الشهيد
فضل , ومنزلة , وأحكام
قوافل شهدائنا تسير إلى الله في الخالدين لا تتوقف ، هو وعد خالد ومسيرة نابضة ، غالية في عظمها وتهون في سبيلها التضحيات إنها دعوة الإسلام ، دعوة الحق والخير، دعوة إزهاق الباطل وإعلاء كلمة الله ، ولأنها العظيمة الخالدة كان لا بد أن يكون أغلى مَن نحب في مقدمة مَن يرتقون لربهم حبا وشوقا على عجل ، يطلبونها بصدق ويوفون عهودهم .
يقول الله تعالى في سورة البقرة
حياةٌ ثانية بعد الموت عند الله عز وجل لا نشعر بهم لكن حسبنا أنه وعد الله الحق ، ابتلاء يسير خوف وجوع ونقص في الأموال والأنفس لتكون البشرى لمن يصبر، لمن تصيبهم المصائب ويقولون إنا لله وإنا إليه راجعون، هؤلاء الصابرون عليهم صلوات من الله ورحمة وما أجزله من ثواب ويختم عليهم أنهم أهل الهدى والهداية ابتلينا بأنواع الابتلاء كله وهذا وعد الله فلنصبر ونكن أهلا للثواب الذي أعده الله لنا والعون الذي يمده الله للمجاهدين في سبيله
أحياء عند الله
يكرر الله الخطاب في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ويعلمنا أنهم يُرزقون بما لا نعلم وما لم نرى ، هم الآن فرحون يسعدون بما آتاهم الله ، موقنون أن الله لن يضيع أجر عباده وأنهم لاحقون بمن سبقهم مهما طال الزمن ولكن بشروط : الصبر والثبات والعمل والإخلاص ، أما مَن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيضيع أجره السابق. هذا حسبنا
قال تعالى : "وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّه كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ" آل عمران 154
والشهادة في الإسلام عن طريق الموت في سبيل الله من خلال الجهاد والفتوحات الإسلامية أو الدفاع عن المعتقدات الدينية الصحيحة والتي تمس بسوء من الخارجين عن الدين أو الدفاع عن النفس والمال والأهل والوطن .
ويكفي شرفا وحبا للجهاد تمني الرسول صلى الله عليه وسلم للجهاد في كل لحظة وهو الذي غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر .
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة ,
والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم لونه لون دم وريحه مسك ,
والذي نفس محمد بيده لولا أن يُشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا , ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني , والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل " رواه البخاري ومسلم .
وقال عليّ رضي الله عنه : كنا إذا احمرّ البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه. رواه الإمام أحمد وغيره.
أنواع الشهداء :
قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: " أو ما القتل إلا في سبيل الله؟ !إن شهداءَ أمتي إذاً لقليل!إن الطعنَ لشهادةٌ، والبطنَ شهادةٌ، والطاعونَ شهادةٌ، والنفساءَ بجمع شهادةٌ، والحَرَقَ شهادةٌ، والغَرَقَ شهادةٌ، وذات الجنْبِ شهادة "رواه الطبراني
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " من سألَ اللهَ الشَّهادةَ بِصِدقٍ، بلَّغَهُ الله منازِلَ الشُّهداءِ، وإن ماتَ على فراشِه " مسلم .
وهذا لان الأعمال بالنيات ومن كانت نيته صادقة لله عز وجل في نيل الشهادة والتضحية بالنفس في سبيل الله فإن الله يعطيه إياها وإن مات على فراشه دون قتال
وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من عدم تحديث النفس بالجهاد
عن سعيد بن زيد واللفظ للترمذي قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. " حديث حسن صحيح.
منزلة الشهيد في الإسلام :
للشهيد مكانة عالية ومنزلة رفيعة في الاسلام وعند الله عز وجل تخصه عند لحظة خروج روحه الى بارئها ودخوله الجنة وتخص اهله من بعده كرامة له على فضله وتقربه من الله عز وجل وتضحيته باغلى شيء عنده الا وهي حياته من اجل اعلاء كلمة الحق والدفاع عن الدين
وللشهيد كرامة خاصة لحظة موته
فهو لا يشعر بأي ألم من طعنات او سيوف او قذائف او جروح لأنه عندما تزهق روحه لا يشعر بأي ألم كما بشر بذلك رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة -رضى الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة " رواه الترمذي وقال حسن صحيح
وللشهيد سبع خصال وهي :
عن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " للشهيد عند الله سبع خصال :
يغفر له في أول دفعة من دمه ،ويرى مقعده من الجنة ،ويجار من عذاب القبر ،ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ،ويشفع في سبعين من أقاربه "
رواه الترمذي وابن ماجه ,صححه الألباني .
حقا لا شيء أفضل من هذا الثواب وتلك المنزلة العظيمة فقد سعد بها دنيا وآخرة وأسعد من بعده من أهله
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟
قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة . رواه النسائي .
ولكن هل هذا فقط ما يناله الشهيد عند الله عز وجل ؟
كلا فالأجر والعطاء مازال مستمرا من الله عز وجل
لما قُتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جابر ألا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك ؟
قلت: بلى . قال: ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وكلّم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي تمنّ عليّ أعطك.
قال : يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية ! قال : إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال : يا رب فأبلغ من ورائي،
فأنزل الله عز وجل هذه الآية {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه.
هذا الشهيد تحديدا له منزلة خاصة ومكانة كبيرة وكرامة من الله سبحانه وتعالى حيث انه كلمه من غير حجاب أي كفاحا دون حائل ولا بواسطة رسول او ملك وعندما سأله الله عز وجل أن يتمنى فيعطيه الله من فيض كرمه ماذا طلب . انه طلب العودة إلى الدنيا مرة أخرى بل ومرات عديدة ولكن
هل طلبه حبا فيها وتمسكا بها ؟
كلا فلو انه كان له ملك الدنيا كلها ما أحب الرجوع إليها ولكنه تمنى هذا كي يعود إليها يقاتل في سبيل الله فيقتل ثم يعود ويقاتل في سبيل الله ويقتل من عظم شرف الجهاد في سبيل الله ولكي يخبر أهلها عن فضل ومكانة الشهيد في الدار الآخرة .
قال تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ،فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ،يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } آل عمران 169- 171
أحياء بكل معنى الكلمة فهم يشعرون ويستبشرون ويفرحون ويبلغون من خلفهم أنهم في أفضل حال , بل ويطمئنون من خلفهم ألا خوف ولا حزن بعد اليوم .
والآية توضح أن الشهداء مازالوا أحياء لم ينفصلوا عن إخوانهم المجاهدين في سبيل الله أو أهليهم ولم تنقطع صلتهم بهم فهم يبشرون أهل الدنيا بما أعده الله لهم في جنته .
فهل يوجد ميت يطمئن حي ؟
إنما يأتي ذلك من الأحياء لبعضهم البعض , ولأن الشهيد مازال حيا فهو يطمئن السائرين على طريق الجهاد أن ما قد وجده الشهيد عند ربه من حياة خير ومبشر ومطمئن فهلم إلى الحياة الجديدة الأفضل والأكثر خيرا وأمنا من الحياة الدنيا ,
وجاهدوا في سبيل الله لأن الله لا يضيع اجر من أحسن عملا .
وكما علمنا أن للشهيد حياة كاملة في الجنة فهو منعم فيها في حلق طير من طيورها يسيح فيها حيث يشاء
فمال الذي بقي من خصائص الحياة غير متحققة للشهيد ؟
وما الذي يفصله عن إخوانه الذين لم يلحقوا به من خلفه ؟
وما الذي يجعل تلك النقلة من حياة الدنيا إلى الحياة الآخرة حسرة وفقدان ووحشة وألم في نفوس الذين لم يلحقوا به ؟
وما الذي لا يجعلنا جميعا نتمنى الشهادة ونحرص عليها ونعزم النية عليها فننالها وإن متنا على فراشنا ؟
وما الذي لا يجعلنا نغبط الذين نالوها قبلنا وتركوا حياتنا الدنيا إلى الحياة الأفضل والنعيم المقيم ؟
وللشهيد حياة أخرى والدليل على انه حي :
الميت يغسل والشهيد لا يغسل , والميت يكفن والشهيد لا يكفن
والحكمة من عدم الغسل هنا : أن الغسل تطهير لجسد الميت كي يقابل ربه على طهر , ولكن الشهيد طاهر .
و ثيابهم التي كانوا يلبسونها وهم أحياء هي نفسها التي يقابلون الله بها لأنهم مازالوا أحياء
وهذه الأحكام تخص شهيد المعركة الذي مات أثناء القتال .
قال الشّافعيّة : يحرم غسل الشّهيد والصّلاة عليه لأنّه حيّ بنصّ القرآن ، ولما ورد عن جابر :
« أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد بدفنهم ، ولم يغسّلوا ولم يصلّ عليهم » .
وجاء من وجوه متواترة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يصلّ عليهم وقال في قتلى أحد : « زمّلوهم بدمائهم »
ولعلّ ترك الغسل والصّلاة على من قتله جماعة المشركين إرادة أن يلقوا اللّه جلّ وعزّ بكلومهم لما جاء فيه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أنّ ريح الكلم ريح المسك واللّون لون الدّم » واستغنوا بكرامة اللّه جلّ وعزّ عن الصّلاة لهم .
والحكمة في ذلك : إبقاء أثر الشّهادة عليهم والتّعظيم لهم باستغنائهم عن دعاء القوم .
وورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « ليس شيء أحبّ إلى اللّه من قطرتين وأثرين قطرة من دموع في خشية اللّه ، وقطرة دم تهراق في سبيل اللّه ، أمّا الأثران فأثر في سبيل اللّه، وأثر في فريضة من فرائض اللّه » . رواه الترمذي
تنبيه عدم إطلاق كلمة شهيد على شخص بعينه :
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((الله أعلم بمن يجاهد في سبيله والله أعلم بمن يكلم في سبيله ))
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً ، وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ
فَقَالَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ , قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ , قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ,
فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ ؟
قَالَ الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِه فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)).
قال الشيخ بن عثيميين في هذه المسألة أن الشهادة لأحد بأنه شهيد تكون على وجهين :
أحدهما : أن تقيد بوصف مثل أن يقال : كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد، ونحو ذلك، فهذا جائز كما جاءت به النصوص، لأنك تشهد بما أخبر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونعني بقولنا :ـ جائز ـ أنه غير ممنوع وإن كانت الشهادة بذلك واجبة تصديقاً لخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
الثاني : أن تقيد الشهادة بشخص معين مثل أن تقول لشخص بعينه : إنه شهيد، فهذا لا يجوز إلا لمن شهد له النبي، صلى الله عليه وسلم، أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك
م
فضل , ومنزلة , وأحكام
قوافل شهدائنا تسير إلى الله في الخالدين لا تتوقف ، هو وعد خالد ومسيرة نابضة ، غالية في عظمها وتهون في سبيلها التضحيات إنها دعوة الإسلام ، دعوة الحق والخير، دعوة إزهاق الباطل وإعلاء كلمة الله ، ولأنها العظيمة الخالدة كان لا بد أن يكون أغلى مَن نحب في مقدمة مَن يرتقون لربهم حبا وشوقا على عجل ، يطلبونها بصدق ويوفون عهودهم .
يقول الله تعالى في سورة البقرة
حياةٌ ثانية بعد الموت عند الله عز وجل لا نشعر بهم لكن حسبنا أنه وعد الله الحق ، ابتلاء يسير خوف وجوع ونقص في الأموال والأنفس لتكون البشرى لمن يصبر، لمن تصيبهم المصائب ويقولون إنا لله وإنا إليه راجعون، هؤلاء الصابرون عليهم صلوات من الله ورحمة وما أجزله من ثواب ويختم عليهم أنهم أهل الهدى والهداية ابتلينا بأنواع الابتلاء كله وهذا وعد الله فلنصبر ونكن أهلا للثواب الذي أعده الله لنا والعون الذي يمده الله للمجاهدين في سبيله
أحياء عند الله
يكرر الله الخطاب في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ويعلمنا أنهم يُرزقون بما لا نعلم وما لم نرى ، هم الآن فرحون يسعدون بما آتاهم الله ، موقنون أن الله لن يضيع أجر عباده وأنهم لاحقون بمن سبقهم مهما طال الزمن ولكن بشروط : الصبر والثبات والعمل والإخلاص ، أما مَن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيضيع أجره السابق. هذا حسبنا
قال تعالى : "وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّه كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ" آل عمران 154
والشهادة في الإسلام عن طريق الموت في سبيل الله من خلال الجهاد والفتوحات الإسلامية أو الدفاع عن المعتقدات الدينية الصحيحة والتي تمس بسوء من الخارجين عن الدين أو الدفاع عن النفس والمال والأهل والوطن .
ويكفي شرفا وحبا للجهاد تمني الرسول صلى الله عليه وسلم للجهاد في كل لحظة وهو الذي غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر .
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة ,
والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم لونه لون دم وريحه مسك ,
والذي نفس محمد بيده لولا أن يُشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا , ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني , والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل " رواه البخاري ومسلم .
وقال عليّ رضي الله عنه : كنا إذا احمرّ البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه. رواه الإمام أحمد وغيره.
أنواع الشهداء :
قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: " أو ما القتل إلا في سبيل الله؟ !إن شهداءَ أمتي إذاً لقليل!إن الطعنَ لشهادةٌ، والبطنَ شهادةٌ، والطاعونَ شهادةٌ، والنفساءَ بجمع شهادةٌ، والحَرَقَ شهادةٌ، والغَرَقَ شهادةٌ، وذات الجنْبِ شهادة "رواه الطبراني
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " من سألَ اللهَ الشَّهادةَ بِصِدقٍ، بلَّغَهُ الله منازِلَ الشُّهداءِ، وإن ماتَ على فراشِه " مسلم .
وهذا لان الأعمال بالنيات ومن كانت نيته صادقة لله عز وجل في نيل الشهادة والتضحية بالنفس في سبيل الله فإن الله يعطيه إياها وإن مات على فراشه دون قتال
وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من عدم تحديث النفس بالجهاد
عن سعيد بن زيد واللفظ للترمذي قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. " حديث حسن صحيح.
منزلة الشهيد في الإسلام :
للشهيد مكانة عالية ومنزلة رفيعة في الاسلام وعند الله عز وجل تخصه عند لحظة خروج روحه الى بارئها ودخوله الجنة وتخص اهله من بعده كرامة له على فضله وتقربه من الله عز وجل وتضحيته باغلى شيء عنده الا وهي حياته من اجل اعلاء كلمة الحق والدفاع عن الدين
وللشهيد كرامة خاصة لحظة موته
فهو لا يشعر بأي ألم من طعنات او سيوف او قذائف او جروح لأنه عندما تزهق روحه لا يشعر بأي ألم كما بشر بذلك رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة -رضى الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة " رواه الترمذي وقال حسن صحيح
وللشهيد سبع خصال وهي :
عن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " للشهيد عند الله سبع خصال :
يغفر له في أول دفعة من دمه ،ويرى مقعده من الجنة ،ويجار من عذاب القبر ،ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ،ويشفع في سبعين من أقاربه "
رواه الترمذي وابن ماجه ,صححه الألباني .
حقا لا شيء أفضل من هذا الثواب وتلك المنزلة العظيمة فقد سعد بها دنيا وآخرة وأسعد من بعده من أهله
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟
قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة . رواه النسائي .
ولكن هل هذا فقط ما يناله الشهيد عند الله عز وجل ؟
كلا فالأجر والعطاء مازال مستمرا من الله عز وجل
لما قُتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جابر ألا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك ؟
قلت: بلى . قال: ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وكلّم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي تمنّ عليّ أعطك.
قال : يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية ! قال : إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال : يا رب فأبلغ من ورائي،
فأنزل الله عز وجل هذه الآية {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه.
هذا الشهيد تحديدا له منزلة خاصة ومكانة كبيرة وكرامة من الله سبحانه وتعالى حيث انه كلمه من غير حجاب أي كفاحا دون حائل ولا بواسطة رسول او ملك وعندما سأله الله عز وجل أن يتمنى فيعطيه الله من فيض كرمه ماذا طلب . انه طلب العودة إلى الدنيا مرة أخرى بل ومرات عديدة ولكن
هل طلبه حبا فيها وتمسكا بها ؟
كلا فلو انه كان له ملك الدنيا كلها ما أحب الرجوع إليها ولكنه تمنى هذا كي يعود إليها يقاتل في سبيل الله فيقتل ثم يعود ويقاتل في سبيل الله ويقتل من عظم شرف الجهاد في سبيل الله ولكي يخبر أهلها عن فضل ومكانة الشهيد في الدار الآخرة .
قال تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ،فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ،يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } آل عمران 169- 171
أحياء بكل معنى الكلمة فهم يشعرون ويستبشرون ويفرحون ويبلغون من خلفهم أنهم في أفضل حال , بل ويطمئنون من خلفهم ألا خوف ولا حزن بعد اليوم .
والآية توضح أن الشهداء مازالوا أحياء لم ينفصلوا عن إخوانهم المجاهدين في سبيل الله أو أهليهم ولم تنقطع صلتهم بهم فهم يبشرون أهل الدنيا بما أعده الله لهم في جنته .
فهل يوجد ميت يطمئن حي ؟
إنما يأتي ذلك من الأحياء لبعضهم البعض , ولأن الشهيد مازال حيا فهو يطمئن السائرين على طريق الجهاد أن ما قد وجده الشهيد عند ربه من حياة خير ومبشر ومطمئن فهلم إلى الحياة الجديدة الأفضل والأكثر خيرا وأمنا من الحياة الدنيا ,
وجاهدوا في سبيل الله لأن الله لا يضيع اجر من أحسن عملا .
وكما علمنا أن للشهيد حياة كاملة في الجنة فهو منعم فيها في حلق طير من طيورها يسيح فيها حيث يشاء
فمال الذي بقي من خصائص الحياة غير متحققة للشهيد ؟
وما الذي يفصله عن إخوانه الذين لم يلحقوا به من خلفه ؟
وما الذي يجعل تلك النقلة من حياة الدنيا إلى الحياة الآخرة حسرة وفقدان ووحشة وألم في نفوس الذين لم يلحقوا به ؟
وما الذي لا يجعلنا جميعا نتمنى الشهادة ونحرص عليها ونعزم النية عليها فننالها وإن متنا على فراشنا ؟
وما الذي لا يجعلنا نغبط الذين نالوها قبلنا وتركوا حياتنا الدنيا إلى الحياة الأفضل والنعيم المقيم ؟
وللشهيد حياة أخرى والدليل على انه حي :
الميت يغسل والشهيد لا يغسل , والميت يكفن والشهيد لا يكفن
والحكمة من عدم الغسل هنا : أن الغسل تطهير لجسد الميت كي يقابل ربه على طهر , ولكن الشهيد طاهر .
و ثيابهم التي كانوا يلبسونها وهم أحياء هي نفسها التي يقابلون الله بها لأنهم مازالوا أحياء
وهذه الأحكام تخص شهيد المعركة الذي مات أثناء القتال .
قال الشّافعيّة : يحرم غسل الشّهيد والصّلاة عليه لأنّه حيّ بنصّ القرآن ، ولما ورد عن جابر :
« أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد بدفنهم ، ولم يغسّلوا ولم يصلّ عليهم » .
وجاء من وجوه متواترة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يصلّ عليهم وقال في قتلى أحد : « زمّلوهم بدمائهم »
ولعلّ ترك الغسل والصّلاة على من قتله جماعة المشركين إرادة أن يلقوا اللّه جلّ وعزّ بكلومهم لما جاء فيه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أنّ ريح الكلم ريح المسك واللّون لون الدّم » واستغنوا بكرامة اللّه جلّ وعزّ عن الصّلاة لهم .
والحكمة في ذلك : إبقاء أثر الشّهادة عليهم والتّعظيم لهم باستغنائهم عن دعاء القوم .
وورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « ليس شيء أحبّ إلى اللّه من قطرتين وأثرين قطرة من دموع في خشية اللّه ، وقطرة دم تهراق في سبيل اللّه ، أمّا الأثران فأثر في سبيل اللّه، وأثر في فريضة من فرائض اللّه » . رواه الترمذي
تنبيه عدم إطلاق كلمة شهيد على شخص بعينه :
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((الله أعلم بمن يجاهد في سبيله والله أعلم بمن يكلم في سبيله ))
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً ، وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ
فَقَالَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ , قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ , قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ,
فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ ؟
قَالَ الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِه فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)).
قال الشيخ بن عثيميين في هذه المسألة أن الشهادة لأحد بأنه شهيد تكون على وجهين :
أحدهما : أن تقيد بوصف مثل أن يقال : كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد، ونحو ذلك، فهذا جائز كما جاءت به النصوص، لأنك تشهد بما أخبر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونعني بقولنا :ـ جائز ـ أنه غير ممنوع وإن كانت الشهادة بذلك واجبة تصديقاً لخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
الثاني : أن تقيد الشهادة بشخص معين مثل أن تقول لشخص بعينه : إنه شهيد، فهذا لا يجوز إلا لمن شهد له النبي، صلى الله عليه وسلم، أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك
م