تصنيف المسألة: فقهية |
قال سيدي أبو عبد الله بن الحاج </SPAN>في المدخل </SPAN>في فضل خروج العالم إلى قضاء حاجته في السوق </SPAN>: ينبغي له بل يجب عليه إذا اضطر إلى قضاء حاجته في السوق أن يباشر ذلك بنفسه ; فإن فعل أتى بالسنة على وجهها وبرئ - من الكبر , .
وإن عاقه عائق استناب من له علم بالأحكام في ذلك وليحذر من هذه العوائد الرديئة التي يفعلها بعض من ينسب إلى العلم , فتجد بعضهم يبحث في مسائل البيوع في الربويات وغير ذلك في الدرس ويستدل ويجيز ويمنع ويكره , فإذا قام أرسل إلى السوق من يقضي له الحاجة صبيا صغيرا كان أو كبيرا أو عبدا أو جارية أو غيرهم ممن لا علم له بالأحكام الشرعية , وفي السوق ما قد علم من جهل أكثر البياعين بالأحكام الشرعية , ومن الأشياء التي لا يجوز شراؤها , انتهى . والبيع لغة : مصدر باع الشيء إذا أخرجه عن ملكه بعوض أو أدخله فيه فهو من الأضداد يطلق على البيع والشراء , قال الله تعالى : وشروه بثمن بخس أي باعوه , وقال : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله .
وفي الحديث لا يبع على بيع أخيه </SPAN> أي لا يشتر على شرائه , وقال ابن الأنباري </SPAN>في كتاب الأضداد </SPAN>: قال جماعة من المفسرين في قوله تعالى أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى معناه باعوا الضلالة بالهدى , وذكر الزناتي </SPAN>في شرح الرسالة </SPAN>أن لغة قريش استعمال باع إذا أخرج واشترى إذا أدخل , قال : وهي أفصح , وعلى ذلك اصطلح العلماء تقريبا للفهم , وأما شرى فيستعمل بمعنى باع ففرق بين شرى واشترى , والشراء يمد ويقصر قاله في الصحاح </SPAN>, والبيعان والمتبايعان : البائع والمشتري يقال لكل واحد منهما بيع وبائع ومشتر كما صرح بذلك القرطبي </SPAN>في شرح مسلم </SPAN></SPAN>في بيع الخيار , ونصه : البيعان تثنية بيع , وهو يقال على البائع والمشتري كما يقال كل واحد منهما على الآخر , انتهى . وعرف بعضهم البيع لغة بأنه : إعطاء شيء في مقابلة شيء , أو مقابلة شيء بشيء , ويقال : باع الشيء يبوعه بوعا إذا قاسه بالباع .
وهو قدر مد اليدين قاله في الصحاح </SPAN>, وهذا واوي العين , والبيع يائي العين , وأبعت الشيء عرضته للبيع واستبتعته الشيء أي سألته أن يبيعه مني , ويقال بايعته من البيع , ومن البيعة هذا معناه لغة . وأما في الشرع فقال ابن عبد السلام </SPAN>معرفة حقيقته ضرورية حتى للصبيان , قال ابن عرفة </SPAN>ونحوه للباجي </SPAN>.
( قلت </SPAN>: ) ومال المصنف </SPAN>في التوضيح </SPAN>إلى ما قاله ابن عبد السلام </SPAN>والباجي </SPAN>فقال : إن الأقرب ما قاله ابن عبد السلام </SPAN>إن حقيقة البيع </SPAN>معروفة لكل أحد , فلا تحتاج إلى حد ولهذا - والله أعلم - لم يعرفه في هذا المختصر </SPAN>ورد ابن عرفة </SPAN>على ابن عبد السلام </SPAN>والباجي </SPAN>فقال : قلت </SPAN>: المعلوم ضرورة وجوده عند وقوعه لكثرة تكرره , ولا يلزم منه علم حقيقته حسبما تقدم في باب الحج , انتهى .
( قلت </SPAN>: ) ونقل ابن عبد السلام </SPAN>عن بعضهم أنه عرفه بأنه : دفع عوض في معوض , قال ويدخل تحته الصحيح والفاسد .
ورأى بعضهم أن الحقائق الشرعية إنما ينبغي تعريف الصحيح منها لأنه </SPAN>المقصود بالذات ومعرفته تستلزم معرفة الفاسد أو أكثره , فقال : نقل الملك بعوض , ويعتقد قائل هذا أن البيع الفاسد لا ينقل الملك , وإنما ينقل شبهة الملك , انتهى . ولفظة العوض في التعريفين توجب خللا فيهما ; لأنها </SPAN>لا تعرف إلا بعد معرفة البيع أو ما هو ملزوم للبيع , انتهى . وذلك لأن </SPAN>العوض هو أحد نوعي المعقود عليه , فمعرفته متوقفة على معرفة المعقود عليه توقف معرفة النوع على معرفة جنسه , وكذلك البيع فكل واحد منهما لازم وملزوم ومعرفة أحدهما لازم لمعرفة الآخر , والمعقود عليه ملزوم للبيع ; لأنه </SPAN>كلما وجد المعقود لزم وجود البيع ; لأنه </SPAN>لا يكون معقودا عليه إلا بعد تقدم عقدين , فتوقفت معرفة العوض على معرفة البيع أو معرفة ما هو ملزوم للبيع , وهو المعقود عليه , والفرض أن معرفة البيع توقفت على معرفة العوض ; لأنه </SPAN>أخذ في حده فجاء الدور والله أعلم .
ويأتي الكلام على هذا الإيراد , وعزا ابن عرفة </SPAN>التعريف الأول لأحد نقلي اللخمي </SPAN>أن البيع التعاقد والتقابض اعترض عليه في تركه التعقب عليها بغير ما ذكر , والتعريف الثاني للمازري </SPAN>والصقلي </SPAN>وتعقبهما بأن الأول لا يتناول غير بيع المعاطاة , وأن الثاني لا يتناول شيئا من البيع ; لأن </SPAN>نقل الملك لازم للبيع وأعم منه ; لأنه </SPAN>ينتقل بغيره كالصدقة </SPAN>والهبة , وكونه بعوض يخصصه بالبيع عن الهبة والصدقة , ولا يصيره نفس البيع , قال ويدخل فيه النكاح والإجارة , وفي تتمات الغرر من المدونة </SPAN>من قال : أبيعك سكنى داري سنة </SPAN>فذلك غلط في اللفظ .
وهو كراء صحيح , قال : وقوله : العوض أخص من البيع يرد بأنه أعم منه لثبوته في النكاح وغيره , وتقدم لابن بشير </SPAN>النكاح عقد على البضع بعوض , وقال ابن سيده </SPAN>: العوض البدل ونحوه , قال الزبيدي : </SPAN>يقال : أصبت منه العوض , وقسم النحاة التنوين أقساما أحدها تنوين العوض والأصل </SPAN>عدم النقل , انتهى بالمعنى .
( قلت </SPAN>: ) والتعريف الثاني ذكره ابن رشد </SPAN>في أول كتاب السلم من المقدمات </SPAN>فقال : نقل الملك على عوض , انتهى . ونقله في التوضيح </SPAN>عن المازري </SPAN>فقط قال عنه : وهو يشمل الصحيح والفاسد بناء على أن الفاسد ينقل الملك
قال : وإن قلنا إنه لا ينقله لم يشمله لكن العرب </SPAN>قد تكون التسمية عندهم صحيحة لاعتقادهم أن الملك قد انتقل عن حكمهم في الجاهلية , وإن كان لم ينتقل على حكم الإسلام خليل </SPAN>, وإن أردت إخراجه بوجه لا شك فيه فزد بوجه جائز , انتهى كلامه .
( قلت </SPAN>: ) اعلم أن العلماء اختلفوا في قوله تعالى : وأحل الله البيع هل هو من قبيل العموم الذي لا تخصيص فيه بناء على أن الفاسد لا يطلق عليه أنه بيع إلا على سبيل المجاز , ومنهم من قال : هو من قبيل العموم الذي يدخله التخصيص فهو على ظاهره إلا ما قام الدليل على خروجه , وهو مذهب أكثر الفقهاء .
وهذا بناء على أن البيع الفاسد يطلق عليه أنه بيع </SPAN>, ومنهم من قال : هو من قبيل المجمل ; لأنه </SPAN>يقتضي بظاهره إباحة كل بيع , وقوله بعده : وحرم الربا يقتضي تحريم كل بيع فيه تفاضل ولم يبين التفاضل الممنوع من الجائز , وقيل : إن الإجمال من جهة أنه ثبت في الشرع تحريم بعض البيوع فصارت الآية محتاجة إلى بيان الشروط التي تصح معها , وإذا كان المقصود من الحقائق الشرعية إنما هو معرفة الصحيح فلا حاجة إلى ما ذكره المازري </SPAN>من الاعتذار عن تسمية الفاسد بيعا عند العرب </SPAN>والله أعلم .
ثم ذكر في التوضيح </SPAN>أنه يرد على هذا التعريف أسئلة وأصلها لابن راشد </SPAN>وعنه نقلها الشارح الكبير : </SPAN>الأول أن البيع علة في نقل الملك </SPAN>يقال : انتقل الملك لمشتري الدار ; لأنه </SPAN>ابتاعها , والعلة مغايرة للمعلول </SPAN>فلا يمكن حد البيع بالنقل . الثاني أن النقل حقيقة في الأجسام مجاز في المعاني , والمجاز لا يستعمل في الحدود </SPAN>. والثالث أن الملك مجهول ; لأنا إن قلنا هو التصرف انتقض بتصرف الوصي والوكيل ; فإنهما غير مالكين وهما يتصرفان .
وقد يوجد الملك ولا تصرف كالمحجور </SPAN>عليه , وقد يوجدان معا في المالك الرشيد , وإذا كانت حقيقة الملك </SPAN>مجهولة فيكون قد عرف البيع بما هو أخفى منه ا هـ .
( قلت </SPAN>: ) السؤال الأول قريب من الإيراد الذي ذكره ابن عرفة </SPAN>, ويجاب عنه بأنه ليس من التعريف بالحد التام أو الناقص , وإنما هو من التعريف بالرسم الذي يكفي فيه التعريف بلازم الشيء , وأجاب ابن رشد </SPAN>عنه بأن التعليل لا يقتضي التغاير لوجود ذلك في كل حد مع محدوده تقول : هذا إنسان لأنه </SPAN>حيوان ناطق , ويجاب عن السؤال الثاني بأن النقل وإن كان مجازا في المعنى فإنما ذلك بحسب اللغة , وأما عند الفقهاء فالظاهر </SPAN>أنه حقيقة شرعية , والتعريف إنما هو بحسب العرف </SPAN>الشرعي , ويجاب عن السؤال الثالث بنحو ما أجيب عن الأول , وهو أنه لا يحتاج إلى معرفة حقيقة الملك بل يكفي تصوره بوجه ما , وقد عرف القرافي </SPAN>في الفرق الموفي ثمانين بعد المائة فقال : قاعدة التصرف وقاعدة الملك اعلم أن الملك أشكل على كثير من الفقهاء ضبطه ; فإنه عام يترتب عليه أسباب مختلفة كالبيع </SPAN>والهبة والصدقة والإرث وغير ذلك فهو غيرها , ولا يمكن أن يقال : هو التصرف ; لأن </SPAN>المحجور عليه يملك ولا يتصرف ثم ذكر نحو ما تقدم عن التوضيح </SPAN>.
ثم قال : وهذه حقيقة الأعم من وجه والأخص من وجه يجتمعان في صورة وينفرد كل واحد في صورة , والعبارة الكاشفة عن حقيقة الملك أنه : حكم شرعي يقدر في العين أو المنفعة يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك والعوض عنه من حيث هو كذلك . أما أنه حكم شرعي فبالإجماع </SPAN>, ولأنه </SPAN>يتبع الأسباب الشرعية , وأما أنه مقدر فلأنه </SPAN>يرجع إلى متعلق الإذن الشرعي , والتعلق أمر عدمي ليس وصفا حقيقيا , بل يقدر في العين أو المنفعة عند تحقق الأسباب المفيدة في الملك , وقولنا : في العين أو المنفعة , فإن الأعيان تملك بالبيع , والمنافع بالإجارة </SPAN>, وقولنا : يقتضي انتفاعه بالمملوك ليخرج تصرف الوصي والوكيل والقاضي , وقولنا : العوض عنه ليخرج الإباحة في الضيافات ; فإنها مأذون فيها وليست مملوكة على الصحيح </SPAN>ولتخرج أيضا الاختصاصات بالمساجد والربط ومواضع المناسك ومقاعد السوق ; فإنه لا ملك فيها مع التمكن الشرعي من التصرف .
وقولنا : من حيث هو كذلك إشارة إلى أنه يقتضي ذلك من حيث هو هو , وقد يختلف لمانع كالحجر </SPAN>والوقف إذا قلنا إنه على ملك واقفه . ثم قال ذلك الانتفاع دون المنفعة كبيوت المدارس ترجع إلى الإباحة كما </SPAN>في الضيافة فهي مأذون فيها لمن قام بشرط الواقف , ولا ملك فيها لغيره , بخلاف الجامكية ; فإن الملك محصل فيها لمن حصل له شرط الواقف , فلا جرم صح أخذ العوض بها وعنها