السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
افتراق الناس إلى ثلاثة فرق وأن سلف الأمة هم من أصاب الحق والخير
افترق الناس على ثلاث فرق: المشركون ومن وافقهم من مبتدعة أهل الكتاب وهذه الأمة، أثبتوا الشفاعة التي نفاها القرآن مثل قوله: مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فيتخذون آلهتهم وسائط تقربهم إلى الله زلفى، وتشفع لهم.
والخوارج والمعتزلة أنكروا شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته، بل أنكر طائفة من أهل البدع انتفاع الإنسان بشفاعة غيره ودعائه.
وأما سلف الأمة وأئمتها ومن اتبعهم من أهل السنة والجماعة فأثبتوا ما جاءت به السنة من شفاعته لأهل الكبائر من أمته وغير ذلك من أنواع شفاعته وشفاعة غيره من الأنبياء والملائكة، وقالوا: لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد، وأقروا بما جاءت به السنة من انتفاع الإنسان بدعاء غيره وشفاعته والصدقة، بل والصوم عنه في أصح قولي العلماء، وقالوا: إن الشفيع يطلب من الله، ويسأله، ولا تنفع الشفاعة إلا بإذنه، ولا يشفعون إلا لمن ارتضى.
وفي الصحيح أنه قال: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله .
فكلما كان الرجل أتم إخلاصا لله كان أحق بالشفاعة.
وأما من علق قلبه بأحد من المخلوقين يرجوه ويخافه، فهو من أبعد الناس عن الشفاعة، فشفاعة المخلوق عند المخلوق بإعانة الشافع للمشفوع له بغير إذن المشفوع عنده، بل يشفع إما لحاجة المشفوع عنده إليه، وإما لخوفه منه، فيحتاج أن يقبل شفاعته، والله -تعالى- غني عن العالمين، وهو وحده يدبر العالمين كلهم، فما من شفيع إلا من بعد إذنه، فهو الذي يأذن للشفيع، وهو يقبل شفاعته، كما يلهم الداعي الدعاء ثم يجيب دعاءه، فالأمر كله له، فإذا كان العبد يرجو شفيعا من المخلوقين، فقد لا يختار ذلك الشفيع أن يشفع له، وإن اختار فقد لا يأذن الله له في الشفاعة، ولا يقبل شفاعته.
وأفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ثم إبراهيم صلى الله عليه وسلم وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لعمه أبي طالب بعد أن قال: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك وصلى على المشركين ودعا لهم، فأنزل الله -تعالى-: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ وقيل له: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ فقال: لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر لهم لزدت فأنزل الله تعالى: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .
وقال: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ إلى قوله: <> يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا فالله تعالى له حقوق لا يشركه فيها غيره، وللرسل حقوق لا يشركهم فيها غيرهم، وللمؤمنين حقوق مشتركة، وفي حديث معاذ "حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا" وهذا أصل التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب.
قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ويدخل في ذلك أن لا يُخاف إلا إياه، ولا يُتقى إلا إياه.
قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فالطاعة لله ورسوله، والخشية والتقى لله وحده، كما قال: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ فالحلال ما حلله الرسول، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، والتحسب لله وحده، قال تعالى: وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ولم يقل: ورسوله، وذكر الرسول في الإيتاء؛ لأنه لا يباح إلا ما أباحه الرسول، فليس لأحد أن يأخذ كل ما تيسر له إن لم يكن مباحا في الشريعة، ثم قال: إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ فجعل الرغبة إلى الله وحده دون ما سواه، كما قال: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ فأمر بالرغبة إليه.
ولم يأمر الله قط مخلوقا أن يسأل مخلوقا وإن كان قد أباح ذلك في بعض المواضع، لكنه لم يأمر به، بل الأفضل للعبد أن لا يسأل -قط- إلا الله، كما في الصحيحين في صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب "هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" فجعل من صفاتهم أنهم لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، ولم يقل: لا يرقون، وإن كان قد روي في بعض طرق مسلم فهو غلط؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم رقى نفسه وغيره، لكنه لم يسترق، فالمسترقي طالب للدعاء من غيره، بخلاف الراقي غيره فإنه داع.
وقال لابن عباس: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله فهو الذي يتوكل عليه، ويستعان به، ويخاف ويرجى، ويعبد، وتنيب إليه القلوب، لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا منجى منه إلا إليه.
والقرآن كله يحقق هذا الأصل، والرسول صلى الله عليه وسلم يطاع، ويُحَب، ويرضى به، ويسلم إليه حكمه، ويعزر ويوقر، ويتبع ويؤمن به وبما جاء به.
قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بتحقيق التوحيد وتجريده، ونفي الشرك بكل وجه حتى في الألفاظ، كقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء محمد، بل ما شاء الله ثم شاء محمد وقال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندا؟! قل: ما شاء الله وحده .
والعبادات التي شرعها الله كلها تتضمن إخلاص الدين لله تحقيقا لقوله: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ .
فالصلاة والصدقة والصيام والحج كل ذلك لله وحده، فلا يعبد إلا الله، ولا يعبد إلا بما شرع.
فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا .
والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم على محمد في الآخرة والأولى.