تبدأ في جنوب أفريقيا خلال الأيام القادمة مسابقة كأس العالم لكرة القدم التي تعدُّ أهمَّ مسابقة يقيمها الاتحِّاد الدَّولي لكرة القدم (الفيفا)، وتقام هذه المناسبة الرِّياضية مرَّة واحدةً كلَّ أربع سنوات منذ عام 1930م باستثناء عامي 1942م وَ 1946 م حيث ألغيتا بسبب الحرب العالمية الثَّانية.
وتبلغ التَّكلفة الإجمالية لتنظيم مباريات كأس العالم الحالية نحو ألف وخمسمائة مليون دولار حسب تصريحات مسؤولين في (الفيفا)، ويُشاع أنَّ موازنة مسابقة كأس العالم عام (2014) المزمع إقامتها في البرازيل سوف تتجاوز ضعف هذا المبلغ.
وهذه الأرقام المالية تفوق موازنات عدد من الدُّول الفقيرة، ولو استخدمت بطريقة صحيحة لعالجت جزءاً من مشكلة الفقر، ولأزاحت شيئاً من عبء الجوع، ولرفعت المرض والوباء عن كثير من البقاع، وحرست البيئة ممَّا تتعرَّض له عمداً أو تبعاً لأعمال أخرى، وقد يستخدم هذا المال لإشاعة السلم وتعميم الأمن في المناطق الملتهبة وما أكثرها.
وتجسَّر هذه المناسبة العلاقة بين دول العالم، وهذا التَّجسير لا بأس منه إذا احتفظنا بهُويتنا ومكوناتنا الثَّقافية وراعينا لوازمها باعتدادٍ وعزَّة. والملاحظ أنَّ كثيراً من الأطفال والشَّباب يعرفون الأندية العالمية واللاعبين، والشِّعارات ورَقصات الملاعب أكثر من معرفتهم لأعلامنا في القديم والحديث، وقد سألت عدداً من الشَّباب المفتونين بالكرة ولاعبيها أسئلة تاريخية يجيبها طالب الصَّف السَّادس فما أحسنوا الجواب عنها، وأخشى أن تحطِّم الكرة الولاء والبراء، وتذيب الفوارق الدِّينية، وتعيد ترتيب الأولويات، وتحيل الهمَّة إلى ملاعب الكرة دون ملاعب الأسنَّة وسبل العُلا.
وما أهون الأوقات التي تتهاوى أمام جاذبية هذا اللهو الموصوف زوراً بالبطولة، فساعات تموت مع المتابعة المباشرة، ومثلها تُزهق في المتابعة المسجَّلة، إضافة إلى وأد الزَّمن بتوقعات ما قبل المباراة، وتقييم ما بين الشَّوطين، وتحليل النَّتيجة النِّهائية؛ مع قياس أداء اللاعبين والمدَّربين والحكَّام والجمهور، وربَّما يأتي زمان يتحدَّثون فيه عن ملتقطي الكرة على جوانب الملعب. ولو أنَّ هذه الدَّقائق صرفت في محمدة لرأينا خيراً في ديننا ودنيانا.
وفي مقابل كأس الرِّجال يُقام كأس آخر للنِّساء، وقد أقيمت أول لعبة عام ( 1991) في الصِّين التي استضافت عاصمتها مؤتمر المرأة عام(1995)، وستكون المسابقة السَّادسة في ألمانيا عام (2011). ويوجد لبعض البلاد الإسلامية منتخبات نسائية! ولا أشك أنَّ المطالبين بالرِّياضة النِّسائية في السُّعودية هذه الأيام سيطالبون بمنتخب محلي لاحقا؛ وإن لم يتمكنوا أوصوا ورثة حوزتهم المغلقة في الإعلام والصَّحافة بأن يهيموا بهذه المعضلة التَّنموية الكبرى، ويشغلوا بها المجتمع، ويضغطوا على السِّياسي الذي ربَّما يكون في قابل الأيام أكثر انفتاحاً؛ وأشدَّ انعتاقاً من التَّبعات الدِّينية والاجتماعية، ولا بأس عندهم في تهييج العالم على الوطن لأجل منتخب نسوي؛ ومَنْ يدري فرُّبَّما يكون ذلك من الشُّروط الأساسية في أيِّ صفقة مستقبلية؟
وقد أحسنت النَّدوة العالمية للشَّباب الإسلامي ومجلة الجمعة النَّاطقة باللغة الإنجليزية يوم تعاونتا على التَّعريف بالإسلام من خلال المونديال العالمي، لعلَّ الله أن يهدي له أقواماً ويصحِّح النَّظرة إليه عند آخرين. وليت أنَّ أثرياء المسلمين يضربون بسهم وافر في هذا الباب المفتوح؛ من خلال الإعلانات داخل الملاعب، أوعبر القنوات الفضائية التي تنقل المباريات؛ وقد بلغ عددها عام (2006) أكثر من مائتي قناة، وفي ذلك دليل على ما يحظى به كأس العالم من متابعة، وقد شارف عدد مشاهدي نهائي كأس العالم(2006) على مليار ونصف المليار متفرج، وتقول الدِّراسات أنَّ عدد مَنْ شاهد جميع المباريات زاد عن أربعين مليار متفرج، فأين أهل الأموال عن هذا الخير؟ وفي مقابل إحسان مؤسساتنا الخيرية والإعلامية فقد أساءت القاعدة كثيراً بتهديداتها لهذا التَّجمع، فاللهم ألهمنا وإيِّاهم الرُّشد.
وفي هذا المحفل العالمي سانحة أخرى لمؤسسات "المجتمع المدني" النَّزيهة والحرَّة، فالعالم يغلي من جرَّاء الهجوم اليهودي على أسطول الحرية؛ وقتل وجرح وإهانة الشُّرفاء على متنه، فهل تنهض هذه المؤسسات بسرعة لاستثمار هذا الحدث؛ وفضح الصَّلف الإسرائيلي، واستهجان الاحتلال والحصار، وتنظيم أساطيل أخرى يشارك فيها واحد على الأقلِّ من كلِّ دولة؟
27/6/1431 هـ
آحمد بن عبد المحسن العسآف
مآآآآآجى
وتبلغ التَّكلفة الإجمالية لتنظيم مباريات كأس العالم الحالية نحو ألف وخمسمائة مليون دولار حسب تصريحات مسؤولين في (الفيفا)، ويُشاع أنَّ موازنة مسابقة كأس العالم عام (2014) المزمع إقامتها في البرازيل سوف تتجاوز ضعف هذا المبلغ.
وهذه الأرقام المالية تفوق موازنات عدد من الدُّول الفقيرة، ولو استخدمت بطريقة صحيحة لعالجت جزءاً من مشكلة الفقر، ولأزاحت شيئاً من عبء الجوع، ولرفعت المرض والوباء عن كثير من البقاع، وحرست البيئة ممَّا تتعرَّض له عمداً أو تبعاً لأعمال أخرى، وقد يستخدم هذا المال لإشاعة السلم وتعميم الأمن في المناطق الملتهبة وما أكثرها.
وتجسَّر هذه المناسبة العلاقة بين دول العالم، وهذا التَّجسير لا بأس منه إذا احتفظنا بهُويتنا ومكوناتنا الثَّقافية وراعينا لوازمها باعتدادٍ وعزَّة. والملاحظ أنَّ كثيراً من الأطفال والشَّباب يعرفون الأندية العالمية واللاعبين، والشِّعارات ورَقصات الملاعب أكثر من معرفتهم لأعلامنا في القديم والحديث، وقد سألت عدداً من الشَّباب المفتونين بالكرة ولاعبيها أسئلة تاريخية يجيبها طالب الصَّف السَّادس فما أحسنوا الجواب عنها، وأخشى أن تحطِّم الكرة الولاء والبراء، وتذيب الفوارق الدِّينية، وتعيد ترتيب الأولويات، وتحيل الهمَّة إلى ملاعب الكرة دون ملاعب الأسنَّة وسبل العُلا.
وما أهون الأوقات التي تتهاوى أمام جاذبية هذا اللهو الموصوف زوراً بالبطولة، فساعات تموت مع المتابعة المباشرة، ومثلها تُزهق في المتابعة المسجَّلة، إضافة إلى وأد الزَّمن بتوقعات ما قبل المباراة، وتقييم ما بين الشَّوطين، وتحليل النَّتيجة النِّهائية؛ مع قياس أداء اللاعبين والمدَّربين والحكَّام والجمهور، وربَّما يأتي زمان يتحدَّثون فيه عن ملتقطي الكرة على جوانب الملعب. ولو أنَّ هذه الدَّقائق صرفت في محمدة لرأينا خيراً في ديننا ودنيانا.
وفي مقابل كأس الرِّجال يُقام كأس آخر للنِّساء، وقد أقيمت أول لعبة عام ( 1991) في الصِّين التي استضافت عاصمتها مؤتمر المرأة عام(1995)، وستكون المسابقة السَّادسة في ألمانيا عام (2011). ويوجد لبعض البلاد الإسلامية منتخبات نسائية! ولا أشك أنَّ المطالبين بالرِّياضة النِّسائية في السُّعودية هذه الأيام سيطالبون بمنتخب محلي لاحقا؛ وإن لم يتمكنوا أوصوا ورثة حوزتهم المغلقة في الإعلام والصَّحافة بأن يهيموا بهذه المعضلة التَّنموية الكبرى، ويشغلوا بها المجتمع، ويضغطوا على السِّياسي الذي ربَّما يكون في قابل الأيام أكثر انفتاحاً؛ وأشدَّ انعتاقاً من التَّبعات الدِّينية والاجتماعية، ولا بأس عندهم في تهييج العالم على الوطن لأجل منتخب نسوي؛ ومَنْ يدري فرُّبَّما يكون ذلك من الشُّروط الأساسية في أيِّ صفقة مستقبلية؟
وقد أحسنت النَّدوة العالمية للشَّباب الإسلامي ومجلة الجمعة النَّاطقة باللغة الإنجليزية يوم تعاونتا على التَّعريف بالإسلام من خلال المونديال العالمي، لعلَّ الله أن يهدي له أقواماً ويصحِّح النَّظرة إليه عند آخرين. وليت أنَّ أثرياء المسلمين يضربون بسهم وافر في هذا الباب المفتوح؛ من خلال الإعلانات داخل الملاعب، أوعبر القنوات الفضائية التي تنقل المباريات؛ وقد بلغ عددها عام (2006) أكثر من مائتي قناة، وفي ذلك دليل على ما يحظى به كأس العالم من متابعة، وقد شارف عدد مشاهدي نهائي كأس العالم(2006) على مليار ونصف المليار متفرج، وتقول الدِّراسات أنَّ عدد مَنْ شاهد جميع المباريات زاد عن أربعين مليار متفرج، فأين أهل الأموال عن هذا الخير؟ وفي مقابل إحسان مؤسساتنا الخيرية والإعلامية فقد أساءت القاعدة كثيراً بتهديداتها لهذا التَّجمع، فاللهم ألهمنا وإيِّاهم الرُّشد.
وفي هذا المحفل العالمي سانحة أخرى لمؤسسات "المجتمع المدني" النَّزيهة والحرَّة، فالعالم يغلي من جرَّاء الهجوم اليهودي على أسطول الحرية؛ وقتل وجرح وإهانة الشُّرفاء على متنه، فهل تنهض هذه المؤسسات بسرعة لاستثمار هذا الحدث؛ وفضح الصَّلف الإسرائيلي، واستهجان الاحتلال والحصار، وتنظيم أساطيل أخرى يشارك فيها واحد على الأقلِّ من كلِّ دولة؟
27/6/1431 هـ
آحمد بن عبد المحسن العسآف
مآآآآآجى