي ظلالاً حولها، قوله تعالى: { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين } (القصص:85). فقد جاءت هذه الآية الكريمة عقب آية تُنْكِرُ وتوبِّخ أهل مكة جراء موقفهم السلبي من دعوة الإسلام، وذلك قوله سبحانه: { أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا } (القصص:57)، فبعد هذا التوبيخ والتقريع، يبيَّن سبحانه سُنَّة من سننه الإلهية، إنها سنة الإهلاك في الأرض، عقاباً للتكبر والتجبر.
والمراد بـ (القرية) في الآية ونحوها: (أهل القرية)؛ وخصَّ القرآن الكريم القرية بالذكر، دون ذكر أهلها - كما قال بعض المفسرين - لأن العبرة بها أوضح؛ لأنها إذا أُهلكت بقيت آثارها وأطلالها، ولم ينقطع خبرها من الأجيال الآتية بعدها. وقد يقال: إنما علق الإهلاك بالقرى للإشارة إلى أن شدة الإهلاك بحيث يأتي على القرى وأهلها، وهو الإهلاك بالحوادث التي لا تستقر معها الديار، بخلاف إهلاك الأمة فقد يكون بطاعون ونحوه، فلا يترك أثراً في القرى، وإنما يؤثر في أهلها فحسب.
و(البطر) هو التكبر، والفعل { بطرت } تضمن معنى (كفرت)؛ لأن البطر وهو التكبر يستلزم عدم اعتراف العبد بما يُسدى إليه من الخير. والمراد: بطرت حالة معيشتها، أي: نعمة عيشها.
ومعنى { لم تسكن من بعدهم }، أي: لم يتركوا فيها خَلَفاً لهم، وذلك كناية عن انقراضهم عن بكرة أبيهم.
وقوله سبحانه: { إلا قليلاً } أي: لم تسكن سكناً إلا سكناً قليلاً، والسكن القليل: هو مطلق الحلول بغير نية الإقامة، فهو إلمام يسير، لا سكنى تدوم. والمراد: أن تلك القرى لم تسكن إلا مقدار ما ينزل بها المسافر، لكن سرعان ما يرحل؛ وبالتالي فهي خالية خلاء لا يعمرها عامر، والله قدر بقاءها خالية؛ لتبقى عبرة وموعظة لمن أنكر نِعَم الله عليه، ولم يشكره عليها حق الشكر.
وقوله سبحانه: { وكنا نحن الوارثين } يفيد أن تلك القرية لم تسكن من بعدهم، فلا يحلُّ فيها قوم آخرون بعدهم، فعُبِّر عن تداول السكنى بالإرث من باب الاستعارة.
وقَصْر إرث تلك المساكن على الله تعالى حقيقي، أي: لا يرثها غيره سبحانه. وهو كناية عن حرمان تلك المساكن من الساكن. وتلك الكناية إشارة إلى شدة غضب الله تعالى على أهلها الأولين، بحيث تجاوز غضبه الساكنين إلى نفس المساكن، فعاقبها بالحرمان من الساكن؛ لأن بهجة المساكن سكانها.
وهذه الآية تُظْهِر تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم حين مر في طريقه إلى تبوك بحِجْر ثمود، فقال: ( لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين ) متفق عليه. أي: لا تدخلوا مساكن الظالمين والمتكبرين إلا حال كونكم خائفين، اقتصاراً على ضرورة المرور؛ ولئلا يتعرضوا إلى حقيقة السكنى، التي قدر الله انتفاءها بعد قومها، فربما قدر إهلاك من يسكنها تحقيقاً لقدره.
وهذه الآية الكريمة تقرر سنة باقية إلى يوم القيامة وهي أن بطر النعمة، وعدم الشكر عليها، هو سبب هلاك الناس؛ وبالتالي عليهم أن يحذروا من البطر والأشر، وعدم الشكر على ما أنعم الله عليهم من نِعَم، فيحل بهم الهلاك كما حل بالقرى التي يرونها ويعرفونها، ويرون مساكن أهلها الداثرين خاوية خالية، وبقيت شاخصة تحدث عن مصارع أهلها، وتروي قصة البطر بالنعمة، وقد فني أهلها فلم يخلفوا أحداً، ولم يرثها بعدهم أحد.
بيد أن من حكمته سبحانه ورحمته أن لا يعذب الأمم بمجرد تنكرها لأنعم الله عليها قبل إقامة الحجة عليها، بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ولهذا قال: { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا } (القصص:59)، وقال سبحانه: { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } (الإسراء:15)، فهذه أيضاً سنة إلهية سابقة لسنة الإهلاك.
ومع ختم الرسالات السماوية برسالة القرآن، وهو باق ما بقيت السماوات والأرض، فهو المنذر للناس أجمعين، وهو الحجة عليهم إلى يوم الدين؛ وبالتالي فلا عذر لأحد إن لم يتبع هدي هذا القرآن، ويحذر السنن الإلهية التي أقام الله عليها هذا الكون.
وعلى الجملة، فإن مقصود الآية الرئيس هو تحذير الناس من الترف المدمر للأمم والحضارات، والتجرد عن البطر الذي يؤدي إلى الهلاك، فكم من دول كانت ذات صولة وجولة، بيد أنها لما كفرت بأنعم الله أذاقها الله لباس الجوع والخوف، فأصبحت ضعيفة بعد أن كانت قوية، وفقيرة بعد أن كانت غنية. وهذه السنَّة كما تنطبق على الأمم والدول فإنها أيضاً سارية على مستوى الأفراد.
م
ومن الآيات الدالة على هذا المعنى، والتي نريد أن نلقي ظلالاً حولها، قوله تعالى: { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين } (القصص:85). فقد جاءت هذه الآية الكريمة عقب آية تُنْكِرُ وتوبِّخ أهل مكة جراء موقفهم السلبي من دعوة الإسلام، وذلك قوله سبحانه: { أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا } (القصص:57)، فبعد هذا التوبيخ والتقريع، يبيَّن سبحانه سُنَّة من سننه الإلهية، إنها سنة الإهلاك في الأرض، عقاباً للتكبر والتجبر.
والمراد بـ (القرية) في الآية ونحوها: (أهل القرية)؛ وخصَّ القرآن الكريم القرية بالذكر، دون ذكر أهلها - كما قال بعض المفسرين - لأن العبرة بها أوضح؛ لأنها إذا أُهلكت بقيت آثارها وأطلالها، ولم ينقطع خبرها من الأجيال الآتية بعدها. وقد يقال: إنما علق الإهلاك بالقرى للإشارة إلى أن شدة الإهلاك بحيث يأتي على القرى وأهلها، وهو الإهلاك بالحوادث التي لا تستقر معها الديار، بخلاف إهلاك الأمة فقد يكون بطاعون ونحوه، فلا يترك أثراً في القرى، وإنما يؤثر في أهلها فحسب.
و(البطر) هو التكبر، والفعل { بطرت } تضمن معنى (كفرت)؛ لأن البطر وهو التكبر يستلزم عدم اعتراف العبد بما يُسدى إليه من الخير. والمراد: بطرت حالة معيشتها، أي: نعمة عيشها.
ومعنى { لم تسكن من بعدهم }، أي: لم يتركوا فيها خَلَفاً لهم، وذلك كناية عن انقراضهم عن بكرة أبيهم.
وقوله سبحانه: { إلا قليلاً } أي: لم تسكن سكناً إلا سكناً قليلاً، والسكن القليل: هو مطلق الحلول بغير نية الإقامة، فهو إلمام يسير، لا سكنى تدوم. والمراد: أن تلك القرى لم تسكن إلا مقدار ما ينزل بها المسافر، لكن سرعان ما يرحل؛ وبالتالي فهي خالية خلاء لا يعمرها عامر، والله قدر بقاءها خالية؛ لتبقى عبرة وموعظة لمن أنكر نِعَم الله عليه، ولم يشكره عليها حق الشكر.
وقوله سبحانه: { وكنا نحن الوارثين } يفيد أن تلك القرية لم تسكن من بعدهم، فلا يحلُّ فيها قوم آخرون بعدهم، فعُبِّر عن تداول السكنى بالإرث من باب الاستعارة.
وقَصْر إرث تلك المساكن على الله تعالى حقيقي، أي: لا يرثها غيره سبحانه. وهو كناية عن حرمان تلك المساكن من الساكن. وتلك الكناية إشارة إلى شدة غضب الله تعالى على أهلها الأولين، بحيث تجاوز غضبه الساكنين إلى نفس المساكن، فعاقبها بالحرمان من الساكن؛ لأن بهجة المساكن سكانها.
وهذه الآية تُظْهِر تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم حين مر في طريقه إلى تبوك بحِجْر ثمود، فقال: ( لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين ) متفق عليه. أي: لا تدخلوا مساكن الظالمين والمتكبرين إلا حال كونكم خائفين، اقتصاراً على ضرورة المرور؛ ولئلا يتعرضوا إلى حقيقة السكنى، التي قدر الله انتفاءها بعد قومها، فربما قدر إهلاك من يسكنها تحقيقاً لقدره.
وهذه الآية الكريمة تقرر سنة باقية إلى يوم القيامة وهي أن بطر النعمة، وعدم الشكر عليها، هو سبب هلاك الناس؛ وبالتالي عليهم أن يحذروا من البطر والأشر، وعدم الشكر على ما أنعم الله عليهم من نِعَم، فيحل بهم الهلاك كما حل بالقرى التي يرونها ويعرفونها، ويرون مساكن أهلها الداثرين خاوية خالية، وبقيت شاخصة تحدث عن مصارع أهلها، وتروي قصة البطر بالنعمة، وقد فني أهلها فلم يخلفوا أحداً، ولم يرثها بعدهم أحد.
بيد أن من حكمته سبحانه ورحمته أن لا يعذب الأمم بمجرد تنكرها لأنعم الله عليها قبل إقامة الحجة عليها، بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ولهذا قال: { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا } (القصص:59)، وقال سبحانه: { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } (الإسراء:15)، فهذه أيضاً سنة إلهية سابقة لسنة الإهلاك.
ومع ختم الرسالات السماوية برسالة القرآن، وهو باق ما بقيت السماوات والأرض، فهو المنذر للناس أجمعين، وهو الحجة عليهم إلى يوم الدين؛ وبالتالي فلا عذر لأحد إن لم يتبع هدي هذا القرآن، ويحذر السنن الإلهية التي أقام الله عليها هذا الكون.
وعلى الجملة، فإن مقصود الآية الرئيس هو تحذير الناس من الترف المدمر للأمم والحضارات، والتجرد عن البطر الذي يؤدي إلى الهلاك، فكم من دول كانت ذات صولة وجولة، بيد أنها لما كفرت بأنعم الله أذاقها الله لباس الجوع والخوف، فأصبحت ضعيفة بعد أن كانت قوية، وفقيرة بعد أن كانت غنية. وهذه السنَّة كما تنطبق على الأمم والدول فإنها أيضاً سارية على مستوى الأفراد.
م