السؤال
السلام عليكم، لي قريبةٌ تزوَّجتْ من رَجل مِن أسرة معروفة اجتماعيًّا وماديًّا ودينيًّا، وقَبِلت به من أجْل الالْتزام الظاهر في هذه العائلة، وهي وقتَها لم تكن ملتزمة كما هي الآن، ولكن كانت ذاتَ خُلق، تَخشى الله في تصرُّفاتها، وتحافظ على الصلاة؛ ولكنَّها اكتشفتْ أنَّ زوجَها مختلفٌ اختلافًا جذريًّا عن أهله وإخوته، فهو الوحيد الذي لا يُحافظ على الصلاة، ولم يُكمل تعليمَه، وغير ناضجٍ فكريًّا، فاستعانتْ بالله وحاولت أن تأخذَ بيده، وتُصلِح حاله مع إصلاح حالها، واستفادتْ مِن عَلاقتها الطيِّبة بأسرتِه الالْتزامَ وتَعلُّم أمور دِينها، والقرب أكثرَ وأكثر مِن ربِّها، وأنجبتْ ابنًا وبنات، ومشكلتُها التي أودُّ استشارتَكم فيها: أنَّه منذ فترة اكتشفتْ أنَّه يُكوِّن علاقاتٍ مع نساء عن طريق (النِّت)، وواجهتْه فتعلَّل أنَّها محادثاتٌ ثقافيَّة ليس فيها شيء، وللأسف اكتشفت ابنتُه ذلك وابنُه، وهما في سنِّ المراهقة، وفُضح أمرُه؛ لأنَّه يُمارس هذا في محلاَّت الكمبيوتر المنتشرة بجوار بيتِ عائلته، وأخذ زُملاءُ البنات والابن يُعيِّرونهم بفعل أبيهم، بأنَّه شاذٌّ عن عائلته دينيًّا وماديًّا واجتماعيًّا، وكادتِ الزوجة تنهار، فتكاتفتُ أنا وأختُها وإخوته لمساعدتها، حتى لا ينهارَ البيت، فأخذتْ أختُها الابن عندَها؛ لأنَّ أولادَها كلَّهم بنون؛ لأن الابن ابتدأ في تقليد أبيه، وقسَا عليه إخوتُه، وهي واجهتْه بشدَّة، ونصحتْه بترْك هذا الشيء، والذهاب لعملٍ إضافي يُعينهم على أمور حياتهم، بدلَ تَذلُّلها وأولادها لعائلته، فَهُم يساعدونها ببعض المال، ولكن بعض الزَّوجات، وبعض أبنائهم يَمنُّون عليها بذلك، ويَجرحونها كثيرًا وأولادها، فاستعنتُ بالله وأخذتُ أساعِدُها ببعض معلوماتي اليسيرة لنصلَ لعلاجه، فأخذتُ أُحلِّل شخصيته على ضَوء تصرُّفاته وكلامها والمشاكل، فقد توصَّلتُ للآتي - ولقد حباني الله، وله الحمد بقدرةٍ على قراءة ما في النُّفوس وتحليلها -: أنَّه أصغرُ إخوتِه، فكان أبوه وإخوتُه يخافون عليه بشدَّة، ولا يُشاركونه في اتِّخاذ أيِّ قرار، أو المساعدة في أيِّ نائبة تمرُّ بالعائلة، وكان مُدلَّلاً، فتوصلتُ أنَّه عنده شعورٌ بالنقص من إخوته أنَّه لم يستطع أن يصلَ للمكانة الأدبيَّة والماديَّة مثلهم، ويرى أبناءَه أقلَّ من أبنائهم، هو يعلم؛ لذلك فبدلَ أن يُحاول أن يُغيِّر هذا الواقع بالعمل مِن أجل تحسين الوضْع المادي والأدبي، ذهب لِمَن يُعوِّضه عن هذا النقص بهذه العَلاقات؛ نتيجةً لتربيته على التدليل وعدم تحمُّل المسؤولية، فهو حين يتعامل مع النِّساء في مجال عمله، أو على (الشات)، يجد تعويضًا عن ذلك كله، فهو لا يَجدُ نفسَه مع الرِّجال، ولا يكوِّن علاقاتٍ من أجل البحث عن إشباعِ عاطفةٍ أو شهوة، وأرشدتُها لكي تأخذَه للقرب مِن الله، وأن يتكاتف إخوته معها على ذلك، وتحاول أن تمتدحَه كثيرًا، وتنعته بما ليس فيه، حتى بدأ يبتعد قليلاً، ولكن لم ينتهِ، وملَّتْ هي مِن كثرة كذبِه ومراوغته رغمَ أنَّها حاولتْ بشتَّى الطُّرق والوسائل، ويُشاهده الجميع، تحمَّلت في هذا الأمر فوقَ الطاقة، وكلُّ ذلك مع الضِّيق الماديِّ الشديد، وحال ابنها الذي أصبح مثلَ أبيه، وبدأ مثلَه؛ لا يُبالي بأحدٍ، ولا بدراسة، وكلُّ ما أخشاه أن تنفجرَ مرَّة، وتهدم البيت، فالحِمل حقيقة عليها شديدٌ، غيرَ أنَّ لها ابنةً معاقة تحتاج رِعايةً معنويَّة وماديَّة فوقَ طاقاتها، فبماذا تنصحون لحلِّ مشكلتها ومساعدتها؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
مرحبًا بك معنا في شبكة (الألوكة)، وأهلاً بكِ أُختَنا الفاضلة,
نسأل الله - تبارك وتعالى - أن ينفعَ بك ويجعلك مِفتاحًا للخير مِغلاقًا للشرِّ، فخيرُ الناس أنفعُهم للناس، وقد ورد في "صحيح مسلم": ((مَن نَفَّس عن مؤمن كُربةً من كُرَب الدُّنيا، نَفَّس الله عنه كُربةً من كُرَب يومِ القِيامة، ومَن يَسَّر على مُعسر يسَّر الله عليه في الدُّنيا والآخرة، ومَن سَتر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عَوْن العبدِ ما كان العبدُ في عون أخيه...)) الحديث.
فأسأل الله أن يجعلك لها خيرَ مُعين، وأن يُصلح لكِ ولها الحالَ في الدنيا والآخرة، وأن يباركَ فيكِ، فنِعمَ الأختُ والصَّدِيقةُ أنت.
يقول الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: "مِن تمام نعمة الله على عِباده المؤمنين أن يُنزلَ بهم من الضُّرِّ والشِّدَّة ما يُلجئُهم إلى توحيده؛ فيَدْعُونه مُخلصين له الدِّين، ويرجونه لا يَرجون أحدًا سواه، وتتعلَّق قلوُبهم به لا بأحدٍ سواه، فيحصل لهم من التوكُّل عليه والإنابة إليه، وحلاوة الإيمان، وذَوْق طعمه، والبراءة من الشِّرْك ما هو أعظمُ نعمةً عليهم من زوال المرض أو الخوف، أو الجدب أو الضُّر، وما يحصل لأهل التوحيد المخلصين لله الدِّين أعظمُ من أن يُعبِّر عنه مقال، ولكلِّ مؤمن من ذلك نصيبٌ بقدر إيمانه... وقال بعض الشُّيوخ: إنَّه ليكون لي إلى الله حاجة، فأدعوه فيفتح لي من لذيذِ معرفته، وحلاوة مناجاته ما لا أُحبُّ معه أن يُعجِّل قضاء حاجتي، أو أن ينصرَف عنِّي ذلك؛ لأنَّ النفس لا تُريد إلاَّ حظَّها" ا.هـ
فالدعاءُ أوَّل ما أنصحها به، وليستْ نصيحةً لعاجز، ولا على سبيل التجرِبة؛ بل هي نصيحةٌ لِمَن تثقُ في ربِّها، وتُحسن الظنَّ به، وتعلم أنَّها لا تدعو أصمَّ ولا غائبًا، وقد كان مِن سلفنا مَن يفتح البلاد، لا يحصل له الفتحُ إلاَّ بالدُّعاء؛ ولكنَّ الكثيرَ منَّا غفل عن هذا السِّلاح المتين، واعتمد على غيره فوكَلَه الله إلى نفسِه، فليكنْ أوَّل ما تفعله هذه الأختُ الصالحة هو التوجُّهَ إلى الله بالدُّعاء لزوجها، وذلك بتحرِّي أوقات الاستجابة، واستيفاء آداب الدُّعاء، وصِدْق اللُّجوء إلى مَن بيده مفاتيحُ القلوب يُقلِّبها كيف يشاء، والله - تعالى - سميع قريب مجيب.
يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، فعليها أن تُرغِّبه في الصلاة، وتجعله يعتادها بشتَّى الطُّرق، ولتعلم أنَّ هذا بداية العِلاج، فمَن لم تصلح صلاتُه التي هي عمود دينه، فكيف يصلح عملُه في الدنيا أو الآخرة؟!
فلترغِّبه في الصلاة، وتوضِّح له خطرَ التهاون بها؛ والله - تعالى - يقول: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4 – 5].
ولتستعنْ بالأشرطة والوعظ الحَسن والمشاركة في العمل؛ كأنْ يُصلِّيَا معًا في جماعة، وغيرها ممَّا يرغِّبه في الصلاة ويُحبِّبها إلى نفسه، فبذلك تَغرس في نفسه من جديد مراقبة الله - عزَّ وجلَّ - وتُقوِّي إيمانَه وصلته بالله - عزَّ وجل.
لا بدَّ مِن شغل وقته بما ينفع، فما دامتْ حالتُهم الماديَّة ضعيفة، فلماذا لا تبحث له عن عملٍ إضافي يُدرُّ عليهم دخلاً، ويُغنيهم عن الناس ومساعدتهم؟ الأفضل أن تجلس معَه في وقت مناسب، وتناقش معه أمرَ الدَّخل بعيدًا عمَّا يفعل، كأن تُبيِّن له حاجةَ الأولاد، وأنَّهم ليسوا صغارًا، وتُبيِّن له أنَّه يَقدر - بحول الله - على عمل إضافي، ولديه الكثيرُ من الطاقات التي قد تدرُّ عليه الخيرَ الكثير، لو تم توظيفُها بطريقة سليمة، ولتشجعه مثلاً بتقديم بعض المساعدات من جانبها - إن تيسَّر لها ذلك - لتكنْ هي المبادِرةَ إلى ذلك، فلتبحث له في الصُّحف، أو عن طريق الأصدقاء، أو الأهل عن وظيفةٍ جانبيَّة مناسبة، ولتخبره أنَّ الأمر على سبيل التجرِبة، فإنْ لم يتمكَّن فالأمر ليس إلزاميًّا، وبإمكانه البحثُ عمَّا هو أنسبُ - إن شاء الله - ولا تنسى أن تُبيِّن له أنَّ راحته فوقَ كلِّ شيء، وأنَّها تهتمُّ بها قبل أمر الدَّخل؛ ولكنَّه - بلا شك - حريصٌ على بيته وأولاده مثلها.
إن كان الأمر كما تَبيَّن لكم بسبب تدليل الوالدين الزائد، فأوصيها بالصَّبر والتصبُّر، والاستعانة بالله، فتلك بليَّة عظيمة، وخطأ فاحش يقع فيه الوالدان، وتدفع الزوجة والأبناء الثمنَ غاليًا؛ وهو التعامل مع الزَّوج المدلَّل أو الاعتمادي، فالأمر في هذه الحالة سيتطلَّب المزيد من الوقت والجهد، فلا تتعجَّل النتائج، ولتستعن بالله، وقد كان الأحنف بن قيس - رحمه الله - يقول - عندما سئل عن الحُكم ما هو؟ -: فقال: "الذُّل مع الصبر"، وكان إذا تعجَّب الناس مِن حِلمه يقول: والله إنِّي لأجدُ ما يجدون، ولكنِّي صبور.
وقال: "وجدتُ الحِلمَ أنصرَ لي من الرِّجال".
ولتعمل بقول خولة بنتِ منظور، حينما تُوفِّي زوجُها الحسن:
وما أروعَ ما قال الأعرابيُّ في بلاءٍ نزل به:
عليها بقياس المصالِحِ والمفاسد، فلتستعرض مزايا هذا الزَّوج وعيوبه، وليكن في وقت رِضا، وليس وقت سخط وغضب، ولتقارنْ حالَها إذا ما تركت هذا الزَّوج وطلبتِ الطلاق، فهل البقاءُ معه والصبر على حاله - حتى يأذن الله بهدايته - خيرٌ أمِ الفِراق؟
وأيُّهما أنفع للأولاد؟ ولتحسب النتيجةَ على ضَوْء ما ترى في مجتمعها، مُتخذةً في اعتبارها نظرةَ المجتمع إلى المطلَّقة، ومعاملة الأهل عندَ رجوعها إليهم، ولتسألْ أهل الخبرة والرأي، فالاستشارة مع التروِّي والحِلم خيرُ ما يعينها مع التوكُّل على الله.
لماذا لا تحاول أن تقومَ هي مقامَ أولئك النِّسوة، فإن لم يكن زوجُها يفعل ذلك لشهوةٍ أو عاطفة، فلماذا لا تُعطيه هي ما يعطونه؟
سواء كان ما يعطونه الثِّقة أو المرح، أو أنَّه ينسى معهنَّ بعضَ همومه ومسؤولياتِه.
لماذا لا تجعل بينها وبينه صرحًا متينًا من المحبَّة والصداقة، فلا لومَ ولا توبيخ ولا غمز ولا لمز؟! فإن كانت تَسعى جاهدةً لإصلاحه، فلا يَعني ذلك أنَّها مبرَّأةٌ تمامًا من الخطأ في حقِّه، ولا شكَّ أنَّ مثل هذا الحال سيجعلها في الغالب تثور، ولو في بعض الأحيان، وتتفوَّه بما يُضمر قلبُها وتُكِنُّ نفسُها مِن همٍّ وغمٍّ، وحُزن على حال زوجها.
فلماذا لا تحبس نفسَها في سبيل أن تُصبح هي ملاذَه الآمن، وسكنَه الذي لا يخذله إذا ما لجأ إليه مستغيثًا مهمومًا حزينًا؟
لا شكَّ أنَّ هذا قويٌّ على النفس، ويحتاج لزوجة أكثرَ صبرًا وثباتًا؛ لكن في سبيل إصلاح الزَّوج وكسبِه لا مانعَ من التضحية، أليس كذلك غاليتي؟!
أمَّا عن كيفية الوصول إلى هذا، فيعتمد على معرفتها الدقيقة بشخصية زوجِها، وليس أقدرُ على ذلك منها، فقط اقترحي عليها، والله يكتب لها التوفيق والعَوْن.
في النِّهاية يُؤسفني أن أُخبرَك أنَّ هذه المشكلة أصبحتْ شائعةً بشكل مخيف في زماننا، ولا تُنبئ بخير - والله المستعان - لكن الإنسان في الغالب يتصبَّر إذا ما رأى غيرَه في بلاءٍ مثله أو أشدَّ، وأنَّه ليس وحدَه المبتلَى بمثل تلك البليَّة، فحينها قد يتعامل مع المشكلة بمزيدٍ مِن الصبر والحِكمة، وهذا ما نرجوه.
شَكَر الله لكِ حِرصَكِ على صديقتك، ومحبَّتك لها، وأسعدَ قلبَك بصلاح حالها، وأنصحُك بالاستمرار في مناصحتِها وتوجيهها بما لديك مِن آراء سديدة وحِكمة، وصِدق الرَّغبة في الإصلاح، ولا تنسي أن تُوافيني بأخبارِها وأخبارك السارَّة - بإذن الله - وثِقي أنَّنا في انتظارك في كلِّ وقت فلا تتردَّدِي في مراسلتنا.
أ: مروة يوسف عاشور
السلام عليكم، لي قريبةٌ تزوَّجتْ من رَجل مِن أسرة معروفة اجتماعيًّا وماديًّا ودينيًّا، وقَبِلت به من أجْل الالْتزام الظاهر في هذه العائلة، وهي وقتَها لم تكن ملتزمة كما هي الآن، ولكن كانت ذاتَ خُلق، تَخشى الله في تصرُّفاتها، وتحافظ على الصلاة؛ ولكنَّها اكتشفتْ أنَّ زوجَها مختلفٌ اختلافًا جذريًّا عن أهله وإخوته، فهو الوحيد الذي لا يُحافظ على الصلاة، ولم يُكمل تعليمَه، وغير ناضجٍ فكريًّا، فاستعانتْ بالله وحاولت أن تأخذَ بيده، وتُصلِح حاله مع إصلاح حالها، واستفادتْ مِن عَلاقتها الطيِّبة بأسرتِه الالْتزامَ وتَعلُّم أمور دِينها، والقرب أكثرَ وأكثر مِن ربِّها، وأنجبتْ ابنًا وبنات، ومشكلتُها التي أودُّ استشارتَكم فيها: أنَّه منذ فترة اكتشفتْ أنَّه يُكوِّن علاقاتٍ مع نساء عن طريق (النِّت)، وواجهتْه فتعلَّل أنَّها محادثاتٌ ثقافيَّة ليس فيها شيء، وللأسف اكتشفت ابنتُه ذلك وابنُه، وهما في سنِّ المراهقة، وفُضح أمرُه؛ لأنَّه يُمارس هذا في محلاَّت الكمبيوتر المنتشرة بجوار بيتِ عائلته، وأخذ زُملاءُ البنات والابن يُعيِّرونهم بفعل أبيهم، بأنَّه شاذٌّ عن عائلته دينيًّا وماديًّا واجتماعيًّا، وكادتِ الزوجة تنهار، فتكاتفتُ أنا وأختُها وإخوته لمساعدتها، حتى لا ينهارَ البيت، فأخذتْ أختُها الابن عندَها؛ لأنَّ أولادَها كلَّهم بنون؛ لأن الابن ابتدأ في تقليد أبيه، وقسَا عليه إخوتُه، وهي واجهتْه بشدَّة، ونصحتْه بترْك هذا الشيء، والذهاب لعملٍ إضافي يُعينهم على أمور حياتهم، بدلَ تَذلُّلها وأولادها لعائلته، فَهُم يساعدونها ببعض المال، ولكن بعض الزَّوجات، وبعض أبنائهم يَمنُّون عليها بذلك، ويَجرحونها كثيرًا وأولادها، فاستعنتُ بالله وأخذتُ أساعِدُها ببعض معلوماتي اليسيرة لنصلَ لعلاجه، فأخذتُ أُحلِّل شخصيته على ضَوء تصرُّفاته وكلامها والمشاكل، فقد توصَّلتُ للآتي - ولقد حباني الله، وله الحمد بقدرةٍ على قراءة ما في النُّفوس وتحليلها -: أنَّه أصغرُ إخوتِه، فكان أبوه وإخوتُه يخافون عليه بشدَّة، ولا يُشاركونه في اتِّخاذ أيِّ قرار، أو المساعدة في أيِّ نائبة تمرُّ بالعائلة، وكان مُدلَّلاً، فتوصلتُ أنَّه عنده شعورٌ بالنقص من إخوته أنَّه لم يستطع أن يصلَ للمكانة الأدبيَّة والماديَّة مثلهم، ويرى أبناءَه أقلَّ من أبنائهم، هو يعلم؛ لذلك فبدلَ أن يُحاول أن يُغيِّر هذا الواقع بالعمل مِن أجل تحسين الوضْع المادي والأدبي، ذهب لِمَن يُعوِّضه عن هذا النقص بهذه العَلاقات؛ نتيجةً لتربيته على التدليل وعدم تحمُّل المسؤولية، فهو حين يتعامل مع النِّساء في مجال عمله، أو على (الشات)، يجد تعويضًا عن ذلك كله، فهو لا يَجدُ نفسَه مع الرِّجال، ولا يكوِّن علاقاتٍ من أجل البحث عن إشباعِ عاطفةٍ أو شهوة، وأرشدتُها لكي تأخذَه للقرب مِن الله، وأن يتكاتف إخوته معها على ذلك، وتحاول أن تمتدحَه كثيرًا، وتنعته بما ليس فيه، حتى بدأ يبتعد قليلاً، ولكن لم ينتهِ، وملَّتْ هي مِن كثرة كذبِه ومراوغته رغمَ أنَّها حاولتْ بشتَّى الطُّرق والوسائل، ويُشاهده الجميع، تحمَّلت في هذا الأمر فوقَ الطاقة، وكلُّ ذلك مع الضِّيق الماديِّ الشديد، وحال ابنها الذي أصبح مثلَ أبيه، وبدأ مثلَه؛ لا يُبالي بأحدٍ، ولا بدراسة، وكلُّ ما أخشاه أن تنفجرَ مرَّة، وتهدم البيت، فالحِمل حقيقة عليها شديدٌ، غيرَ أنَّ لها ابنةً معاقة تحتاج رِعايةً معنويَّة وماديَّة فوقَ طاقاتها، فبماذا تنصحون لحلِّ مشكلتها ومساعدتها؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
مرحبًا بك معنا في شبكة (الألوكة)، وأهلاً بكِ أُختَنا الفاضلة,
نسأل الله - تبارك وتعالى - أن ينفعَ بك ويجعلك مِفتاحًا للخير مِغلاقًا للشرِّ، فخيرُ الناس أنفعُهم للناس، وقد ورد في "صحيح مسلم": ((مَن نَفَّس عن مؤمن كُربةً من كُرَب الدُّنيا، نَفَّس الله عنه كُربةً من كُرَب يومِ القِيامة، ومَن يَسَّر على مُعسر يسَّر الله عليه في الدُّنيا والآخرة، ومَن سَتر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عَوْن العبدِ ما كان العبدُ في عون أخيه...)) الحديث.
فأسأل الله أن يجعلك لها خيرَ مُعين، وأن يُصلح لكِ ولها الحالَ في الدنيا والآخرة، وأن يباركَ فيكِ، فنِعمَ الأختُ والصَّدِيقةُ أنت.
يقول الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: "مِن تمام نعمة الله على عِباده المؤمنين أن يُنزلَ بهم من الضُّرِّ والشِّدَّة ما يُلجئُهم إلى توحيده؛ فيَدْعُونه مُخلصين له الدِّين، ويرجونه لا يَرجون أحدًا سواه، وتتعلَّق قلوُبهم به لا بأحدٍ سواه، فيحصل لهم من التوكُّل عليه والإنابة إليه، وحلاوة الإيمان، وذَوْق طعمه، والبراءة من الشِّرْك ما هو أعظمُ نعمةً عليهم من زوال المرض أو الخوف، أو الجدب أو الضُّر، وما يحصل لأهل التوحيد المخلصين لله الدِّين أعظمُ من أن يُعبِّر عنه مقال، ولكلِّ مؤمن من ذلك نصيبٌ بقدر إيمانه... وقال بعض الشُّيوخ: إنَّه ليكون لي إلى الله حاجة، فأدعوه فيفتح لي من لذيذِ معرفته، وحلاوة مناجاته ما لا أُحبُّ معه أن يُعجِّل قضاء حاجتي، أو أن ينصرَف عنِّي ذلك؛ لأنَّ النفس لا تُريد إلاَّ حظَّها" ا.هـ
فالدعاءُ أوَّل ما أنصحها به، وليستْ نصيحةً لعاجز، ولا على سبيل التجرِبة؛ بل هي نصيحةٌ لِمَن تثقُ في ربِّها، وتُحسن الظنَّ به، وتعلم أنَّها لا تدعو أصمَّ ولا غائبًا، وقد كان مِن سلفنا مَن يفتح البلاد، لا يحصل له الفتحُ إلاَّ بالدُّعاء؛ ولكنَّ الكثيرَ منَّا غفل عن هذا السِّلاح المتين، واعتمد على غيره فوكَلَه الله إلى نفسِه، فليكنْ أوَّل ما تفعله هذه الأختُ الصالحة هو التوجُّهَ إلى الله بالدُّعاء لزوجها، وذلك بتحرِّي أوقات الاستجابة، واستيفاء آداب الدُّعاء، وصِدْق اللُّجوء إلى مَن بيده مفاتيحُ القلوب يُقلِّبها كيف يشاء، والله - تعالى - سميع قريب مجيب.
يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، فعليها أن تُرغِّبه في الصلاة، وتجعله يعتادها بشتَّى الطُّرق، ولتعلم أنَّ هذا بداية العِلاج، فمَن لم تصلح صلاتُه التي هي عمود دينه، فكيف يصلح عملُه في الدنيا أو الآخرة؟!
فلترغِّبه في الصلاة، وتوضِّح له خطرَ التهاون بها؛ والله - تعالى - يقول: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4 – 5].
ولتستعنْ بالأشرطة والوعظ الحَسن والمشاركة في العمل؛ كأنْ يُصلِّيَا معًا في جماعة، وغيرها ممَّا يرغِّبه في الصلاة ويُحبِّبها إلى نفسه، فبذلك تَغرس في نفسه من جديد مراقبة الله - عزَّ وجلَّ - وتُقوِّي إيمانَه وصلته بالله - عزَّ وجل.
لا بدَّ مِن شغل وقته بما ينفع، فما دامتْ حالتُهم الماديَّة ضعيفة، فلماذا لا تبحث له عن عملٍ إضافي يُدرُّ عليهم دخلاً، ويُغنيهم عن الناس ومساعدتهم؟ الأفضل أن تجلس معَه في وقت مناسب، وتناقش معه أمرَ الدَّخل بعيدًا عمَّا يفعل، كأن تُبيِّن له حاجةَ الأولاد، وأنَّهم ليسوا صغارًا، وتُبيِّن له أنَّه يَقدر - بحول الله - على عمل إضافي، ولديه الكثيرُ من الطاقات التي قد تدرُّ عليه الخيرَ الكثير، لو تم توظيفُها بطريقة سليمة، ولتشجعه مثلاً بتقديم بعض المساعدات من جانبها - إن تيسَّر لها ذلك - لتكنْ هي المبادِرةَ إلى ذلك، فلتبحث له في الصُّحف، أو عن طريق الأصدقاء، أو الأهل عن وظيفةٍ جانبيَّة مناسبة، ولتخبره أنَّ الأمر على سبيل التجرِبة، فإنْ لم يتمكَّن فالأمر ليس إلزاميًّا، وبإمكانه البحثُ عمَّا هو أنسبُ - إن شاء الله - ولا تنسى أن تُبيِّن له أنَّ راحته فوقَ كلِّ شيء، وأنَّها تهتمُّ بها قبل أمر الدَّخل؛ ولكنَّه - بلا شك - حريصٌ على بيته وأولاده مثلها.
إن كان الأمر كما تَبيَّن لكم بسبب تدليل الوالدين الزائد، فأوصيها بالصَّبر والتصبُّر، والاستعانة بالله، فتلك بليَّة عظيمة، وخطأ فاحش يقع فيه الوالدان، وتدفع الزوجة والأبناء الثمنَ غاليًا؛ وهو التعامل مع الزَّوج المدلَّل أو الاعتمادي، فالأمر في هذه الحالة سيتطلَّب المزيد من الوقت والجهد، فلا تتعجَّل النتائج، ولتستعن بالله، وقد كان الأحنف بن قيس - رحمه الله - يقول - عندما سئل عن الحُكم ما هو؟ -: فقال: "الذُّل مع الصبر"، وكان إذا تعجَّب الناس مِن حِلمه يقول: والله إنِّي لأجدُ ما يجدون، ولكنِّي صبور.
وقال: "وجدتُ الحِلمَ أنصرَ لي من الرِّجال".
ولتعمل بقول خولة بنتِ منظور، حينما تُوفِّي زوجُها الحسن:
لاَ تَجْزَعِي يَا خَوْلُ وَاصْطَبِرِي إِنَّ الْكِرَامَ بُنُوا عَلَى الصَّبْرِ |
وما أروعَ ما قال الأعرابيُّ في بلاءٍ نزل به:
وَإِنِّي لَأُغْضِي مُقْلَتَيَّ عَلَى الْقَذَى وَأَلْبَسُ ثَوْبَ الصَّبْرِ أَبْيَضَ أَبْلَجَا |
عليها بقياس المصالِحِ والمفاسد، فلتستعرض مزايا هذا الزَّوج وعيوبه، وليكن في وقت رِضا، وليس وقت سخط وغضب، ولتقارنْ حالَها إذا ما تركت هذا الزَّوج وطلبتِ الطلاق، فهل البقاءُ معه والصبر على حاله - حتى يأذن الله بهدايته - خيرٌ أمِ الفِراق؟
وأيُّهما أنفع للأولاد؟ ولتحسب النتيجةَ على ضَوْء ما ترى في مجتمعها، مُتخذةً في اعتبارها نظرةَ المجتمع إلى المطلَّقة، ومعاملة الأهل عندَ رجوعها إليهم، ولتسألْ أهل الخبرة والرأي، فالاستشارة مع التروِّي والحِلم خيرُ ما يعينها مع التوكُّل على الله.
لماذا لا تحاول أن تقومَ هي مقامَ أولئك النِّسوة، فإن لم يكن زوجُها يفعل ذلك لشهوةٍ أو عاطفة، فلماذا لا تُعطيه هي ما يعطونه؟
سواء كان ما يعطونه الثِّقة أو المرح، أو أنَّه ينسى معهنَّ بعضَ همومه ومسؤولياتِه.
لماذا لا تجعل بينها وبينه صرحًا متينًا من المحبَّة والصداقة، فلا لومَ ولا توبيخ ولا غمز ولا لمز؟! فإن كانت تَسعى جاهدةً لإصلاحه، فلا يَعني ذلك أنَّها مبرَّأةٌ تمامًا من الخطأ في حقِّه، ولا شكَّ أنَّ مثل هذا الحال سيجعلها في الغالب تثور، ولو في بعض الأحيان، وتتفوَّه بما يُضمر قلبُها وتُكِنُّ نفسُها مِن همٍّ وغمٍّ، وحُزن على حال زوجها.
فلماذا لا تحبس نفسَها في سبيل أن تُصبح هي ملاذَه الآمن، وسكنَه الذي لا يخذله إذا ما لجأ إليه مستغيثًا مهمومًا حزينًا؟
لا شكَّ أنَّ هذا قويٌّ على النفس، ويحتاج لزوجة أكثرَ صبرًا وثباتًا؛ لكن في سبيل إصلاح الزَّوج وكسبِه لا مانعَ من التضحية، أليس كذلك غاليتي؟!
أمَّا عن كيفية الوصول إلى هذا، فيعتمد على معرفتها الدقيقة بشخصية زوجِها، وليس أقدرُ على ذلك منها، فقط اقترحي عليها، والله يكتب لها التوفيق والعَوْن.
في النِّهاية يُؤسفني أن أُخبرَك أنَّ هذه المشكلة أصبحتْ شائعةً بشكل مخيف في زماننا، ولا تُنبئ بخير - والله المستعان - لكن الإنسان في الغالب يتصبَّر إذا ما رأى غيرَه في بلاءٍ مثله أو أشدَّ، وأنَّه ليس وحدَه المبتلَى بمثل تلك البليَّة، فحينها قد يتعامل مع المشكلة بمزيدٍ مِن الصبر والحِكمة، وهذا ما نرجوه.
شَكَر الله لكِ حِرصَكِ على صديقتك، ومحبَّتك لها، وأسعدَ قلبَك بصلاح حالها، وأنصحُك بالاستمرار في مناصحتِها وتوجيهها بما لديك مِن آراء سديدة وحِكمة، وصِدق الرَّغبة في الإصلاح، ولا تنسي أن تُوافيني بأخبارِها وأخبارك السارَّة - بإذن الله - وثِقي أنَّنا في انتظارك في كلِّ وقت فلا تتردَّدِي في مراسلتنا.
أ: مروة يوسف عاشور