أنا فتاة في 23 من العمر.. لدي علاقة قوية مع صديقات الدراسة في المرحلة الثانوية
كنا اربع بنات.. معروفات بشدة تعلقنا ببعض.. لم يرد الله أن يكون لي أخت في هذه الحياة فكانوا هم خواتي وصديقاتي
في المرحلة الثانوية كنت خائفة جدا أن يأتي يوم ونفترق .. كما يقال بعيد عن العين بعيد عن القلب
وما كنت اخافه حصل .. فواحده منا فارقة المجموعة لانها تعرفت على زميلات آخريات بالجامعة التي هي بها وفضلتهم علينا .. كانت تتهرب منا ومن مكالماتنا .. بقينا نحن الثلاثة حزنا جدا على بعدها عنا ولكن هذا اختيارها وهي تتحمله في النهاية ..
الآن عاد لي نفس الخوف والسبب .. أن واحده من صديقاتي المتبقيات هي متزوجة وأم لولد .. وتحب زوجها جدا فهو ابن خالتها وتزوجا عن قصة حب طويله
ولكن اصبحت جدا منغمسة في حياتها الزوجية بين زوجها وولدها وعملها.
ما يحزنني أني اتلمس لها العذر كثيرا .. واعلم انها تحبني ولا تود أن نخسر هذه الصداقه ولكن يحزنني عندما ارى كيف كنا وكيف أصبحنا .. فأصبحنا الآن بالاشهر لا نكلم بعض .. وأن لم أكون البادئة في الاتصال هي تنسى ولا تتصل ..
وأيضا يضايقني أنه بسبب شده تعلقها بزوجها وانصهارها به عندما أتصل بها لأكلمها ويكون هو على الخط ايضا يتصل بها دائما تعتذر وتغلق السماعة لأنه كما تقول لا يحب أن لا ترد على مكالماته
أعلم أنه من الطبيعي أن تنشغل المرأه بعد الزواج ويكون لها مسؤوليات أخرى عدا صديقاتها ولكن كنت أعتقد بأنه بعد الزواج سوف تكون لنا مساحة حرية أكثر في التلاقي والتواصل هل من الطبيعي أن تعزل نفسها صديقتي عني ؟
فأنا أعزها جدا ولا أود أن يصل بنا الأمر لأن اقول لماذا علي انا التي أتصل بها كل مره.
لدي صديقات متزوجات أخريات .. نعم ليسوا موظفات مثلها ولكن ايضا ليسوا منعزلات بحياتهم هكذا ..
هل الزواج هكذا يفعل دائما؟ يسرقنا من ذواتنا؟
أم فقط إذا تزوجنا من نحب؟
****************************
****************************
الأخت الفاضلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة وبعد..
راحة البال تأتي للإنسان حينما ينسجم مع قوانين الطبيعة وسنن الحياة من حوله، أمّا إذا تطلب من الحياة ما لا تعطيه وتوقع الأيّام خلاف عادتها، فإنّه يظل دوماً في ألم ولوعة وآهات وحسرات.
الدهر بطبيعته يفرِّق بين الأحبّة، سواء في الدنيا، بالشتات في نواحي الأرض والإنشغال بشؤون الحياة، أم أخيراً بالموت المكتوب على كل جبين والذي لا يفرق بين الأصدقاء، بل بين الأحبّة والأشقاء..
فما العمل إذن، وهذه هي سنّة الحياة؟ هل نعادي الأيّام فتعادينا، وهل نتحسس لكل فراق لنعيش يومنا بالأحزان، أم نتقبل الحياة كما هي ونتفهم سننها، كما كانت وتكون، لكي نعيش ونحن مع الطبيعة أصدقاء، ونكيِّف أنفسنا لما يستقبلنا من أحداث، تقع لجميع البشر، ونحن منهم، وقد يأتي يوم لنجد أنفسنا في الموقع الذي لمنا فيه الآخرين وعاتبناهم عليه؟
والأهم من ذلك - أيتها الأخت الكريمة - هو أن نبني شخصياتنا بصورة أكثر إستحكاماً ومتانة وإستقلالية حتى لا نتأثر بالمحيط الخارجي كثيراً، إذ ينبغي على الإنسان أن يكوِّن لنفسه عالمه الخاص الذي يأنس به ويصادق من خلاله الطبيعة وكل ما حوله، ولكن بنوع من الخصوصية والإستقلالية التي تجعله في حصن حصين عن الإرتباط العاطفي المبالغ فيه، حتى يستطيع الإنسان أن يواصل حياته بإستقرار وإطمئنان.
ومما يساعد على ذلك أن يكون للإنسان أوقات خاصة لنفسه، لراحته، لإستجمامه، لمطالعاته وللإهتمام بشؤونه، فيكون بنفسه مكتفياً فكرياً وعاطفياً، مغتنياً عن الآخرين نوعاً ما، فلا يفرق في المحيط الإجتماعي ولا يرتبط به إرتباطاً عاطفياً كبيراً بالشكل الذي يؤثر عليه سلباً، فينفعل كلما تعرّضت هذه العلائق الإجتماعية لجذب أو ضمور، وبالتالي يهتز الإنسان عاطفياً ويعش الأزمة التي تأتيه من محيطه.
والعاطفة الإنسانية هي ما نعيش بها ونحب الحياة لأجلها، ولكن كما لكل شيء حد ومساحة، فكذلك العاطفة.. فإنها إن زادت عن حدّها تعرّض الإنسان للإنفعال والأذى، ففي الحياة إقبال وإدبار، والبشر يتأثرون بظروفهم، ولا نستطيع العيش بإعتدال إذا أحزننا كل أمر لا نرتاح إليه بشدة ليخلق في نفوسنا القلق والإحباط والكآبة.
وهكذا علينا التعامل بواقعية وإعتدال مع الآخرين، ونعذرهم لظروفهم، فلكل قابلياته وأوضاعه الخاصة، ولا يمكن أن نقيس الناس على أنفسنا ونحاسبهم على ذلك، فكما أنّ في الدنيا ألوان متعددة، وفصائل دم متنوعة، وفصول طبيعة أربعة، كذلك البشر أنواع وأصناف، من الأفكار والأمزجة، وعلينا أن نتعايش مع هذه الحقيقة ونتقبّل التعددية في الرأي والسلوك، ونعذر الناس، وقد ورد في الأثر عن الإمام علي بن الحسين: "أكثر الناس إيماناً أعذرهم للناس" أي مَن يعذرهم على أخطائهم، وهذا مما يساعدنا على التعايش مع المجتمع والإحتفاظ بعلاقاتنا الإجتماعية، مهما اختلفت الظروف، وقد قال الشاعر:
إذا كنت في كل الأُمور مُعاتباً **** صديقك لم تلق الذي لا تُعاتبه
ومما يساعد كثيراً على حفاظنا على توازننا في عواطفنا وعلاقاتنا توسعة هذه العلاقات لتشمل مساحة أوسع من الأهل والمقربين، فتكون مساحة أنسنا وتنمية حسّنا الإجتماعي واسعة، فلا تتأثر بفقد صديق.
كما إنّ تقوية إرتباط الإنسان بالله تعالى وأنسه به من خلال الصلاة والدُّعاء وقراءة القرآن له التأثير الكبير على شخصية الإنسان من نواحٍ عديدة، أهمّها الشعور بالثقة والإطمئنان لإرتباطها بالله الواحد المنّان، الرحمن الرحيم، اللطيف بعباده (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28)، واللجوء إليه تعالى كلما ألمّ بالإنسان ألم أو حزن (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 156)، وأيضاً فإنّه يجعل حياة الإنسان سعيدة مفعمة بالرضا لرضا الله عليه، ويشع بذلك نور نفسه على الآخرين، إذ ستكون له جاذبية خاصة وبريق داخلي يفقده الكثيرون.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) (مريم/ 96).
ومن الله التوفيق.