القرآن واكتساب ملكة اللسان
يأتي في قمة الكلام الفصيح البليغ: القرآن الكريم، الذي أنزله الله عز وجل بلسان عربي مبين، وبلغ من الفصاحة والبلاغة ما يعجز عن الإتيان بمثله البلغاء، وتقصر عنه همة الفصحاء، وقد قال الله عز وجل: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } (الإسراء: 88).
وقد قرر أهل العلم أهمية حفظ القرآن الكريم وتلاوته في اكتساب الملكة اللسانية، وتنمية مهاراتها، وممن ذكر ذلك ضياء الدين ابن الأثير، والطوفي، وشهاب الدين الحلبي، وابن الأثير الحلبي، والقلقشندي.
ويذكر ابن خلدون شواهد على ذلك، فيقول بعد أن قرر أن حصول الملكة اللسانية بكثرة المحفوظ، وجودتُه بجودتِه: ( ويظهر لك من هذا الفصل وما تقرر فيه سر آخر، وهو إعطاء السبب في أن كلام الإسلاميين من العرب أعلى طبقة في البلاغة وأذواقها من كلام الجاهلية، في منثورهم ومنظومهم. فإنا نجد شعر حسان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والحطيئة وجرير والفرزدق ونصيب وغيلان ذي الرمة والأحوص وبشار، ثم كلام السلف من العرب في الدولة الأموية وصدرًا من الدولة العباسية، في خطبهم وترسيلهم ومحاوراتهم للملوك أرفع طبقة في البلاغة بكثير من شعر النابغة وعنترة وابن كلثوم وزهير وعلقمة بن عبدة وطرفة بن العبد، ومن كلام الجاهلية في منثورهم ومحاوراتهم. والطبع السليم والذوق الصحيح شاهدان بذلك للناقد البصير بالبلاغة.
والسبب في ذلك أن هؤلاء الذين أدركوا الإسلام سمعوا الطبقة العالية من الكلام في القرآن والحديث، اللذين عجز البشر عن الإتيان بمثليهما، لكونها ولجت في قلوبهم ونشأت على أساليبها نفوسهم، فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة على ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية، ممن لم يسمع هذه الطبقة ولا نشأ عليها، فكان كلامهم في نظمهم ونثرهم أحسن ديباجة وأصفى رونقًا من أولئك، وأرصف مبنى وأعدل تثقيفًا بما استفادوه من الكلام العالي الطبقة. وتأمل ذلك يشهد لك به ذوقك إن كنت من أهل الذوق والتبصر بالبلاغة.
ولقد سألت يوماً شيخنا الشريف أبا القاسم قاضي غرناطة لعهدنا، وكان شيخ هذه الصناعة، أخذ بسبتة عن جماعة من مشيختها من تلاميذ الشلوبين، واستبحر في علم اللسان وجاء من وراء الغاية فيه، فسألته يومًا: ما بال العرب الإسلاميين أعلى طبقة في البلاغة من الجاهليين، ولم يكن ليستنكر ذلك بذوقه، فسكت طويلاً ثم قال لي: والله ما أدري! فقلت له: أعرض عليك شيئًا ظهر لي في ذلك، ولعله السبب فيه. وذكرت له هذا الذي كتبت، فسكت معجبًا، ثم قال لي: يا فقيه هذا الكلام من حقه أن يكتب بالذهب ).
ويؤكد أهمية حفظ القرآن وتلاوته في اكتساب الملكة اللسانية المتخصصون في التربية وطرق تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية وغيرهم.
كما تؤكده الدراسات الميدانية والبحوث والأوراق المتخصصة في الموضوع، التي أظهرت نتائج مهمة.
يوسف بن عبد الله العليوي
أثر تعلم القرآن الكريم
في اكتساب الملكة اللسانية
يأتي في قمة الكلام الفصيح البليغ: القرآن الكريم، الذي أنزله الله عز وجل بلسان عربي مبين، وبلغ من الفصاحة والبلاغة ما يعجز عن الإتيان بمثله البلغاء، وتقصر عنه همة الفصحاء، وقد قال الله عز وجل: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } (الإسراء: 88).
وقد قرر أهل العلم أهمية حفظ القرآن الكريم وتلاوته في اكتساب الملكة اللسانية، وتنمية مهاراتها، وممن ذكر ذلك ضياء الدين ابن الأثير، والطوفي، وشهاب الدين الحلبي، وابن الأثير الحلبي، والقلقشندي.
ويذكر ابن خلدون شواهد على ذلك، فيقول بعد أن قرر أن حصول الملكة اللسانية بكثرة المحفوظ، وجودتُه بجودتِه: ( ويظهر لك من هذا الفصل وما تقرر فيه سر آخر، وهو إعطاء السبب في أن كلام الإسلاميين من العرب أعلى طبقة في البلاغة وأذواقها من كلام الجاهلية، في منثورهم ومنظومهم. فإنا نجد شعر حسان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والحطيئة وجرير والفرزدق ونصيب وغيلان ذي الرمة والأحوص وبشار، ثم كلام السلف من العرب في الدولة الأموية وصدرًا من الدولة العباسية، في خطبهم وترسيلهم ومحاوراتهم للملوك أرفع طبقة في البلاغة بكثير من شعر النابغة وعنترة وابن كلثوم وزهير وعلقمة بن عبدة وطرفة بن العبد، ومن كلام الجاهلية في منثورهم ومحاوراتهم. والطبع السليم والذوق الصحيح شاهدان بذلك للناقد البصير بالبلاغة.
والسبب في ذلك أن هؤلاء الذين أدركوا الإسلام سمعوا الطبقة العالية من الكلام في القرآن والحديث، اللذين عجز البشر عن الإتيان بمثليهما، لكونها ولجت في قلوبهم ونشأت على أساليبها نفوسهم، فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة على ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية، ممن لم يسمع هذه الطبقة ولا نشأ عليها، فكان كلامهم في نظمهم ونثرهم أحسن ديباجة وأصفى رونقًا من أولئك، وأرصف مبنى وأعدل تثقيفًا بما استفادوه من الكلام العالي الطبقة. وتأمل ذلك يشهد لك به ذوقك إن كنت من أهل الذوق والتبصر بالبلاغة.
ولقد سألت يوماً شيخنا الشريف أبا القاسم قاضي غرناطة لعهدنا، وكان شيخ هذه الصناعة، أخذ بسبتة عن جماعة من مشيختها من تلاميذ الشلوبين، واستبحر في علم اللسان وجاء من وراء الغاية فيه، فسألته يومًا: ما بال العرب الإسلاميين أعلى طبقة في البلاغة من الجاهليين، ولم يكن ليستنكر ذلك بذوقه، فسكت طويلاً ثم قال لي: والله ما أدري! فقلت له: أعرض عليك شيئًا ظهر لي في ذلك، ولعله السبب فيه. وذكرت له هذا الذي كتبت، فسكت معجبًا، ثم قال لي: يا فقيه هذا الكلام من حقه أن يكتب بالذهب ).
ويؤكد أهمية حفظ القرآن وتلاوته في اكتساب الملكة اللسانية المتخصصون في التربية وطرق تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية وغيرهم.
كما تؤكده الدراسات الميدانية والبحوث والأوراق المتخصصة في الموضوع، التي أظهرت نتائج مهمة.
يوسف بن عبد الله العليوي
أثر تعلم القرآن الكريم
في اكتساب الملكة اللسانية