الحمدلله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61]
وقال: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]
وقال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]
ماذا أقول في قومٍ جمعوا إلى الكفر حقارة ودناءة وخسة ولؤمًا؟
ماذا أقول في قوم تطاولوا على جناب النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم فرسموا شيطانًا مثلهم وقالوا: ذاك محمد نبي الإسلام والمسلمين!!
يريد بقوله تدنيس شمس *** وأين الشمس من دنس وعار
هل يعرف هؤلاء الجهلة محمدًا صلى الله عليه وسلم إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين.
كيف ترقى في رقيك الأنبياء *** يا سماء ما طاولتها سماء
هلا سألونا نحن المسلمين عن صفته صلى الله عليه وسلم، حتى نجيبهم بما يبهر عقولهم، ويقطع ألسنتهم، ويجعلهم لا يجرؤون على تصويره بهذه الصور السخيفة.
أما صورته صلى الله عليه وسلم فقد خلقه الله تعالى على أكمل صورة، وأحسن هيئة وأبدع تركيب.
جميل المحيا أبيض الوجه ربعةٌ *** جليلٌ كراديسٍ أزجُّ الحواجب
صبيح مليجٌ أدعجُ العين أشكـلٌ *** فصيحٌ له الإعجام ليس بشائب
إنه البشير النذير، والسراج المنير، والمعلم الكبير، والقائد النحرير، الذي علونا به ذرى المجد فشرّفنا الله برسالته، وطاولنا الأنجم بقبول دعوته.
وكم أبٍ قد علا بابن ذرى شرف *** كما علا برسول الله عدنان
فهو شرفٌ للأصول والفروع على مدى الأزمان إلى يوم القيامة.
إنما كنا بأرض ميتة *** ليس للزائر فيها منتظر
فيحينا بك إذا أحييتنا *** وكذلك الأرض تحيا بالمطر
صفة وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا، وأحسنهم خلقًا وخُلقًا.
وكان أبيض مليح الوجه
وكان وجهه مستديرًا مثل الشمس والقمر
وكان إذا سرَّ استنار وجهه، كأنه قطعة قمر
قال أبو هريرة رضي الله عنه: "ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه الشمس تجري في وجهه".
في وجهه قسمات قد دللن على *** ما ضمه القلب من أخلاق قرآن
وكان صلى الله عليه وسلم ظاهر الوضاءة، شديد سواد الشعر، أكحل العينين، أهدب الأشفار- أي طويل شعر أشفار العينين، أفنى الأنف- أي طويل الأنف مع ارتفاع في وسطه ودقة أرنبيته.
وكان صلى الله عليه وسلم جميل الثغر، أبيض الأسنان، أفلج الثنيتين، وسيمًا قسيمًا إذا تكلم كالنور يخرج من بين ثناياه.
وكان صلى الله عليه وسلم مستوي الجبين، إذا طلع بوجهه على الناس تراؤوا جبينه كأنه ضوءٌ يتلألأ.
أما عنقه صلى الله عليه وسلم معتدلاً، لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر..
هكذا كان وجهه صلى الله عليه وسلم كما حدث بذلك من رأوه من الصحابة، كعلي بن أبي طالب، وأبي هريرة وهند بن أبي هالة، وأم معبد الخزاعية وغيرهم.
فلماذا هذا التشويه والإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكثر من مليار وربع المليار مسلم، أدمى قلوبهم هذه الصور البشعة التي نسبها بعض الجهلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زورًا وبهتانًا...
قد جفَّ من ماء الكرامة وجهه *** لكنه قِحةً ولؤما ينقط
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "ما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له صلى الله عليه وسلم، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه".
أغــــــــرّ عليــــــه للنبــوة خــاتــم *** من الله ميمـون يلـوح ويشهد
وضمَّ الإله اسم النبي إلى اسمه *** إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشقَّ له من من اسمـه ليجلــه *** فذو العرش محمودٌ وهذا محمد
هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نعرفه نحن لا أنتم معرفة اليقين، ولا نرتاب فيه طرفة عين، ولا يمكن أن ننسى فضله ومنته علينا.
أينسى أبرُّ الناس بالناس كلـهــــم *** وأكرمهم بيتًا وشعبًا وواديًا
أينسى رسول الله أكرم من مشى*** وأثاره بالمسجدين كما هي!
نكدر من بعـــد النـبــــي محـمــــد *** عليه سلام كل ما كان صافيا
فما شأنكم أنتم بسيد المرسلين؟!
وما سر عداوتكم لرسول رب العالمين؟
لا تعجبن إذا امتحنت بسخفه *** فالحر ممتحنٌ بأولاد الزنا
أخلاقه صلى الله عليه وسلم
أما أخلاقه صلى الله عليه وسلم فقد كان أحسن الناس خلقًا، وأكرمهم خصالاً... كان دائم البشر سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش يعفو ويصفح ويحلم على من يجهل عليه...
وكان كريمًا جوادًا منفقًا، لا يدخر شيئًا لغد، أعطى رجلاً غنمًا تملأ ما بين جبلين، فرجع إلى قومه قائلاً: "يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء لا يخشى مع الفقر أبدًا".
وكان صلى الله عليه وسلم شجاعًا مقدامًا أقرب ما يكون من العدو في ساحة المعركة، ولم تعرف له فرةٌ قط...
وأحسن خــــلـق الله صــــــدرًا *** وأنفعهم للناس عند النوائــب
وأجود خلـــــق الله صدرًا ونائـلاً *** وأبسطهم كفًّا على كل طـالب
وأعظم حــــر للمعالي نهوضـه *** إلى المجد سامٍ للعظائم خاطــب
ترى أشجع الفرسان لاذ بظهره *** إذا احمر بأسٌ في بئيس المواجب
وكان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة طويل السكوت، لا يتكلم من غير حاجة، ويتكلم بجوامع الكلم، كلامه فصل لا فضول فيه.
يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم شيئًا من الذواق الطعام.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، وإنما يغضب إذا انتهكت محارم الله، وينتصر لذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحياء، أشد حياء من العذراء في خدرها..
وكان صلى الله عليه وسلم سليم الصدر على أصحابه، لا يواجه أحدهم سواء، وإنما يقول عند المعتبة: «ماله تربت يمينه»
تلطفًا منه صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الصدق والأمانة ويوصف بهما، ولم يكن خلقٌ أبغض إليه من الكذب.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا فرح غضَّ طرفه، وكان جل ضحكه التبسم...
وكان صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا عما يعينه...
جزى الله عنا كل خير محمدًا *** فقد كان مهديًا وقد كان هــــــاديًا
وكان رسول الله روحًا ورحمـــة *** ونورًا وبرهـــــان من الله بــــــــاديًا
وكان رسول الله بالخير آمـــــرًا *** وكان عن الفحشاء والسوء ناهيًا
وكان رسول الله بالقسط قائمًا *** وكان لما استـــــرعاه مولاه راعيًا
أما مع أصحابه صلى الله عليه وسلم فقد كان يسأل عنهم، ويزورهم ويتفقد أحوالهم ويعينهم على نوائب الدهر وكان يؤلف بينهم ولا يفرقهم.
وكان صلى الله عليه وسلم يحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه..
معتدل الأمر غير مختلف، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه إلى غيره...
وكان صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلى على ذكر.. وكان لا يميز نفسه عن أصحابه بشيء، فيجلس حيث ينتهى به المجلس ويعطي كل جلسائه نصيبه، حتى لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه.
وكان لا يرد سائلاً إلا بشيء أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبًا وصاروا عنده في الحق متقاربين، يتفاضلون عنده بالتقوى...
وكان مجلسه علم وحلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، وتصان فيه الخطرات واللفظات والنظرات.
لا يجتمع في مجلسه إلا كرام القوم، يتعاطفون بالتقوى، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة ويؤنسون الغريب.
إمامٌ لهم يهديهم الحـق جاهـدًا *** معلم صدقٍ إن يطيعوه يسعدوا
عفوٌ عن الزلات يقبـل عذرهـم *** وإن يحسنوا فالله بـالخير أجود
عزيزٌ عليه أن يجوروا عن الهدى *** حريصٌ على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوفٌ عليهم لا يثـني جناحـه *** إلى كنـفٍ يحنـو عليهم ويمهد
هديه صلى الله عليه وسلم في الحرب
أما هديه صلى الله عليه وسلم في الحرب فقد كان أكمل الهدي وأعظمه، فالحرب في الإسلام ليست إلا آلة من الآلات التي لا تستعمل إلا عند الضرورة ولها آدابها التي تنأى بها عن تلك الحروب الهمجية التي ليست لها أهداف سوى القتل والخراب والدمار، فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انطلقوا باسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تقتلوا شيخًا كبيرًا، ولا طفلاً صغيرًا ولا امرأة، ولا تغلّوا وضموا غنائكم، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين».
حكمنا فكان العدل منا سجيةً *** فلما حكمتم سال بالدم أبطح
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة في إحدى الغزوات، فوقف عليها ثم قال: «ما كانت هذه لتقاتل».
ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لأحدهم: «الحق بخالد بن الوليد قائد الجيش فلا يقتلن ذريةً ولا عسيفًا أجيرًا ولا امرأة».
فهـــذا هو محمد صلى الله عليه وسلم أيــها الأغـبيـــاء الشـائنئـــون...
هذا من تهكمتم عليه وجعلتم عمامته على هيئة قنابل ومتفجرات في صوركم ورسوماتكم... هذه رحمته بكم، وحقنه لدمائكم، فما الذي تعيبون عليه؟
وما الذي تنكرون من أخلاقه وسيرته؟
أرعد وأبرق يا سخيفُ فما على *** آساد غـيلٍ من نباح جراء
اختسأ رقيعُ فليس كفؤك غير ما *** يجري من الأعفاج والأمعاء
كيف تذمون رجلاً أحيا أممًا ونقلها من حياة الجهل والجاهلية إلى حياة النور والعدالة والرحمة والمساواة.
أتطلبون من المختار معجزة *** يكفيه شعب من الأموات أحياء
كيف تعيبون رجلاً زكاه ربه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]
وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]
زكى استقامته فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2]
وزكى نطقه فقال: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]
وزكى صدره فقال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]
ورفع ذكره فقال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]
وزكى قلبه فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11]
وزكى بصره فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17]
وأقسم بحياته فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]
وما فقد الماضون مـثل محمد*** ولا مثله حتى القيامة يفقد
أعفُّ وأوفى ذمـة بعـد ذمــــة *** وأقرب منـه نائـــــلاً لا ينكــــد
وأبذل منه للطـريــف وتالـــــد *** إذا ضن معطاءٌ بمــا كان يتلد
وأثبت فرعًا في الفروع ومنبتًا*** وعـودًا غـذاؤه فالعـــود أغيـــد
رباه وليدًا فاستتــــم تمامــه *** على أكرم الخيرات رب ممجد
قل موتوا بغيظكم
إن الذي يحرك هؤلاء السفهاء هو الحقد على الإسلام، وعلى نبي الإسلام، وذلك لما يرونه من انتشار هذا الدين ومسيره مسير الليل والنهار، وعلوه علو الأنجم في السماء، حتى صار الإسلام هو الديانة الثانية في أوروبا وأمريكا، وبينما الغرب العجوز يتناقص فإن المسلمين يزيدون ويدخل كل يوم في دين الله من وجهاء القوم وعقلائهم ومشاهيرهم الجم الغفير، ما أذهل ساستهم وكبار مسؤوليهم ، وجعلهم يدقون نواقيس الخطر، ويحذرون من اكتساح الإسلام لأوروبا في سنوات قليلة.
ولسوف تشرق شمسكم بسمائهم *** يومًا وليست بعد ذلك تغربُ
ولكن ليعلم هؤلاء أن ما يفعلونه يخدم الإسلام من حيث لا يشعرون فهم يدعون الناس بتصرفاتهم الرعناء إلى البحث في الإسلام والتعرف على هذا النبي فإذا ما قرأ الناس عنه، وطالعوا أخباره وأحواله وسيرته، تبين لهم كذب هؤلاء وعرفوا عظمة هذا النبي وعظمة الإسلام فسارعوا إلى الدخول فيه والانضواء تحت لوائه، بل ومحاربة كل من يسيء إليه من قومهم وأهليهم وعشيرتهم.
فالإساءة إلى نبي الإسلام لا تقطع ذكره، لأن الله يقول: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]
إن مبغضك هو مقطوع الذكر، فهذه الإساءة إظهار الدين ونصر المسلمين، فكم اهتدى مهتدٍ بسبب ذلك، وكم تاب من المسلمين تائب بعد أن تعرض الإسلام ونبي الإسلام لمثل هذه الحملات الظالمة الكاذبة.
ماذا علينا
إن أعظم ما يمكن أن نفعله ردًا على تلك الحملات الجائرة هو تعميق اتباعنا للنبي صلى الله عليه وسلم فهذا أكثر ما يغيظ الأعداء، لأنه عكس مرادهم الذي أرادوه فعلينا أن نتعلم سنته صلى الله عليه وسلم ونتفقه في شريعته، ونتخلق بأخلاقه، ونتأدب بآدابه وندعو إلى دينه بأفضل الوسائل المتاحة، ونرد على الشبهات دون تنازل عن شيء من ثوابت الدين، ونصبر على الأذى في ذات الله، ونقاطع هؤلاء المستهزئين فلا ينتفعوا منا بدينار ولا درهم، وقبل ذلك نصلح البيت الداخلي، ونثبت الواحدة والأخوة الإسلامية، عملاً بقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]
اللهم إن هذا جهد المقل، يدافع به عن نبيك صلى الله عليه وسلم فتقبله منه، واغفر له تقصيره وزلـله، واكتبه في ديوان أتباع محمد صلى الله عليه وسلم والحمدلله رب العالمين.
بقلم/ خالد أبو صالح
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61]
وقال: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]
وقال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]
ماذا أقول في قومٍ جمعوا إلى الكفر حقارة ودناءة وخسة ولؤمًا؟
ماذا أقول في قوم تطاولوا على جناب النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم فرسموا شيطانًا مثلهم وقالوا: ذاك محمد نبي الإسلام والمسلمين!!
يريد بقوله تدنيس شمس *** وأين الشمس من دنس وعار
هل يعرف هؤلاء الجهلة محمدًا صلى الله عليه وسلم إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين.
كيف ترقى في رقيك الأنبياء *** يا سماء ما طاولتها سماء
هلا سألونا نحن المسلمين عن صفته صلى الله عليه وسلم، حتى نجيبهم بما يبهر عقولهم، ويقطع ألسنتهم، ويجعلهم لا يجرؤون على تصويره بهذه الصور السخيفة.
أما صورته صلى الله عليه وسلم فقد خلقه الله تعالى على أكمل صورة، وأحسن هيئة وأبدع تركيب.
جميل المحيا أبيض الوجه ربعةٌ *** جليلٌ كراديسٍ أزجُّ الحواجب
صبيح مليجٌ أدعجُ العين أشكـلٌ *** فصيحٌ له الإعجام ليس بشائب
إنه البشير النذير، والسراج المنير، والمعلم الكبير، والقائد النحرير، الذي علونا به ذرى المجد فشرّفنا الله برسالته، وطاولنا الأنجم بقبول دعوته.
وكم أبٍ قد علا بابن ذرى شرف *** كما علا برسول الله عدنان
فهو شرفٌ للأصول والفروع على مدى الأزمان إلى يوم القيامة.
إنما كنا بأرض ميتة *** ليس للزائر فيها منتظر
فيحينا بك إذا أحييتنا *** وكذلك الأرض تحيا بالمطر
صفة وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا، وأحسنهم خلقًا وخُلقًا.
وكان أبيض مليح الوجه
وكان وجهه مستديرًا مثل الشمس والقمر
وكان إذا سرَّ استنار وجهه، كأنه قطعة قمر
قال أبو هريرة رضي الله عنه: "ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه الشمس تجري في وجهه".
في وجهه قسمات قد دللن على *** ما ضمه القلب من أخلاق قرآن
وكان صلى الله عليه وسلم ظاهر الوضاءة، شديد سواد الشعر، أكحل العينين، أهدب الأشفار- أي طويل شعر أشفار العينين، أفنى الأنف- أي طويل الأنف مع ارتفاع في وسطه ودقة أرنبيته.
وكان صلى الله عليه وسلم جميل الثغر، أبيض الأسنان، أفلج الثنيتين، وسيمًا قسيمًا إذا تكلم كالنور يخرج من بين ثناياه.
وكان صلى الله عليه وسلم مستوي الجبين، إذا طلع بوجهه على الناس تراؤوا جبينه كأنه ضوءٌ يتلألأ.
أما عنقه صلى الله عليه وسلم معتدلاً، لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر..
هكذا كان وجهه صلى الله عليه وسلم كما حدث بذلك من رأوه من الصحابة، كعلي بن أبي طالب، وأبي هريرة وهند بن أبي هالة، وأم معبد الخزاعية وغيرهم.
فلماذا هذا التشويه والإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكثر من مليار وربع المليار مسلم، أدمى قلوبهم هذه الصور البشعة التي نسبها بعض الجهلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زورًا وبهتانًا...
قد جفَّ من ماء الكرامة وجهه *** لكنه قِحةً ولؤما ينقط
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "ما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له صلى الله عليه وسلم، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه".
أغــــــــرّ عليــــــه للنبــوة خــاتــم *** من الله ميمـون يلـوح ويشهد
وضمَّ الإله اسم النبي إلى اسمه *** إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشقَّ له من من اسمـه ليجلــه *** فذو العرش محمودٌ وهذا محمد
هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نعرفه نحن لا أنتم معرفة اليقين، ولا نرتاب فيه طرفة عين، ولا يمكن أن ننسى فضله ومنته علينا.
أينسى أبرُّ الناس بالناس كلـهــــم *** وأكرمهم بيتًا وشعبًا وواديًا
أينسى رسول الله أكرم من مشى*** وأثاره بالمسجدين كما هي!
نكدر من بعـــد النـبــــي محـمــــد *** عليه سلام كل ما كان صافيا
فما شأنكم أنتم بسيد المرسلين؟!
وما سر عداوتكم لرسول رب العالمين؟
لا تعجبن إذا امتحنت بسخفه *** فالحر ممتحنٌ بأولاد الزنا
أخلاقه صلى الله عليه وسلم
أما أخلاقه صلى الله عليه وسلم فقد كان أحسن الناس خلقًا، وأكرمهم خصالاً... كان دائم البشر سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش يعفو ويصفح ويحلم على من يجهل عليه...
وكان كريمًا جوادًا منفقًا، لا يدخر شيئًا لغد، أعطى رجلاً غنمًا تملأ ما بين جبلين، فرجع إلى قومه قائلاً: "يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء لا يخشى مع الفقر أبدًا".
وكان صلى الله عليه وسلم شجاعًا مقدامًا أقرب ما يكون من العدو في ساحة المعركة، ولم تعرف له فرةٌ قط...
وأحسن خــــلـق الله صــــــدرًا *** وأنفعهم للناس عند النوائــب
وأجود خلـــــق الله صدرًا ونائـلاً *** وأبسطهم كفًّا على كل طـالب
وأعظم حــــر للمعالي نهوضـه *** إلى المجد سامٍ للعظائم خاطــب
ترى أشجع الفرسان لاذ بظهره *** إذا احمر بأسٌ في بئيس المواجب
وكان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة طويل السكوت، لا يتكلم من غير حاجة، ويتكلم بجوامع الكلم، كلامه فصل لا فضول فيه.
يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم شيئًا من الذواق الطعام.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، وإنما يغضب إذا انتهكت محارم الله، وينتصر لذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحياء، أشد حياء من العذراء في خدرها..
وكان صلى الله عليه وسلم سليم الصدر على أصحابه، لا يواجه أحدهم سواء، وإنما يقول عند المعتبة: «ماله تربت يمينه»
تلطفًا منه صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الصدق والأمانة ويوصف بهما، ولم يكن خلقٌ أبغض إليه من الكذب.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا فرح غضَّ طرفه، وكان جل ضحكه التبسم...
وكان صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا عما يعينه...
جزى الله عنا كل خير محمدًا *** فقد كان مهديًا وقد كان هــــــاديًا
وكان رسول الله روحًا ورحمـــة *** ونورًا وبرهـــــان من الله بــــــــاديًا
وكان رسول الله بالخير آمـــــرًا *** وكان عن الفحشاء والسوء ناهيًا
وكان رسول الله بالقسط قائمًا *** وكان لما استـــــرعاه مولاه راعيًا
أما مع أصحابه صلى الله عليه وسلم فقد كان يسأل عنهم، ويزورهم ويتفقد أحوالهم ويعينهم على نوائب الدهر وكان يؤلف بينهم ولا يفرقهم.
وكان صلى الله عليه وسلم يحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه..
معتدل الأمر غير مختلف، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه إلى غيره...
وكان صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلى على ذكر.. وكان لا يميز نفسه عن أصحابه بشيء، فيجلس حيث ينتهى به المجلس ويعطي كل جلسائه نصيبه، حتى لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه.
وكان لا يرد سائلاً إلا بشيء أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبًا وصاروا عنده في الحق متقاربين، يتفاضلون عنده بالتقوى...
وكان مجلسه علم وحلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، وتصان فيه الخطرات واللفظات والنظرات.
لا يجتمع في مجلسه إلا كرام القوم، يتعاطفون بالتقوى، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة ويؤنسون الغريب.
إمامٌ لهم يهديهم الحـق جاهـدًا *** معلم صدقٍ إن يطيعوه يسعدوا
عفوٌ عن الزلات يقبـل عذرهـم *** وإن يحسنوا فالله بـالخير أجود
عزيزٌ عليه أن يجوروا عن الهدى *** حريصٌ على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوفٌ عليهم لا يثـني جناحـه *** إلى كنـفٍ يحنـو عليهم ويمهد
هديه صلى الله عليه وسلم في الحرب
أما هديه صلى الله عليه وسلم في الحرب فقد كان أكمل الهدي وأعظمه، فالحرب في الإسلام ليست إلا آلة من الآلات التي لا تستعمل إلا عند الضرورة ولها آدابها التي تنأى بها عن تلك الحروب الهمجية التي ليست لها أهداف سوى القتل والخراب والدمار، فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انطلقوا باسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تقتلوا شيخًا كبيرًا، ولا طفلاً صغيرًا ولا امرأة، ولا تغلّوا وضموا غنائكم، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين».
حكمنا فكان العدل منا سجيةً *** فلما حكمتم سال بالدم أبطح
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة في إحدى الغزوات، فوقف عليها ثم قال: «ما كانت هذه لتقاتل».
ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لأحدهم: «الحق بخالد بن الوليد قائد الجيش فلا يقتلن ذريةً ولا عسيفًا أجيرًا ولا امرأة».
فهـــذا هو محمد صلى الله عليه وسلم أيــها الأغـبيـــاء الشـائنئـــون...
هذا من تهكمتم عليه وجعلتم عمامته على هيئة قنابل ومتفجرات في صوركم ورسوماتكم... هذه رحمته بكم، وحقنه لدمائكم، فما الذي تعيبون عليه؟
وما الذي تنكرون من أخلاقه وسيرته؟
أرعد وأبرق يا سخيفُ فما على *** آساد غـيلٍ من نباح جراء
اختسأ رقيعُ فليس كفؤك غير ما *** يجري من الأعفاج والأمعاء
كيف تذمون رجلاً أحيا أممًا ونقلها من حياة الجهل والجاهلية إلى حياة النور والعدالة والرحمة والمساواة.
أتطلبون من المختار معجزة *** يكفيه شعب من الأموات أحياء
كيف تعيبون رجلاً زكاه ربه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]
وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]
زكى استقامته فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2]
وزكى نطقه فقال: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]
وزكى صدره فقال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]
ورفع ذكره فقال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]
وزكى قلبه فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11]
وزكى بصره فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17]
وأقسم بحياته فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]
وما فقد الماضون مـثل محمد*** ولا مثله حتى القيامة يفقد
أعفُّ وأوفى ذمـة بعـد ذمــــة *** وأقرب منـه نائـــــلاً لا ينكــــد
وأبذل منه للطـريــف وتالـــــد *** إذا ضن معطاءٌ بمــا كان يتلد
وأثبت فرعًا في الفروع ومنبتًا*** وعـودًا غـذاؤه فالعـــود أغيـــد
رباه وليدًا فاستتــــم تمامــه *** على أكرم الخيرات رب ممجد
قل موتوا بغيظكم
إن الذي يحرك هؤلاء السفهاء هو الحقد على الإسلام، وعلى نبي الإسلام، وذلك لما يرونه من انتشار هذا الدين ومسيره مسير الليل والنهار، وعلوه علو الأنجم في السماء، حتى صار الإسلام هو الديانة الثانية في أوروبا وأمريكا، وبينما الغرب العجوز يتناقص فإن المسلمين يزيدون ويدخل كل يوم في دين الله من وجهاء القوم وعقلائهم ومشاهيرهم الجم الغفير، ما أذهل ساستهم وكبار مسؤوليهم ، وجعلهم يدقون نواقيس الخطر، ويحذرون من اكتساح الإسلام لأوروبا في سنوات قليلة.
ولسوف تشرق شمسكم بسمائهم *** يومًا وليست بعد ذلك تغربُ
ولكن ليعلم هؤلاء أن ما يفعلونه يخدم الإسلام من حيث لا يشعرون فهم يدعون الناس بتصرفاتهم الرعناء إلى البحث في الإسلام والتعرف على هذا النبي فإذا ما قرأ الناس عنه، وطالعوا أخباره وأحواله وسيرته، تبين لهم كذب هؤلاء وعرفوا عظمة هذا النبي وعظمة الإسلام فسارعوا إلى الدخول فيه والانضواء تحت لوائه، بل ومحاربة كل من يسيء إليه من قومهم وأهليهم وعشيرتهم.
فالإساءة إلى نبي الإسلام لا تقطع ذكره، لأن الله يقول: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]
إن مبغضك هو مقطوع الذكر، فهذه الإساءة إظهار الدين ونصر المسلمين، فكم اهتدى مهتدٍ بسبب ذلك، وكم تاب من المسلمين تائب بعد أن تعرض الإسلام ونبي الإسلام لمثل هذه الحملات الظالمة الكاذبة.
ماذا علينا
إن أعظم ما يمكن أن نفعله ردًا على تلك الحملات الجائرة هو تعميق اتباعنا للنبي صلى الله عليه وسلم فهذا أكثر ما يغيظ الأعداء، لأنه عكس مرادهم الذي أرادوه فعلينا أن نتعلم سنته صلى الله عليه وسلم ونتفقه في شريعته، ونتخلق بأخلاقه، ونتأدب بآدابه وندعو إلى دينه بأفضل الوسائل المتاحة، ونرد على الشبهات دون تنازل عن شيء من ثوابت الدين، ونصبر على الأذى في ذات الله، ونقاطع هؤلاء المستهزئين فلا ينتفعوا منا بدينار ولا درهم، وقبل ذلك نصلح البيت الداخلي، ونثبت الواحدة والأخوة الإسلامية، عملاً بقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]
اللهم إن هذا جهد المقل، يدافع به عن نبيك صلى الله عليه وسلم فتقبله منه، واغفر له تقصيره وزلـله، واكتبه في ديوان أتباع محمد صلى الله عليه وسلم والحمدلله رب العالمين.
بقلم/ خالد أبو صالح